المرصد العمّالي الأردني – رزان المومني
على الرغم من استحداث وزارة العمل تصنيفا خاصا للمهنة والكشف عن إصدار 9023 تصريح، فإن العمّال ما يزالون يتحمّلون رسوم التصاريح من جيوبهم، دون ضمان اجتماعي أو تأمين صحي أو حتى مرجعية نقابية تدافع عنهم.
وبين أكثر من تسعة آلاف تصريح عمل وواقعٍ يخلو من أبسط مقوّمات الحماية، يقف "عامل خدمات العمارة" في الأردن أمام مفترق طرقٍ حول التنظيم الحقيقي لمهنته في سوق العمل الأردني.
وفيما ترى الحكومة في هذه الخطوة اعترافا رسميا يمهّد لتوطين المهنة وفتح فرص عمل جديدة للأردنيين، يرى خبراء أن غياب التنظيم الفعلي يجعلها خطوة ناقصة ما لم تُترجم إلى حماية حقيقية للعاملين.
ويؤكد الخبراء في حديثهم لـ"المرصد العمّالي الأردني" أن تنظيم المهنة بشكل ممنهج ربما يحوّلها إلى قطاع واعد قادر على توفير عشرات آلاف الفرص للشباب الأردني، بدل بقائها حكراً على العمالة الوافدة.
التصريح على حساب العامل والدخل إكراميات السكان
في عمارة سكنية وسط عمّان، يجلس العامل المصري أحمد على كرسي صغير قرب المدخل، يراقب حركة الداخلين والخارجين.
يعمل أحمد منذ نحو سبع سنوات في مجال "خدمات العمارة"، ويقول في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن مهنته ليست فقط حراسة، إذ يوضح بالقول: "أنا حارس العمارة وبفتح الباب وبنظف المدخل وبسقي الحديقة وبغسل سيارات السكان وبوصل لهم أغراض للشقق.. كل شيء ممكن أعمله".
ورغم إدراج المهنة ضمن تصاريح العمل الخاصة، يؤكد أحمد أن حياته العملية لم تتغيّر، ويدفع رسوم التصريح من جيبته الخاصة ليحافظ على عمله، "أنا دفعت 700 دينار بالسنة عشان أشتغل بس ما في ضمان اجتماعي ولا تأمين صحي، يعني لو تعبت أو صارلي حادث ما في جهة بتحميني".
أما من حيث الدخل، فيوضح أن ما يتقاضاه من صاحب العمارة لا يتجاوز 20 دينارا شهريا فقط، فيما يعتمد بشكل أساسي على ما يدفعه له السكان مقابل الخدمات الإضافية.
ويقول: "واحد بيعطيني 5 دنانير لغسيل السيارة، والآخر بيعطيني 10 دنانير في الشهر عشان أنظف حديقته، مرات بوصّل طلبات للسكان وبيعطوني مقابل التوصيل، وهيك بجمع بالشهر تقريبا 300 إلى 350 دينار".
لكن رغم أن الدخل قد يبدو مقبولاً مقارنة ببعض المهن الأخرى، إلا أن أحمد يراه غير كافٍ وثابت، "لو سافرت لمصر أو مرضت ما في راتب ثابت.. وكل الشغل بيعتمد على رضا السكان، يعني إذا زعل واحد منهم وما دفع بقل دخلي الشهري".
ويضيف أن تصريح العمل الجديد لم يمنحه أي حماية إضافية وهو مجرد "ورقة" بحسب وصفه، "لا حسّنت وضعي ولا غيرت شغلي، كل شيء زي ما هو، أنا بتحمل التكلفة وبشتغل نفس الشغل".
وزارة العمل: 9023 تصريح.. ولا شكاوى رسمية
من جانبها تكشف وزارة العمل الأردنية في ردها على "المرصد العمّالي الأردني" من خلال نموذج طلب الحصول على معلومة أن عدد العمّال الحاصلين على تصاريح عمل في هذه المهنة بلغ 9023 عاملاً حتى تاريخه.
أما فيما يتعلق بالشكاوى المرتبطة بتصنيف المهنة ورفع رسوم التصاريح، توضح الوزارة أنّه لا توجد إحصائية بهذا الشأن، وأنّ منصة "حماية" لا تستقبل شكاوى تخص الرسوم، كما لم ترد أي شكاوى رسمية مكتوبة للوزارة.
وفيما يخص آلية التعامل مع الشكاوى العمالية عموماً، تؤكد الوزارة أن مفتشي العمل يتابعون الشكاوى المقدمة من العمّال عبر التواصل مع المشتكي والتحقق من التفاصيل، ثم التواصل مع صاحب العمل للتأكد من صحة الشكوى.
وأضافت أنه في حال الحاجة، تنفذ جولات تفتيشية معلنة أو مفاجئة، لضمان تحصيل حقوق العمّال، وأنه عند ثبوت المخالفة يُصار إلى اتخاذ الإجراءات القانونية بحق صاحب العمل، وفقاً لقانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996 وتعديلاته.
اتحاد النقابات: المرجعية النقابية قيد الدراسة
فيما، يؤكد رئيس الاتحاد العام لنقابات عمّال الأردن خالد الفناطسة أن مسألة تحديد المرجعية النقابية لمهنة "عامل خدمات العمارة" ما تزال قيد الدراسة، موضحًا أن القرار يعتمد على حجم هذه الفئة ومدى استقرارها في سوق العمل.
ويقول الفناطسة، خلال حديثه إلى "المرصد العمالي الأردني" إن الخيارات المطروحة تتمثل إما بإنشاء نقابة خاصة بها في حال كان عدد العاملين كبيرًا وتخصصهم واضحًا، أو بضمهم إلى إحدى النقابات القائمة إذا تداخلت مهامهم مع نشاطها.
