تخطئ الحكومة الحالية في قراءة وتقدير الموقف حيال دلالات الاحتجاجات الاجتماعية المختلفة، وعلى وجه الخصوص، احتجاجات العمال والموظفين في كلا القطاعين العام والخاص.
إن أبجديات التفكير المنطقي في مجال العلوم الإنسانية بفروعه المختلفة والمتداخلة الاجتماعية الاقتصادية والسياسية وغيرها تفيد أن الاحتجاجات الاجتماعية على اختلاف أسبابها وأهدافها هي تعبير عن اختلالات في الواقع المعاش للناس. وتفيد كذلك التجربة الإنسانية الممتدة لآلاف السنين أن التحولات والتغيرات على المستويات الاقتصادية والاجتماعية هي المحركات الأساسية للتحولات والتغيرات السياسية التي تشهدها الدول على اختلاف سمات نظمها السياسية.
وتؤكد كذلك نظريات عديدة في عائلة العلوم الإنسانية أن عدم التفاعل الإيجابي القائم على فهم دقيق لما يحدث في عمق هذه المجتمعات من تحولات بسيطة في مستويات واتجاهات التفاوتات الاجتماعية بداخلها، سيؤدي بالضرورة الحتمية إلى تراكمها مما يؤدي إلى انفجارات سياسية، ونبظرة سريعة إلى تجربة بعض الدول العربية مثل: مصر وتونس وغيرها يثبت أن تجاهل التحولات والتغيرات البسيطة في عمق المجتمعات أدى إلى انفجارها، وقادها إلى دوامات من العنف على المستويات السياسية والأمنية لا تعرف مآلاتها حتى الآن.
وكان نصيب بعض الدول المحيطة بالأردن أكثر سوءاً بسبب تعمق الاختلالات والتفاوتات الاجتماعية، وعدم قدرة طرائق تحليل الواقع ومؤشراته على اكتشاف عمق وخطورة ما يجري من تفاعلات في عمق المجتمع، مكتفين بقراءات سطحية يقوم بها عادة أصحاب المصلحة في استمرار الأوضاع على ما هي عليه، وفي أحسن الأحوال من أناس لا يمتلكون أدوات الغوص في أعماق المجتمع لقراءة ما يجري فيها، والنتيجة حالة انفصال عن إدراك الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب غير القابل للاستمرار الذي تعاني منه قطاعات واسعة من المجتمع الأردني.
إن تجاهل الحكومة لمطالب الاحتجاجات الكثيفة، التي قام وما زال يقوم بها قطاعات واسعة من العمال والموظفين في القطاع العام خلال العامين الماضين، ودفع القطاع الخاص إلى عدم الاستجابة لمطالب الاحتجاجات التي يقوم بها عاملون في هذا القطاع، استنادا إلى فرضية تقوم على أن هذه الاحتجاجات هي مجرد حراكات ونشاطات آنية يقوم بها عمال وموظفون متمردون سرعان ما تنتهي وحدها إذا جرى تجاهلها، أو باستخدام أساليب إدارية لوقفها، كفيل بقطع الطريق على عمال وموظفين آخرين سيقلدونهم لتحسين شروط عملهم.
إن هذه القراءة السطحية نتج عنها سياسات حكومية أفصح عنها رئيس الوزراء قبل أيام خلال اجتماعه مع أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بقوله إن الحكومة لم تستجيب لأية مطالب للاحتجاجات العمالية خلال العامين الماضيين، معتبراً بشكل ضمني أن ذلك إنجازا لحكومته، وهي من وجهة نظر اجتماعية وسياسية تعتبر إخفاقا لهذه الحكومة، لأنها بكل بساطة عمقت الاختلالات والتفاوتات الاجتماعية التي خرج العاملين والموظفين لتصحيحها من خلال مطالبتهم بإعادة بعض التوازنات الاجتماعية لبنية المجتمع الأردني.
وإذا استمر إخفاق الحكومة ومستشاريها في قراءة التحولات، التي تجري في المستويات الدنيا من المجتمع، فإنها لن تستطيع إدراك واستكشاف المخاطر التي يمكن أن تنشأ في المستقبل بوصفها نتيجة حتمية لهذه التحولات، لأنه من غير المتوقع استمرار حالة الاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني كثيرا، في ظل وجود ما يقارب ثلث الشباب الأردنيين في صفوف البطالة، ووجود ما يقارب 60 % من العاملين في صفوف العمالة الفقيرة، وعدم تمتع ما يقارب ثلث المجتمع الأردني من أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية.
رابط المقال: http://goo.gl/z9sHJm
*مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية