الرئيسية > خلف واجهات الصيدليات المضيئة.. صيدلانيات بين تدنّي الأجور واستغلال العمل

خلف واجهات الصيدليات المضيئة.. صيدلانيات بين تدنّي الأجور واستغلال العمل

الثلاثاء, 28 تشرين الأول 2025
النشرة الالكترونية
Phenix Center
خلف واجهات الصيدليات المضيئة.. صيدلانيات بين تدنّي الأجور واستغلال العمل
المرصد العمالي الأردني – مراد كتكت
في الوقت الذي يُفترض أن تكون فيه مهنة الصيدلة من المهن المحترمة والمستقرة في الأردن، تعيش كثير من الصيدلانيات واقعا مهنيا قاسيا يبتعد كثيرا عن معايير العمل اللائق. فخلف واجهات الصيدليات المضيئة وساعات العمل الطويلة، تتخفّى قصص تعب واستغلال، تتشابك فيها الأجور المتدنية، وساعات العمل المرهقة، وغياب الحماية الاجتماعية، إلى جانب ضغوط نفسية ومهنية متراكمة.

وتشير شهادات عدد من الصيدلانيات لـ"المرصد العمالي الأردني" إلى أن المهنة، التي تتطلب مؤهلا علميا عاليا ومسؤولية أخلاقية وصحية تجاه المرضى، تحوّلت في كثير من الأحيان إلى بيئة غير آمنة وغير منصفة. إذ تُجبر العاملات أحيانا على أداء مهام لا علاقة لها باختصاصهن، مثل التنظيف وترتيب البضاعة، فضلًا عن العمل في نوبات ليلية محفوفة بالمخاطر، في ظل غياب إجراءات الحماية الكافية.

أجور لا تليق بالمؤهل والمسؤولية
تقول رزان (24 عاما)، وهي صيدلانية تعمل في إحدى الصيدليات داخل العاصمة عمّان، إنها تتقاضى راتبا لا يتجاوز 300 دينارا شهريا رغم عملها لأكثر من 10 ساعات يوميا في معظم الأحيان، وبنوبات ليلية لا تنتهي قبل الساعة الواحد بعد منتصف الليل.

ولا يقتصر ذلك على تدني أجرها الشهري، بل تمتد ظروف عملها الصعبة إلى حرمانها من الضمان الاجتماعي وإجبارها على القيام بأعمال ليست ضمن اختصاصها، إذ توضح بالقول: "صاحبة الصيدلية مش مسجليتني بالضمان الاجتماعي، وبتحكيلي هذا الموجود وإذا مش عاجبك الله معك. وفوق هيك بتطلب مني أكنّس الصيدلية وأرتّب الرفوف وأغسل الكاسات اللي بنستخدمها للتحضير، مع إنه هاد مش شغلي ولا من مهامي".

توضح رزان، خلال حديثها إلى "المرصد العمالي الأردني"، أن رفضها القيام بهذه الأعمال قد يعرّضها لفقدان عملها، مشيرة إلى أن كثيرا من زميلاتها يقبلن بهذه الشروط خوفا من البطالة. 

وتؤكد أن العمل في المهنة بات لا يضمن الحد الأدنى من العيش الكريم، رغم الجهد والمسؤولية العالية المترتبة على الصيدلاني في التعامل مع أدوية وحالات مرضية حساسة.

نوبات ليلية محفوفة بالمخاطر
أما ليان (28 عاما)، فتعمل في صيدلية على مدار الساعة في إحدى ضواحي إربد، وتقول إنها تضطر إلى العمل في النوبة الليلية ثلاث مرات أسبوعيا، لأن "ما في خيار ثاني".

وتضيف: "الراتب 400 دينار، بس إذا ما بشتغل الليل بنقصّوه عليّ. المشكلة مش بس التعب، المشكلة الزباين اللي بيجوا بالليل. مرات بيحكوا كلام مش محترم، وبتعاملوا معنا بطريقة غير لائقة وبخاصة لما يطلبوا بعض الأدوية المُنشّطة. ما في كاميرات كفاية، ولا في حارس، وأغلب الوقت بكون لحالي".

تشير ليان إلى أنها قدّمت شكاوى شفهية لصاحب العمل، لكنه اكتفى بالقول: "هيك طبيعة الشغل"، معتبرة أن وجود النساء في نوبات الليل أمر طبيعي ما دام العمل في الصيدلية "آمن نسبيا"، إلا أن الواقع، كما تقول، مختلف تماما.

مهام إضافية بلا مقابل
في الزرقاء، تعمل ميس (25 عاما) منذ عامين في صيدلية صغيرة، وتشكو من ظروف عملها التي تصفها بـ"الاستغلالية".

"بشتغل 11 ساعة باليوم، وبفتح الصيدلية وبسكرها. مرات بيطلب مني صاحب الصيدلية أروح أشتري أغراض أو أنضّف المخزن. ما عندي تأمين صحي ولا ضمان، وراتبي 320 دينار. لما طلبت زيادة، حكالي: في غيرِك ألف صيدلانية جاهزة."

وعند سؤال ميس عن إجراءات نقابة الصيادلة حيال ما تتعرض له الصيدلانيات أثناء عملهن، اعتبرت أن النقابة وأيضا الجهات الرقابية الرسمية لا تتابع بشكل جدي ظروف العاملات في القطاع، رغم كثرة الشكاوى. وتضيف أن زميلاتها يترددن في كثير من الأحيان في التبليغ خوفا من فقدان مصدر رزقهن في سوق عمل "مشبع" بالصيدلانيين والصيدلانيات الباحثين عن عمل.

غياب الرقابة وتجاهل التشريعات
تُظهر هذه الحالات مدى هشاشة بيئة العمل في عدد كبير من الصيدليات الخاصة في الأردن، وبخاصة بالنسبة للنساء. فعلى الرغم من أن قانوني العمل والضمان الاجتماعي يُلزمان أصحاب العمل بتسجيل العاملين لديهم في الضمان الاجتماعي، وتحديد ساعات عمل لا تتجاوز 8 ساعات يوميًا، إلا أن التطبيق الفعلي لهذه القواعد ما يزال ضعيفا في كثير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

كما أن غياب التفتيش الفعّال، وضعف آليات الرقابة النقابية، يسمحان باستمرار الانتهاكات بحق العاملات، أكان في الأجور أو ساعات العمل أو بيئة العمل غير الآمنة. 

وتزداد خطورة الأمر حين تتقاطع هذه الانتهاكات مع النوع الاجتماعي، حيث تتعرض النساء لأشكال إضافية من الاستغلال والتمييز، وبخاصة في ظل معدلات البطالة العالية في صفوف النساء والتي وصلت خلال الربع الأول من 2025 إلى (31.2%).