Phenix Center
English
 

الرئيسية > تأثير الثورة المضادة على الحركات العمالية.. الأردن مثالا / دينا عمر - الاشتراكي

تأثير الثورة المضادة على الحركات العمالية.. الأردن مثالا / دينا عمر - الاشتراكي

الثلاثاء, 23 كانون الأول 2014
النشرة الالكترونية
Phenix Center


وفقا لتقرير أصدره المرصد العمالي الأردني، التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، فإن الاحتجاجات العمالية الأردنية في النصف الأول من عام 2014 شهدت انخفاضا ملحوظا، إذ بلغت 302 احتجاجا، وبتراجع كبير نسبته 49% عن نفس الفترة من العام الماضي.

الساحة الاحتجاجية في الشارع الأردني تقلصت أيضا بشكل كبير بعد انتفاضة رفع الدعم عن المحروقات بنوفمبر 2012 التي اُعتقل على إثرها العشرات، وقبل عدة أيام وقع 25 نائبا من البرلمان الأردني عريضة تطالب بوقف الاعتقالات السياسية وإطلاق سراح المعتقلين لدى محكمة أمن الدولة ووقف سياسات تكميم الأفواه وإطلاق الحريات.

لكنه، وخلال هذا العام وتحديدا بعد انقلاب المؤسسة العسكرية المصرية وأحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة، تصاعدت وتيرة قمع السلطات الأردنية باعتقال نشطاء واحتجاز سياسيين تصنفهم السلطات تحت اسم “جماعات محظورة”، كما أُلقي القبض على 4 أشخاص بتهمة حيازة شعار محظور وضعه أحدهم على سيارته، وهو نفس شعار رابعة الذي يرفعه متظاهرو جماعة الإخوان المسلمين بمصر، وبالتوازي تصاعدت وتيرة القمع الأمني للإضرابات العمالية باعتقال 5 موظفين من شركة ميناء حاويات العقبة أثناء مشاركتهم في إضراب مفتوح، بشهر أكتوبر الماضي. فيما أكدت كل الحكومات، الجديدة والمُقالة، على عدم السماح بإهانة “الذات الملكية”!

وبرغم اختلاف حدة الظروف السياسية بين البلدين، مصر والأردن، إلا أن تتبع الظرف السياسي العام الذي يسيطر على المنطقة في مرحلة ما بعد الربيع العربي سيساهم في تفسير هبوط الحركة العمالية في كلا البلدين بما يضع مزيدا من التحليلات حول طبيعة التحديات وأفق تشابكها.

في هذا المقال نحاول توضيح السؤال الرئيسي حول تلك التأثيرات على الحركة العمالية الأردنية.

الحركة العمالية الأردنية.. أين تقف؟
رغم أن الطبقة العمالية الأردنية ليست عريضة مقارنة بمثيلتها في مصر، إلا أن النظام الرأسمالي بكلتا الدولتين واستغلاله للعمال وحًد على الجانب الآخر معاناتهم.

75% من الاحتجاجات تتبنى مطلب الحد الأدنى للأجور، المقدر بـ 190 دينار أردني، وهو أحد المطالب العمالية الرئيسية المشتركة بين الاحتجاجات الأردنية عامة، ولا يتوافق مع غلاء المعيشة المتصاعد، يليه مطالب التثبيت والضمان الاجتماعي.

وفقا للباحثة شيرين مازن، التي التقتها جريدة “الاشتراكي” بمقر المرصد العمالي الأردني بعمان، فإنه:”هناك عدة عوامل ساعدت على خفوت الاحتجاجات العمالية العام الحالي منها: اشتداد العقوبات التعسفية التي يتعرض لها العمال والتي تشمل النقل إلى أماكن عمل أبعد، والتدخلات الأمنية القمعية المفرطة، وضغط السلطات على الاحتجاجات العمالية إما حجز قادتها أو ترقية بعضهم على سبيل الرشوة كوسيلة لاستيعاب الحركة”.

إضراب الجمارك، وهو أحد أهم الإضرابات القطاعية على الساحة العمالية بالأردن العام الماضي، شهد تدخلات تعسفية بنقل قياداته إلى قطاعات مختلفة كليا عن عملهم وفي أماكن أبعد بالإضافة إلى تخفيض رواتبهم إلى النصف كسبيل للمعاقبة، ووفقا لشيرين: “إضراب الجمارك يعكس تماما حال الحركة العمالية بتوقيع اتفاقية لا تعدو سوى حبر على ورق ولم ينفذ منها أي شيئ”.