ويبيّن أن النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تُعد الأقرب لتمثيل هذه الفئة، كونها تعنى بمصالح العاملين في قطاعات خدمية متعددة، وهو ما يتناسب مع طبيعة عمل "عامل خدمات العمارة".
ويشير إلى أن الاتحاد سيعمل على تمكين هذه الفئة عبر تنظيم ورش تدريبية وتوعوية لتعريفهم بحقوقهم النقابية والقانونية، إضافة إلى تنسيق الجهود مع مؤسسات المجتمع المدني والجهات الحكومية لضمان بيئة عمل لائقة لهم.
ويوضح الفناطسة أن حماية عمال هذه المهنة من الاستغلال تتطلب متابعة ميدانية لظروف عملهم عبر لجان متخصصة، والتفاوض مع أصحاب العمل لعقد اتفاقيات جماعية تحدد بوضوح الأجور وساعات العمل وحقوق الضمان الاجتماعي. كما سيقدّم الاتحاد الدعم القانوني اللازم للعمال، ويعمل على توثيق الانتهاكات وممارسة الضغط على الجهات الحكومية لتشديد الرقابة وتطبيق القوانين.
ويؤكد الفناطسة أن الاتحاد يخطط لبدء حوارات رسمية مع وزارة العمل والضمان الاجتماعي من خلال تقديم طلبات ومقترحات مدروسة، مدعومة ببيانات عن أعداد العاملين واحتياجاتهم، مع متابعة مستمرة لضمان حسم المرجعية النقابية لهذه الفئة.
وبحسب الفناطسة، فإن أبرز التحديات التي قد تواجه ضم "عامل خدمات العمارة" للنقابات تتمثل في طبيعة العمل غير المستقرة، وضعف الوعي النقابي لدى بعض العاملين، إلى جانب مقاومة بعض أصحاب العمل، فضلا عن الغموض القانوني بشأن تصنيف هذه المهنة. لكنه يشدّد على أن تكثيف حملات التوعية وتطوير التشريعات من شأنه أن يساعد على تجاوز هذه العقبات.
ويلفت إلى أن استقطاب الشباب الأردني للعمل في هذه المهنة سيعزز من قوة النقابات العمالية ويوسّع قاعدة المنتسبين إليها، واستحداث تصريح عمل خاص بها خطوة مهمة لتنظيم السوق وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة.
الصبيحي: تنظيم المهنة يفتح الطريق لشمولها بالضمان ويوفّر آلاف فرص العمل للأردنيين
من جانبه يقول الخبير في التأمينات والحماية الاجتماعية موسى الصبيحي إن نظام رسوم تصاريح العمل الجديد، الذي دخل حيّز التنفيذ في 16 أيار الماضي، استحدث نوعاً جديداً من التصاريح الخاصة بمهنة "عامل خدمات عمارة" برسوم سنوية مقدارها 700 دينار، أي نصف قيمة تصريح العمل لذوي المهارات المتخصصة.
ويوضح في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني"، أن الخطوة تُعدّ الأولى من نوعها من حيث الاعتراف رسمياً بمهنة "عامل خدمات عمارة"، وهي مهنة اعتاد أن يشغلها منذ سنوات طويلة عمال وافدون، وتقتصر مهمتها على تقديم أو الإشراف على مختلف خدمات العمارة، وليس الحراسة فقط.
ويؤكد أن هذا التنظيم والتصنيف الجديد يفرض على مؤسسة الضمان الاجتماعي التحضير منذ الآن لشمول العاملين في هذه المهنة بأحكام قانون الضمان بشكل إلزامي، باعتبار العمارة منشأة خاضعة للقانون يمكن التعامل معها ومع لجانها على هذا الأساس.
ويشير إلى أن ذلك سيكون له أثر "كبير ووفير وجميل" على مستوى الحماية الاجتماعية للعاملين وعلى المركز المالي للمؤسسة.
وبحسب الصبيحي، فإن تقديرات أعداد العاملين بمهنة "حارس عمارة" أو "عامل خدمات عمارة" تصل إلى نحو 100 ألف عامل على مستوى المملكة، يشغلها الوافدون بنسبة 99.99 بالمئة.
ويرى أن عزوف الأردنيين عن هذه المهنة لا يعود لاعتبارات اجتماعية كما تطرح وزارة العمل بل لأنها غير منظّمة، وتفتقر إلى بيئة عمل ملائمة ومعايير واضحة تضمن الحقوق والالتزامات والأجور والحمايات.
ويشدد الصبيحي على أن تنظيم المهنة ووضع أسس وتشريعات تضبطها سيجعلها خياراً جاذباً للشباب الأردني الباحث عن عمل، بما يفتح آلاف الفرص أمامهم ويسهم في توطين 100 ألف فرصة عمل.
ويدعو وزارة العمل ومؤسسة الضمان الاجتماعي وأمانة عمان الكبرى والبلديات إلى الإسراع بتنظيم المهنة عبر خطة عمل تتضمن برامج تدريبية مكثفة من خلال مؤسسة التدريب المهني، وإصدار شهادات مزاولة رسمية، وإعداد بروتوكول خاص بالمهنة يحدّد بيئة العمل ومعاييرها.
ويقول إن هذه الخطوات من شأنها أن تخدم جميع الأطراف، من العاملين وأصحاب العمارات والدولة، عبر إخضاع المهنة لقوانين العمل والضمان، والحد من التجاوزات والمخاطر الاجتماعية المرتبطة بها، إضافة إلى زيادة أعداد المؤمن عليهم وتعزيز الحمايات الاجتماعية ودعم استدامة النظام التأميني للضمان.