الرئيسية > أزمة قطاع السياحة بالأردن تتفاقم.. و14300 عاملا فقدوا عملهم

أزمة قطاع السياحة بالأردن تتفاقم.. و14300 عاملا فقدوا عملهم

الاربعاء, 17 أيلول 2025
النشرة الالكترونية
Phenix Center
أزمة قطاع السياحة بالأردن تتفاقم.. و14300 عاملا فقدوا عملهم
المرصد العمّالي الأردني – رزان المومني
منذ 23 شهرا والقطاع السياحي الأردني ينزف تحت وطأة العدوان الإسرائيلي على غزّة والتوترات الإقليمية. أزمة ليست جديدة على السياحة الأردنية التي اعتادت أن تكون أول المتضررين في كل اضطراب سياسي أو أمني أو حتى وبائي مثل ما حصل في جائحة كورونا. 

يعمل في قطاع السياحة ككل أكثر من 56 ألف عاملاً وعاملة، ويصل عدد العاملين في المنشآت السياحية من فنادق ومطاعم واستراحات إلى أكثر من 30 ألف عاملا وعاملة (أردنيين ومهاجرين)؛ وهم من القطاعات العمّالية التي تتبع للنقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة بموجب القانون.

لكن هذه المرة حجم التراجع وما خلّفه من انعكاسات اجتماعية واقتصادية يضع القطاع أمام تحديات غير مسبوقة، فهذه الأزمة لم تترك أحدا بمنأى عنها؛ إذ وصل عدد العاملين الذين فقدوا وظائفهم بالقطاع السياحي إلى نحو 14,300 عامل وعاملة، وفق النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة مستندة إلى أرقام مؤسسة الضمان الاجتماعي.

فيما تقف المشاريع الصغيرة والمتوسطة على حافة الانهيار في ظل غياب الدعم الكافي. ويجمع خبراء في حديثهم لـ"المرصد العمّالي الأردني" على أن الأزمة تجاوزت توقف حركة السياحة الوافدة، لتصل آثارها إلى آلاف الأسر المتضررة وقطاعات خدمية وتجارية أخرى.

وتكشف الحالات الميدانية التي وثقها "المرصد العمّالي الأردني" حجم الضربة التي تلقاها العاملون في السياحة، حيث تتجسد الأزمة في فقدان وظائف، تراجع حاد في الأجور، وتآكل مشاريع عائلية كانت مصدر رزق أساسي لأسر كاملة.

هذه الحالات تلخص واقع آلاف العمّال الذين وجدوا أنفسهم أمام تهديد مباشر لمعيشتهم واستقرارهم الاجتماعي والنفسي، في وقت تغيب فيه حلول جذرية تعيد الثقة والقدرة على الصمود في واحد من أهم القطاعات الاقتصادية في الأردن.

دليلة بلا سيّاح
درست رهام (29 عاما) السياحة والآثار وأتقنت اللغتين الإنجليزية والفرنسية لتكون مرشدة سياحية محترفة، حيث كانت تستقبل الوفود القادمة من فرنسا وأمريكا، وتجوب بهم المواقع الأثرية وتروي لهم قصص الحضارات التي مرّت على الأردن.

اليوم تستدرك رهام أن الوفود السياحية شبه متوقفة منذ بدء العدوان على غزة، ما أفقدها مصدر رزقها الأساسي. لجأت للعمل بالترجمة عبر الإنترنت لكنها لم تجد فيه نفس الشغف ولا الدخل المستقر.

تقول رهام لـ"المرصد العمّالي الأردني" إنها كانت ترى عيون السياح انبهارا بتاريخ الأردن، وكان عملها مليئا بالحيوية، ودرست هذا التخصص لتعرّف الآخرين بتراث الأردن، إلا أن الظروف حالت بينها وبين ممارستها للمهنة.

وتوضح أن غياب السياحة لا يعني فقط خسارة مالية، بل خسارة لشغف أجيال كاملة درست وتخصصت في هذا المجال.

وتطالب الجهات المعنية باتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ القطاع السياحي والعاملين فيه وتقديم دعم مباشر للعاملين الذين فقدوا عملهم بشكل كامل والذين انخفضت مداخيلهم.

