تلقت منظومة الحماية الاجتماعية في الأردن ضربات موجعة مؤخرا، تتمثل في سياسات حكومية بدأت تنفيذها في مجالات اشتراكات تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة للعاملين الشباب في القطاع الخاص، ورفع أسعار أتعاب الأطباء في القطاع الخاص، وتشجيع آلاف العاملين في أمانة عمان الكبرى على التقاعد المبكر.
هذه الإجراءات تؤثر سلبا في مكونات الحماية الاجتماعية المنصوص عليها في الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية للأعوام 2019-2025، والتي تخضع للمراجعة الآن لتحديثها لمواجهة الأزمات الإنسانية.
من جانب، نظام تخفيض اشتراكات تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة للعاملين في منشآت القطاع الخاص، الذي أقره مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، سيحرم الشباب دون سن الثلاثين في القطاعات الاقتصادية كافة من بعض تأميناتهم، حيث سيطبق عليهم نظام التأمين الجزئي.
سيؤدي هذا النظام إلى الحيلولة دون تحقيق أهداف المحور الأول من الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية المعنون "فرصة"، والمتعلق بتعزيز العمل اللائق والضمان الاجتماعي. وبغض النظر عن مبررات الحكومة التي تعتقد أن هذه الخطوة ستزيد من تشغيل الشباب من خلال تخفيض تكاليف تشغيلهم، إلا أن تطبيق هذا النظام سيضعف منظومة الحماية الاجتماعية لفئة الشباب، ويؤدي إلى تخفيض الرواتب التقاعدية لهم عند بلوغهم سن التقاعد، بالإضافة إلى إحداث تمييز سلبي في الحقوق بين المؤمن عليهم، مما يضعف ثقة العاملين والمجتمع بمنظومة الضمان الاجتماعي.
كذلك، قامت أمانة عمان الكبرى بتشجيع العاملين لديها على التقاعد المبكر، مما يعوق التقدم نحو تحقيق أهداف المحور الأول "فرصة" في الاستراتيجية. وبغض النظر عن المبررات التي تم سوقها، فإن هذه الخطوة تهدد استقرار سوق العمل واستدامة منظومة الضمان الاجتماعي. كما ستخلق مخاطر عديدة على سوق العمل، حيث يعود المتقاعدون مبكرا إلى سوق العمل، مما يزيد من المنافسة على الوظائف ويؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة.
التقاعد المبكر يؤدي أيضا إلى انخفاض الرواتب التقاعدية نظراً لقصر مدة الخدمة، مما يزيد من أعداد الفقراء ويعمق التفاوت الاجتماعي. كما يستنزف هذا النهج موارد صندوق الضمان الاجتماعي، مما يهدد قدرته على الوفاء بالتزاماته تجاه الأجيال المقبلة ويضعف ثقة المواطنين في استدامة منظومة الضمان الاجتماعي. أما الضربة الثالثة التي تلقتها منظومة الحماية الاجتماعية، فتمثلت في إعلان الحكومة عن رفع أتعاب الأطباء في القطاع الخاص بنسبة 60 % على مدى ثلاث سنوات. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة قد تبدو إيجابية في ظاهرها، إلا أنها تحمل آثاراً سلبية كبيرة على غالبية المواطنين، خاصة من ذوي الدخل المتوسط والمنخفض.
زيادة أتعاب الأطباء دون معالجة آثار ذلك على المرضى وأسرهم ستؤدي إلى ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية في القطاع الخاص، وستحرم قطاعات واسعة من المواطنين من حقوقهم في الوصول إلى الرعاية الصحية الجيدة، خاصة مع استمرار ضعف جودة خدمات الرعاية الصحية في القطاع العام. وفي ظل عدم وجود خطط حكومية لزيادة الحد الأدنى للأجور، ستزيد الأعباء الاقتصادية على شريحة واسعة من المواطنين. من المتوقع أيضا أن تقوم شركات التأمين برفع أسعار بوالص التأمين الصحي لمواجهة الزيادة في أتعاب الأطباء، مما سيؤدي إلى انخفاض عدد المؤمن عليهم صحيا، خاصة في الشركات الصغيرة والمتوسطة. خطوة زيادة أتعاب أطباء القطاع الخاص دون معالجة الأضرار التي تقع على المرضى وأسرهم، ستعوق تحقيق أهداف المحور الثالث من الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية المعنون "تمكين"، والخاص بتحسين الخدمات الاجتماعية.
تشير السياسات أعلاه إلى أن الحكومة ماضية في إضعاف منظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي بناها الأردن خلال العقود الماضية، بدلاً من تعزيزها. وهذا يأتي في ظل اعتقاد الحكومة أن تحفيز النمو الاقتصادي يمكن تحقيقه عبر إضعاف معايير العمل والحمايات الاجتماعية، لكن هذه الفرضية لم تثبت نجاحها في أي دولة، بل غالباً ما تخدم مصالح فئات اجتماعية محددة، وتؤدي إلى زيادة الفقر والبطالة وتعميق التفاوت الاجتماعي.
على الحكومة الأردنية إعادة النظر في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية لضمان تمكين المواطنين من التمتع بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية لتحقيق العدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي، أخذا بعين الاعتبار الاستراتيجيات التي تقوم بتطويرها واعتمادها.
صحيفة الغد الأردنية، 2024/7/1