المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني
مع التحول الرقمي واعتماد شركة الكهرباء الأردنية العدادات الذكية، يجد نحو 400 عامل بمجال قراءة العدادات في بعض مناطق العاصمة عمّان أنفسهم بلا عمل، وبخاصة مع عقود عملهم التي لا تُجاوز ثلاثة أشهر والتي يوقعونها من خلال شركات مساندة.
ووفق ما أجمع عليه العمّال، خلال حديثهم إلى "المرصد العمالي"، فإن الشركات المساندة -عددها أربع- تقوم بتزويد شركة الكهرباء الأردنية بعمّال قراءة عدادات الكهرباء بعقود تتراوح مدتها بين شهر وثلاثة أشهر، والعقود وفق ما صرّحوا به تفتقر إلى الأمان الوظيفي وبعض الحقوق العمّالية مثل التأمين الصحي والعلاوات السنوية.
ونتيجة لبدء تطبيق مشروع العدادات الذكية في بعض مناطق العاصمة عمّان، فلم تُجدد الشركات المساندة عقود العمّال، وتم الاستغناء عن خدماتهم، وهو ما أثار استهجان العمّال، ونفذوا على إثر ذلك سلسلة من الاعتصامات أمام شركة الكهرباء الأردنية ووزارة الطاقة خلال تشرين أول الماضي، مطالبين بتحويل عقود عملهم إلى عقود سنوية بدلا من شهرية.
وأوضح العمّال أنه وحتى لو جرى تجديد عقود عملهم بشكل دوري، فإن رواتبهم تظل منخفضة عند الحد الأدنى للأجور ولا تُجاوز 300 دينارا شهريا، وإن تم الاستغناء عن خدماتهم فسيجدون أنفسهم بلا حقوق تُذكر.
وبعد سلسلة الاعتصامات التي نفذها العاملون، أكدوا أنه تم تجديد عقود عمل بعضهم وعادوا إلى العمل، وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه العودة مؤقتة وغير مستقرة، فيما يستمر العمّال المتضررون المطالبة بحلول جذرية تحمي حقوقهم وعودتهم بعد أن عملوا لسنوات طوال بهذا المجال.
ماذا سيعمل بعد ذلك؟
بعد أن عمِل يزن لسنوات في قراءة العدادات، يجد نفسه اليوم في موقف صعب وهو يحاول إيجاد فرصة عمل جديدة، وبخاصة مع ما يواجهه من تحديات في سن الـ30 عاماً وبعد عشر سنوات من الخبرة في مجال واحد.
وبينما يبحث عن عمل جديد، يتساءل يزن: "ماذا سأفعل الآن؟ مع سنوات الخبرة التي أمتلكها في مجال قراءة العدادات أصبح من الصعب بناء مهارات جديدة في مجالات أخرى"، ليجد نفسه اليوم في مواجهة تحديات كبيرة تُهدد استقرار حياته الاقتصادية والاجتماعية.
بدأ يزن عمله في سن العشرين وقضى جزءا كبيرا من حياته المهنية في قراءة العدادات، وظنّ أنه سيستمر في عمله لسنوات طويلة أخرى، ولكن مع التحول إلى العدادات الذكية التي تُسجل استهلاك الكهرباء للمواطنين عن بُعد، فقد العمّال من بينهم يزن وظائفهم.
يقول يزن، في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني"، إنه كان يعمل من خلال عقود مدتها ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر مع إحدى الشركات المساندة التي توفر العمالة لشركة الكهرباء، وهذه الشركات وسيطة بين العمّال والشركة الأم.
ويلفت إلى أنه رغم مطالبهم المستمرة بالاستقرار الوظيفي، تبين أن الشركات المساندة بطلب من شركة الكهرباء كانت ترفض إعادتهم للعمل، فيما رفضت عودة يزن تحديدا للعمل بعد أن اعتبروه محرضاً على الاعتصامات التي نفذوها للمطالبة بالحفاظ على وظائفهم.
ويستدرك أن التحول إلى العدادات الذكية ليس فقط مشكلة للعاملين، بل أن العديد من المواطنين يرفض الأتمتة ويطالبون بالحفاظ على الفواتير الورقية، وبعض المواطنين يعانون صعوبة في استخدام تطبيق "جيبكو" الخاص بسجل الفواتير وتسديدها، وهذا كان سبباً آخر للاستمرار في قراءة العدادات.
ويرَ أن الحكومة والشركات المساندة يجب أن تتبنى خططا تدريبية جديدة للعمّال المتضررين، بحيث يتيح لهم اكتساب مهارات جديدة تتناسب والتطورات التكنولوجية في السوق، ويكونون جزءا من التقدم التكنولوجي، ولا ينبغي أن يكون ذلك على حساب عملهم.
