الرئيسية > بعد إعلان النتائج الاكتوارية.. أي تعديلات ينتظرها قانون الضمان؟

بعد إعلان النتائج الاكتوارية.. أي تعديلات ينتظرها قانون الضمان؟

الاثنين, 15 كانون الأول 2025
النشرة الالكترونية
Phenix Center
بعد إعلان النتائج الاكتوارية.. أي تعديلات ينتظرها قانون الضمان؟

المرصد العمالي الأردني – مراد كتكت

مع إعلان المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي نتائج دراستها الاكتوارية الحادية عشرة، عاد الجدل مجددا حول مستقبل استدامة منظومة الضمان، وحول الإصلاحات التشريعية المطلوبة لحماية حقوق المشتركين والأجيال القادمة.

الدراسة، التي تُجرى كل ثلاث سنوات بموجب المادة (18) من قانون الضمان الاجتماعي، تهدف إلى تقييم الوضع المالي والاكتواري للمؤسسة واستشراف قدرتها على الاستمرار في الوفاء بالتزاماتها على المدى الطويل. ووفقا لنتائجها، تتمتع صناديق التأمينات بوضع مالي "جيد جدا ومستدام"، لا سيما تأمينات إصابات العمل، والأمومة، والتعطل عن العمل، ما يعكس متانة المركز المالي للمؤسسة في المرحلة الحالية.

غير أن هذه الصورة الإيجابية تخفي وراءها مؤشرات "مقلقة بعض الشيء" وفق خبراء، تستدعي التحرك لإجراء إصلاحات تشريعية، وبخاصة مؤشرات اقتراب نقاط التعادل، إذ بيّنت الدراسة أن نقطة التعادل الأولى ستقع عام 2030، عندما تتساوى الاشتراكات مع النفقات التأمينية، فيما تُتوقع نقطة التعادل الثانية عام 2038، حيث تصبح الاشتراكات والعوائد الاستثمارية غير كافية لتغطية النفقات، في حال لم يتحسن العائد على الاستثمار.


التقاعد المبكر… الخطر الأكبر

وأظهرت الدراسة أن تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة لا يزال في وضع مالي جيد، إلا أن موجودات المؤسسة تقل عن عشرة أضعاف نفقاتها التأمينية المتوقعة خلال السنوات العشر القادمة، ما يستدعي إصلاحات عاجلة لضمان استدامته.

وأرجعت المؤسسة ارتفاع نفقات هذا التأمين إلى مجموعة عوامل، في مقدمتها الانتشار الواسع للتقاعد المبكر، والتهرب التأميني، إلى جانب التحولات الديموغرافية، مثل ارتفاع متوسط العمر المتوقع وتراجع معدلات الخصوبة، ما يؤدي إلى زيادة أعداد المتقاعدين مقابل تراجع الداخلين الجدد إلى سوق العمل.

وأكدت النتائج أن التقاعد المبكر لم يعد استثناءً، بل أصبح القاعدة، حيث يشكّل المتقاعدون مبكرا 64% من إجمالي المتقاعدين، وهو رقم مرتفع مقارنة بالمعايير الدولية، التي لا تتجاوز فيها هذه النسبة 25% في معظم الدول. وترى المؤسسة أن الحد من التقاعد المبكر يُعدّ مفتاحا أساسيا لإطالة أمد نقاط التعادل وتعزيز استدامة النظام التأميني.


التهرب التأميني وتوسيع الشمول

وفيما يتعلق بالتهرب التأميني، كشفت الدراسة أن نحو 22.8% من العاملين في سوق العمل المنظم غير مشمولين بالضمان الاجتماعي، مؤكدةً أن مكافحة هذه الظاهرة، إلى جانب شمول العاملين في القطاع غير المنظم، تمثل أولوية وطنية لتعزيز العدالة الاجتماعية وزيادة الإيرادات التأمينية.

وأشارت المؤسسة إلى أن نتائج الدراسة تؤكد الحاجة إلى تعديلات تشريعية على قانون الضمان الاجتماعي، بما يضمن ترحيل نقاط التعادل إلى مدد زمنية أطول، مع الالتزام بالشفافية والإفصاح الدوري عن المؤشرات الاكتوارية والمالية، ومراعاة أوضاع المؤمن عليهم ذوي فترات الاشتراك الطويلة.


خبراء: وقف التقاعد المبكر القسري أولوية

الخبير الاقتصادي منير دية حذّر من خطورة المؤشرات التي كشفت عنها الدراسة الاكتوارية الحادية عشرة، معتبرا أنها تشكّل "جرس إنذار مبكر" يستدعي تحرّكا عاجلا وعلى أعلى المستويات السياسية والاقتصادية، في ظل اقتراب صندوق الضمان الاجتماعي من نقاط تعادل حسّاسة قد تهدّد استدامته المالية إذا لم تُتخذ قرارات جريئة في الوقت المناسب.