خسر نصف راتبه وينتظر البقاء
وفي أحد المطاعم السياحية التابعة لإحدى الفنادق المطلة على البحر الميت، كان محمود (38 عاما) يعمل مع عشرين موظفا آخرين، يقدمون الوجبات للزوار من مختلف الجنسيات، والمطعم كان يعج بالحركة خصوصا في عطلات نهاية الأسبوع.

لكن الأزمة قلبت المعادلة، حيث انخفض عدد الموظفين من 20 إلى 7 فقط، وكان محمود من القلة الذين تم الإبقاء عليهم. ورغم ذلك لم يسلم من الضرر، إذ تراجعت ساعات عمله إلى النصف وانخفض راتبه بشكل حاد.

يقول محمود لـ"المرصد العمّالي الأردني" إنه يعمل 10 ساعات يوميا وراتبه تراجع من 450 إلى 230 دينارا، وهو يعيش قلقا دائما من أن يأتي يوم ويخبره المدير أنه لم يعد بحاجة له.

ويشير إلى أن التأثير النفسي عليه كان أصعب من المادي، فلم يعد عنده استقرار ويستيقظ كل يوم ولا يعرف إن كان سيستمر بالعمل وهو معلّق بين البقاء والاستغناء.

ويلفت إلى أنه لم يتلق أي دعم من أي جهة حكومية كانت أم خاصة، وعليه فإنه يطالب بوضع حل لما يعاني منه العاملين في القطاع السياحي على اختلاف أعمالهم.

مشاريع صغيرة بمهب الريح
فيما، لم تسلم المشاريع العائلية الصغيرة من تداعيات تأثر القطاع السياحي، فمشروع محمد وأسرته الذي بدأه منذ خمسة أعوام بإنتاج المأكولات الشعبية الأردنية بالقرب من تلفريك عجلون، يشهد المشروع انخفاضا حادا في الإيرادات بنسبة تصل إلى 70 بالمئة.

انخفاض أعداد الزوار الأجانب والمحليين أثر سلباً على معيشة محمد وأسرته المكونة من خمسة أفراد والتي تعتمد على المشروع كمصدر أساسي للدخل.

يقول محمد في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن الالتزامات الشهرية للمشروع والأسرة تصل إلى 600 ديناراً، وهو الآن مع الوضع الحالي بالكاد يستطيع تغطية هذه الالتزامات.

ويوضح أن فترة عمل برنامج "أردنّا جنة" كانت من أكثر الفترات التي شهد فيها مشروعه ازدهاراً، وأسهم بجذب السياح المحليين إلى الموقع وانعكس إيجاباً على مبيعاته.

ويدعو محمد إلى تنفيذ برامج تدعم المنشآت السياحية الصغيرة والمتوسطة، وتنفيذ خطط تحفيزية للسياحة الخارجية لضمان عودة السياح الأجانب إلى الأردن.

النقابة تدعو لبدائل لحماية العاملين
وانتقالاً من الميدان إلى المظلة النقابية، يؤكد رئيس النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة خالد أبو مرجوب أن النقابة تواصل جهودها لحماية حقوق العاملين في القطاع السياحي خلال الأزمة الراهنة، مشيراً إلى أن مظلة النقابة تشمل الفنادق والمطاعم السياحية والاستراحات.

ويقول أبو مرجوب في حديثه إلى " المرصد العمّالي الأردني" إن النقابة قامت بدور بارز في الدفاع عن حقوق العاملين، خاصة فيما يتعلق بنسبة بدل الخدمة (Service Charge) والتي عملت على رفعها من 5 بالمئة إلى 7 بالمئة، وهو مطلب طالما نادى به العمّال.

ويشير إلى أن النقابة تسعى باستمرار لتحسين المستوى المعيشي للعاملين في مختلف القطاعات المرتبطة بالسياحة، من خلال تقديم مطالب تشمل علاوة غلاء المعيشة والعلاوات السنوية.

ويؤكد أن المكتسبات التي تحققت صبت في مصلحة العاملين وعززت من قدرتهم على الصمود في ظل الأزمات ومن بين الحلول الممكنة الاستفادة من خبرات العاملين في وكالات السفر ولا سيما إتقانهم للغات الأجنبية من خلال تأسيس مراكز اتصال لتقديم خدمات الدعم الفني والمعلومات للدول.