الصورة الإجمالية قبل عام 2011 تضعنا أمام انقضاض واضح على مطالب الحركة العمالية حيث اعتقلت القوات الأمنية عمال الموانئ وعمال المياومة ومارست ضدهم التعسف، لكن الوضع اختلف كثيرا أثناء تصاعد الحدة الثورية ببلدان الربيع العربي، حيث استخدمت السلطات محاولات استيعاب الغضب العمالي دون تحوله إلى انفجار يصعب سيطرتها عليه.

إضراب عمال البريد، العام الماضي والذي تزامن بعد إضراب الجمارك، استمر لعدة أسابيع، كأحد أطول الإضرابات من الناحية الزمنية، وبمشاركة 90% من العاملين حيث انتهجت السلطات نفس سياسات المماطلة والتفاوض الطويل والغير مُجدي فعليا، لكنه، في المجمل، تزامن مع الوقت الذي سمحت فيه السلطات بشلل في القطاعات الحيوية دون استعمال القوة المفرطة في فضه أو مثلما وصفته شيرين بـ “الأمن الناعم”. هذا السماح ليس فقط باعتبار ضخامة الإضراب وتأثيره، لكن باعتبار تحين الفرصة لانتهاز ظرف عام جديد وفرض واقع يلغي بالأساس توحد العمال وتكتلهم في إضرابات واسعة مجددا، وبالتالي، وبعد مرور عام شهدنا فيه انقلاب موازين القوى بين الدفعات الاحتجاجية للشعوب وتسيد الثورة المضادة، ظهر بالتوازي دور جديد لقوات الأمن الأردنية للوصول إلى الهدف المرغوب في القضاء على الإضرابات القطاعية بـ “لعب دور المفاوض بين العمال وصاحب العمل” وفقا لما أكدته شيرين.

وبعد تصاعد الثورة المضادة وتغليب الاتفاف على الثورات العربية، أُتيحت الفرصة، على الجانب الآخر، لاستشراس اتعامل الأمني على كافة أصعدته، وبالتالي تقهقر الاحتجاجات العمالية.

الأرقام توضح الوضع كثيرا، فقد سجلت الاحتجاجات العمالية عام 2010 (149) احتجاجا، وفي عام الانفجار الثوري بالمنطقة عام 2011 سجلت 829 احتجاجا، وهو رقما قياسيا وبتضاعف 5 مرات ونصف عن العام الذي يسبقه، فيما بلغت (901) احتجاجا عام 2012، لتنخفض عددها مجددا إلى (890) احتجاجا عام 2013، ثم إلى (302) احتجاجا فقط خلال النصف الأول من عام 2014 بما يعادل انخفاض بنسبة 49% عن نفس النسبة من العام الذي يسبقه كما أوضحنا في المقدمة.

شهر أكتوبر الماضي يواجهنا بحقيقة الوضع العمالي الحالي حيث اعتقلت قوات الأمن 5 موظفين من شركة ميناء حاويات العقبة أثناء مشاركتهم في إضراب مفتوح احتجاجا علی عدم التزام الإدارة بتنفيذ القرارات المتفق عليها، والمعروف أن الميناء هو أحد أكبر الموانئ ويعمل بمثابة بوابة رئيسية لنقل البضائع من وإلى الأردن. ظروف الاعتقال هنا للقضاء على أي مساحة لاتساع الإضراب واستيعابها أمنيا، أو مثلما أكدت شيرين أنه: “في الآونة الأخيرة، ظهرت إصابة العمال باليأس من عدم استجابة أصحاب العمل لمطالبهم”. فيما برز التعسف في إنهاء رئيس سلطة العقبة الاقتصادية عقود 40 موظفا بشكل نهائي، واستبدالهم بعمالة من الخارج. وفي الشهر الذي يسبقه، سبتمبر الماضي، وفي إطار ضرب نضالات ومطالب العمال واستغلالا للعمالة الرخيصة، أقدمت شركة ميناء حاويات العقبة، بالتعاون مع الحكومة، على استقدام العشرات من العمال الآسيويين حال نفذ العمال إضراباً شاملاً، بما يضع الاختيار واضحا أمام العمال: إما أن ترضخ لاستغلال صاحب العمل أو أن تعتقلك القوات الأمنية وتستبدلك فورا بعمالة رخيصة تقبل الشروط المجحفة!

بناء تنظيمات عمالية مستقلة قادرة على خوض معارك ضارية ضد أصحاب العمل هي أولى التحديات التي تواجه الحركة العمالية الأردنية قبل وأثناء وبعد الربيع العربي.