أصبح بلا عمل ولا حقوق
أما محمود الذي عمل 12 عاما في قراءة عدادات الكهرباء، لم يتوقع أن يكون رحيله عن العمل بهذا الشكل من اللامبالاة. يقول في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني"، إن التحدي الأكبر الذي يواجهه هو البحث عن عمل جديد، ووسط الظروف الاقتصادية الحالية من الصعب العثور على فرص عمل تتناسب وخبرته الطويلة.
ويوضح أنه قبل أن تنهى خدماته، كان يتقاضى راتبا مقداره 300 ديناراً شهرياً، وهو غير كافٍ مقارنة بمخاطر العمل وظروفه، وفقدان العمل كان له تأثير بظروفه المعيشية، ومع تراكم الأقساط البنكية وفواتير الكهرباء أصبح من الصعب تلبية احتياجات أسرته.
ويشير محمود إلى أن مطالب العمّال المتضررين من هذا التحول واضحة، بأن يتم توظيفهم في شركة الكهرباء تحت أي مسمى أو حتى في شركة المياه لأن قراءة العدادات هناك أصبحت أيضاً جزءاً من العطاءات، ولا يُعقل بأن يُصبحوا فجأة بعد سنوات طويلة من الخدمة بلا أي حقوق أو تعويض.
ويستدرك بأنه لم يتلقى سوى 40 ديناراً زيادة على راتبه بعد عمل 12 عام بسبب العقود الشهرية التي يوقعها مع الشركات المساندة، وهناك فجوة كبيرة بين حقوق العاملين في الشركات المساندة وشركة الكهرباء نفسها، مقارنة بالعاملين الذين يتبعون لشركة الكهرباء مباشرة.
ويُطالب محمود وزارة العمل بالتدخل لإلغاء هذه العقود الشهرية التي وصفها بـ"الظالمة" والتي رأى أنها تقوّض حقوق العاملين في حال وقوع إصابات أثناء العمل، حيث يتحمل العامل تكاليف العلاج على حسابه الشخصي، بالإضافة إلى الضغط على الشركات المساندة لعودة جميع العاملين والذين خدموا سنوات طويلة.
ويلاحظ أن المواطنين الذين اعتادوا على استلام الفواتير الورقية قد يعانون من غياب هذه الخدمة، ومن حق المواطن الحصول على فاتورة تفصيلية ليعرف استهلاكه من الكهرباء، وهذا ما سيفقده مع التحول الكامل إلى العدادات الذكية.
العمل توضح والنقابة لا.. واتحاد العمال يدعو للتدخل
بدورها، توضح وزارة العمل الأردنية في تصريح إلى "المرصد العمّالي الأردني"، أنها تواصلت مع إدارة شركات الخدمات المساندة المتعاقدة مع شركة الكهرباء الأردنية، وكذلك مع العاملين الذين أنهت خدماتهم بعد التحول إلى العدادات الذكية.
وتلفت الوزارة إلى أن عقود عمل هؤلاء العمّال كانت عقوداً محددة المدة، تنتهي بانتهاء مدتها القانونية، والعاملين كانوا على علم مسبق بشروط هذه العقود.
وتشير الوزارة إلى أن هذه الحالات تنطبق عليها أحكام عقد العمل المحدد المدة المنصوص عليها في قانون العمل رقم (8) لسنة 1996 وتعديلاته.
من جهتها، تصرح النقابة العامة للعاملين في الكهرباء إلى المرصد العمّالي الأردني" إن عدد من عاملي العدادات عادوا إلى وظائفهم، فيما حاول "المرصد العمالي" الحصول على معلومات إضافية عن عدد العاملين الذين عادوا إلى أعمالهم وطبيعة العمل ومدته، إلا أنه لم يتلق أي رد من النقابة.
وعلى ضوء ذلك، يؤكد العاملين أنفسهم بأن عدد قليل منهم عاد إلى العمل بعقود مدتها شهر واحد، واعتبروا ذلك حلاً مؤقتاً لا يهدف إلى التوصل لحل جذري.
فيما يدعو رئيس الاتحاد العام لنقابات عمّال الأردن خالد الفناطسة في تصريح سابق إلى"المرصد العمّالي الأردني" وزارة العمل إلى التدخل السريع لحل الأزمة، وضرورة حماية حقوق العمّال ودور القطاع الخاص في الحفاظ على الأمن الاجتماعي.