كما يشدد على ضرورة فتح أسواق سياحية جديدة والتركيز على السياحة الدينية وتحديث أدوات الترويج والتسويق، إلى جانب مراجعة البرامج السياحية الداخلية وتخفيض الكلف التشغيلية عن المنشآت في المناطق المتضررة.

وحول استجابة الحكومة لمطالب العاملين المتضررين، يلفت أبو مرجوب إلى أن الحكومة تحركت بسرعة لدعم القطاع السياحي نظراً لأهميته في رفد خزينة الدولة.

ويبين أن الإجراءات شملت تحمّل الحكومة كلف فوائد القروض الجديدة للمكاتب السياحية والفنادق (باستثناء فئة الخمس نجوم) لتغطية الرواتب والضمان الاجتماعي لمدة ثلاثة أشهر، إضافة إلى تقديم قروض ميسّرة بفوائد منخفضة عبر نافذة البنك المركزي وصندوق التنمية والتشغيل، الذي خصص أربعة ملايين دينار لدعم المشاريع السياحية الصغيرة والمتوسطة.

ويوضح أبو مرجوب أن الحكومة أعفت منشآت البتراء من رسوم التراخيص، وخاطبت أمانة عمان والبلديات لإمكانية الإعفاء أو تقسيط رسوم الترخيص عن المنشآت الأخرى.

كما جرى تمديد الإعفاء من الضريبة الخاصة على تذاكر الطيران القادمة إلى مطار الملك حسين الدولي في العقبة لثلاث سنوات، وفق أبو مرجوب، ودُعمت شركات الطيران بما فيها الملكية الأردنية بحوافز لتشغيل خطوط جديدة أو استئناف رحلات متوقفة، خاصة من وإلى العقبة والمطار المدني في عمّان.

وبخصوص السياحة الداخلية، يشير أبو مرجوب إلى أن الحكومة قامت بتمديد برنامج "أردننا جنة"، وخصصت له 500 ألف دينار، مع تقديرات بإنفاق إضافي يُجاوز مليون دينار من قبل الزوار على خدمات الضيافة والأنشطة السياحية المحلية.

وعن خطط النقابة لدعم العمال الذين فقدوا وظائفهم، يقول إن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي قامت بصرف 10 ملايين دينار عبر صندوق التعطل لنحو 14,300 عامل في مختلف القطاعات، بينهم عدد كبير من العاملين في السياحة، وذلك خلال النصف الأول من العام الجاري.

صندوق طوارئ لإنقاذ القطاع والعاملين 
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي حسام عايش إن تراجع القطاع السياحي يترك أثرا مباشرا على الاقتصاد الوطني، نظرا لمساهمته بما يقارب 21 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، واعتباره من أبرز مصادر العملات الأجنبية.

ويرى عايش أن استمرار التراجع يهدد العديد من الأنشطة المرتبطة بالسياحة خصوصا قطاعات التجزئة والخدمات، وقد يؤدي إلى خروج بعضها من السوق.

ويشير إلى أن القطاع السياحي في طريقه لاستعادة عافيته، إلا أن هشاشته تجعله الأكثر تأثرا بالأزمات والحروب وعدم الاستقرار الإقليمي والاقتصادي.

ويلفت إلى أن السياحة الداخلية يمكن أن تكون سندا للقطاع في أوقات الأزمات، إذا ما جرى الاستثمار في دور السائح المحلي ودمجه في الاستراتيجية السياحية. 

ويدعو عايش إلى إنشاء صندوق طوارئ يوفر مظلة حماية للعاملين والمنشآت في حال تراجع الأداء، وتنويع الأسواق السياحية الخارجية لجذب شرائح جديدة من الزوار.

ويشدد على أهمية مراجعة كلف الإقامة والطاقة والضرائب، وتعزيز خيارات الطيران منخفض التكاليف لتشجيع المزيد من الزوار، مؤكدا أن هذه الإجراءات قادرة على الحد من آثار التراجع وضمان استدامة النشاط السياحي في الأردن.