“النقابات العمالية تخضع لسيطرة الحكومة والمخابرات وبالتالي لا يظهر دورها السياسي سوى في خطابات التمجيد مما ساهم في فصل العمل النقابي عن أي رؤية سياسية تربط الوضع الاقتصادي بالأوضاع السياسية والاجتماعية” لكنه، وفقا لشيرين “النقابات المهنية هي أكثر تنظيما من النقابات العمالية وأقوى، والكثير من أعضائها مسيسين، وانبثقت منها عدة لجان لدمج العمل النقابي مع القضية الوطنية مثلما ظهر في بعض الاعتصامات ضد تصدير الغاز لإسرائيل وإلغاء اتفاقية وادي عربة كذلك لجنة مقاومة التطبيع في نقابة الأطباء أحد أهم النقابات المهنية. نقابة المهندسين أيضا تضم من بين أعضائها القوميين واليساريين والإخوان. هذا التنوع السياسي، رغم التعنت والتكتلات الحزبية، انعكس بشكل يختلف تماما في الانتخابات مع النقابات العمالية التي يترأسها قادة معينيين رسميا بالتزكية من جانب المخابرات العامة”.

انحسار الحركة وبعبع الإرهاب
لكنه، ووفقا لشيرين، فإن: “الخطاب الحكومي الآن ومع انحسار الموجات الثورية وصعود الثورة المضادة وتسيدها في المنطقة يعتمد على تصدير الوجه المعلن في التنصل من تلبية أي مطلب احتجاجي. فيما اعتمد الخطاب الأخير لمجلس الدولة مفهوم الحرب والتخويف من أخطار داعش، ليس فقط في القضاء على الاحتجاجات العمالية، لكن للقضاء على كل الاحتجاجات بالمصانع والشوارع. في المقابل، تستمر الحكومة في استخدام الأرقام الترويجية في استثمارات خيالية لمشاريع وهمية أو هزيلة لا تستوعب الأزمات الاجتماعية المتلاحقة”.

التعسف لم يطل الحركة العمالية فقط، لكنه جزء من مناخ قمعي عام واستشراس للقوات الأمنية ومؤسساتها.

حركة المعطلين هي إحدى أهم الحراك الذي استجد على الساحة الأردنية بقوة وتحديدا في إطار الثورات العربية بالمنطقة حيث تفجر الأزمات الاجتماعية. في نفس الشهر الذي اعتقلت فيه القوات الأمنية عمال الموانئ، اعتقلت أيضا عدد من أهالي منطقة الزعتري، والمتعطلين عن العمل في محافظة المفرق أثناء اعتصامهم، للمطالبة بالتعيين حيث تفاجئوا بمدرعات الدرك أثناء انتظارهم المحافظ ، ضمن حملة اعتقالات عشوائية طالت بعض المارة بالقرب من مبنى المحافظة. أما في يونيو الماضي، فقد اعتقلت قوات الدرك 5 عاطلين من المعتصمين أمام سلطة مفوضية العقبة، ليبقى الانتحار أحد أندر مستجدات الساحة الاحتجاجية بالأردن التي تتم دون تدخل مباشر من القوات الأمنية!

استعراض التحديات التي تواجهها الحركة العمالية الأردنية هو نافذة تطل على الوضع الاحتجاجي العام. فوفقا لقرارات مجلس النواب، طرأت عدة تعديلات على قانون الإرهاب لسنة 2014، جاء فيها أن “الامتناع عن عمل” يقع تنفيذا لمشروع إجرامي، أو يقود إلى “الفتنة” أو تعريض “سلامة المجتمع وأمنه” للخطر، أو “الإخلال بالنظام العام”، يُصنَّف في خانة الإرهاب. وهو من شأنه توقعات خطيرة ستقضي بتنفيذ عقوبات لأي إضرابات عمالية وإخضاعها تحت طائلة ملفقة من التهم في إطار هجوم عام على الحقوق والحريات. الأمر لم يتوقف عند ذلك، لكنه وفي سياق الحراك الاجتماعي عبر التواصل بالإنترنت شمل القانون أيضا إخضاع تلك الأنشطة للمراقبة. فيما صنًف قانون الإرهاب ما يجيز تسميته بـ “تعكير صلات المملكة بدولة أجنبية” أنه عملا إرهابيا، وفي بلد يدفع العمال إلى أتون التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل.

الحركة العمالية تواجه عدم التنظيم وقلة الوعي، كذلك الحراك العام الذي يتطلب عملا دؤوبا يربط بقوة بين مطالب الشارع ومطالب المصنع.