ويؤكد في تصريحه أن فقدان العمّال لوظائفهم يشكل تهديداً للأمن الاقتصادي ويزيد من معدلات البطالة والفقر، وأن العاملين في شركات الخدمات المساندة يعانون من غياب الأمان الوظيفي، وانتهاكات عمّالية تشمل الأجور المتدنية وحرمانهم من التأمين الصحي.
بدل التعطل حل مؤقت
بدوره، يؤكد الخبير في التأمينات الاجتماعية والناطق السابق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي لـ"المرصد العمّالي الأردني" على أهمية معالجة القضية بأسلوب يضمن حقوق العمّال ويحد من تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية.
ووفقا للصبيحي، فإن قانون العمل الأردني لا يشترط تحديد مدة معينة لعقود العمل التي يمكن أن تكون مكتوبة أو شفوية وفي الحالتين تُعتبر مُلزمة، وحال إنهاء عقد عمل محدد المدة قبل انتهاء مدته يحق للعامل الحصول على راتب حتى نهاية مدة العقد، إلا إذا كان الإنهاء بسبب تقصير من العامل نفسه.
ويوضح أن التحول إلى التكنولوجيا لا يجب أن يكون على حساب حقوق العمّال، وفقدان عدد كبير من الوظائف يؤدي إلى أزمات متعددة تشمل تراجع الاشتراكات في الضمان الاجتماعي، وتأثير ذلك على الحماية الاجتماعية ككل.
ويشير إلى أن إنهاء خدمات العاملين ليس مجرد قضية فردية، بل أزمة تمس 400 أسرة تؤدي إلى فقدان مصدر الدخل وتأثر المستوى المعيشي لهم، فيما توقف اشتراكات الضمان الاجتماعي للعمّال يضعف الحمايات الاجتماعية ويؤثر على المركز المالي لمؤسسة الضمان.
ويدعو الصبيحي العمّال المتضررين التقدم بطلبات لمؤسسة الضمان الاجتماعي للحصول على بدلات التعطل عن العمل وفقا لعدد اشتراكاتهم؛ العامل الذي لديه أقل من 180 اشتراكاً يحصل على بدل تعطل لمدة ثلاثة أشهر، والعامل الذي لديه أكثر من 180 اشتراكاً يحصل على بدل تعطل لمدة ستة أشهر.
ويلفت إلى أن بدلات التعطّل توفر حماية اجتماعية مؤقتة للعمّال خلال الفترة الذين يحصلون فيها على بدلات التعطّل، وتتيح لهم البحث عن فرص عمل جديدة دون أن يفقدوا شمولهم في الضمان.
ويشدد على أهمية دور الحكومة بالتنسيق مع مؤسسات وشركات أخرى لاستيعاب العمّال ووضع خطط وقائية للتعامل مع فقدان الوظائف نتيجة التحول التكنولوجي، والعمل على توظيف جزء منهم في وظائف أخرى مثل أعمال الصيانة بشركة الكهرباء وتدريبهم على مهارات جديدة تتناسب والتحولات التقنية.
كما يشدد على ضرورة استباق الأزمات من خلال وضع خطط استراتيجية طويلة الأمد، تضمن حماية العمّال وحقوقهم من آثار التغيرات التكنولوجية، وتُعزز توازن سوق العمل الأردني في ظل التطور المستمر.
حقيقة الشركات المساندة
بالعودة إلى الشركات المساندة، يكشف تقرير صادر عن "المرصد العمّالي الأردني" عن فجوات كبيرة في الأجور والامتيازات بين العاملين في نفس الوظائف لدى شركات مساندة وشركات كبرى، رغم تأدية العاملين المهام نفسها.
ويُظهر التقرير أن عمالاً (مثل قارئي عدادات الكهرباء) الذين يعملون لصالح شركات كبرى من خلال شركات وسيطة، يتقاضون أجوراً أقل بكثير مقارنة بزملائهم، ويُحرمون العلاوات السنوية فضلًا عن غياب التأمين الصحي والاستقرار الوظيفي، ما يجعلهم عرضة للفصل دون ضمانات قانونية.
التقرير الذي جاء بعنوان "الشركات المساندة.. طريق المنشآت الكبرى لتخفيض النفقات على حساب العاملين" يوصي بوقف ممارسات هذه الشركات الوسيطة التي تسعى لتخفيض النفقات على حساب العمّال، لما تؤديه من زيادة نسب الفقر وتعميق الفجوات الاقتصادية.
ويدعو التقرير إلى تنظيم عمل هذه الشركات عبر إصدار أنظمة تضمن المساواة في الأجور والامتيازات بين موظفيها وموظفي الشركات الكبرى التي يعملون لصالحها، وضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير حمايات أفضل للعاملين.