وأوضح دية أن وصول المؤسسة إلى نقطة التعادل الأولى عام 2030، حيث تتساوى الاشتراكات مع النفقات التأمينية، ثم إلى نقطة التعادل الثانية عام 2038، عندما تصبح الاشتراكات والعوائد الاستثمارية غير كافية لتغطية النفقات، يُعد تطورا بالغ الخطورة وفق المعايير الاكتوارية، خاصة أن الوصول إلى النقطة الثانية خلال نحو 13 عاما فقط يُعتبر فترة قصيرة نسبيا، ما يستوجب إعادة تقييم شاملة للسياسات التشريعية والاستثمارية المعتمدة.

ورأى دية أن التقاعد المبكر يجب أن يكون في صدارة التعديلات المرتقبة على قانون الضمان الاجتماعي، سواء من خلال رفع سن التقاعد المبكر، أو زيادة عدد الاشتراكات المطلوبة، أو تضييق نطاقه ليقتصر على حالات استثنائية جدا، مشددا على أن كلفته المالية المرتفعة تُثقل كاهل الصندوق وتؤثر مباشرة على استدامته.

وأشار إلى أن الدراسة أظهرت أن 64% من المتقاعدين هم من فئة التقاعد المبكر، وأن كلفتهم تشكّل أكثر من 60% من إجمالي فاتورة التقاعد، وهي نسب مرتفعة جدا مقارنة بالمعايير الدولية التي لا تتجاوز فيها نسبة التقاعد المبكر 25% في معظم الدول، مؤكدا أن استمرار هذا الواقع يجعل تعديل قانون الضمان الاجتماعي "حاجة ملحّة لا تحتمل التأجيل".

في المقابل، رأى الخبير في التأمينات الاجتماعية موسى الصبيحي أن مؤشرات الدراسة الاكتوارية "تُنبّه ولا تُفزع"، موضحا أن مثل هذه الدراسات تُستخدم عالميا كأداة استباقية لتصحيح المسار قبل الوصول إلى مراحل العجز الحاد أو النفاد.

وبيّن الصبيحي لـ"المرصد العمالي" أن الدراسات الاكتوارية تقدّم عادة أفقًا توقعيًا يمتد بين 30 و40 عاما، وهو ما انسجم مع نتائج الدراسة الحادية عشرة التي منحت صندوق تقاعد الضمان أفقا حتى عام 2050، مع توقع حدوث نقطة التعادل الأولى في 2030، والثانية في 2038.

وشدّد الصبيحي على أن خطورة هذه المؤشرات لا تكمن في أرقامها فقط، بل في أسبابها البنيوية، وعلى رأسها الإحالات القسرية أو غير المبررة على التقاعد المبكر، داعيا إلى وقف هذه الممارسات فورًا لما لها من أثر مباشر وخطير على المركز المالي للضمان.

كما أكد ضرورة توسيع قاعدة المشتركين عبر شمول فئات وقطاعات جديدة غير مشمولة حاليا، ولا سيما العاملين في القطاع غير المنظم، إلى جانب تشديد الرقابة على التهرب التأميني، باعتبار ذلك خيارا إصلاحيا أقل كلفة وأكثر عدالة من تحميل المشتركين الحاليين أعباء إضافية أو تقليص المنافع.


مركز الفينيق: التقاعد المبكر القسري يقوّض استدامة الضمان

وجدّد مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية مطالبته بوقف إحالة موظفي القطاع العام على التقاعد المبكر قسرا أو تشجيعًا، محذرا من آثار هذه السياسات على سوق العمل واستدامة الضمان الاجتماعي. وأوضح أن التقاعد المبكر القسري يرفع معدلات البطالة، ويؤدي إلى رواتب تقاعدية متدنية، ما يوسع دائرة الفقر ويعمّق التفاوت الاجتماعي.

وأشار المركز إلى أن هذه السياسات تتعارض مع الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، وتضعف ثقة المواطنين بمنظومة الضمان، مطالبا بتعديل المادة (100) من نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام، عبر حذف عبارة "أو بدون طلبه"، للحد من الإحالات غير المبررة على التقاعد المبكر.


حوار وطني مرتقب

من جانبها، أكدت مؤسسة الضمان الاجتماعي أن أي تعديلات على القانون ستُناقش ضمن حوار وطني شامل تحت مظلة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وبمشاركة الشركاء الاجتماعيين والخبراء، بهدف الوصول إلى قانون متوازن يضمن الاستدامة المالية، ويحسّن أوضاع المتقاعدين ذوي الرواتب المنخفضة، دون المساس بالحقوق المكتسبة.

ورحّب الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن بإطلاق هذا الحوار، مؤكدا مشاركته الفاعلة للدفاع عن حقوق المؤمن عليهم والمتقاعدين، ودعمه للمبادئ المعلنة التي توازن بين الاستدامة والحماية الاجتماعية.