الرئيسية > تعليق التمويل الأميركي يُطيح بوظائف أردنية ومطالب بإيجاد بدائل وطنية

تعليق التمويل الأميركي يُطيح بوظائف أردنية ومطالب بإيجاد بدائل وطنية

الاثنين, 12 أيار 2025
النشرة الالكترونية
Phenix Center
تعليق التمويل الأميركي يُطيح بوظائف أردنية ومطالب بإيجاد بدائل وطنية
المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني
بين ليلة وضحاها ومنذ إعلان الحكومة الأمريكية في شباط الماضي تعليق جزءا من المساعدات المقدمة للأردن، لا سيما تلك الممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، خسِر كثيرون في الأردن وظائفهم دون سابق إنذار.

تحوّل القرار إلى أزمة عمّالية تمسّ الحقوق الأساسية للعاملين، من حيث الأمان الوظيفي والتعويضات والحمايات الاجتماعية. فمع غياب تشريعات واضحة تحمي ما يُعرف بـ"عمّال المشاريع الدولية"، بدا أن العاملين هم الحلقة الأضعف، يدفعون ثمن تقلبات السياسات الدولية دون حماية كافية من منظومة العمل المحلية.

هذا التعليق لم يؤثر فقط على العاملين وفقدان العمل، بل امتد أثره إلى قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والبنى التحتية والإعلام؛ ما يُنذر بارتفاع معدلات البطالة وتراجع فرص التشغيل في ظل غياب بدائل وطنية مستدامة لحماية الوظائف، وفق ما يؤكده خبراء إلى "المرصد العمّالي الأردني".

ويدعو الخبراء إلى الإسراع في تطوير بدائل تمويل وطنية، ووضع تشريعات تحمي العاملين في المشاريع الممولة خارجياً، وتبنّي خطة اقتصادية تعتمد على تنمية الإنتاج الوطني وفتح أسواق تصديرية جديدة، بما يُقلل من الاعتماد على المساعدات الخارجية ويُعزز صمود الاقتصاد الأردني في وجه الأزمات.

وعلى أثر القرار، تلقّى "المرصد العمّالي الأردني" عدداً من الشكاوى من عاملين في شركات ومنظمات محلية ودولية، أفادوا فيها بإنهاء عقودهم الوظيفية بشكل مفاجئ نتيجة تعليق التمويل.

ووفق ما ورد في الشكاوى، فإن العديد من العاملين أًنهيت خدماتهم رغم ارتباطهم بعقود عمل محددة المدة، دون إشعار مسبق أو مبررات قانونية واضحة، ودون عرض بدائل مثل تعليق العقود مؤقتاً إلى حين استئناف الدعم، وهو ما اعتبره بعضهم "فصلاً تعسفياً".

أحمد: "من مشاريع البناء إلى تطبيقات التوصيل"
كان أحمد (29 عاماً) يعمل في مشروع إنشاء مدرسة حكومية بتمويل من USAID، بعقد مدته 18 شهراً من خلال شركة مقاولات محلية، وبراتب شهري مقداره 750 ديناراً.

وبعد قرار تعليق المساعدات، أُبلِغ أحمد شفهياً بتجميد المشروع وطُلب منه التوقف عن الحضور، قبل أن يتلقى بريداً إلكترونياً يُعلمه بإنهاء عقده دون سابق إنذار أو تعويض.

يقول أحمد في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" إنه اضطر بعد فقدان عمله إلى العودة لقيادة سيارة العائلة للعمل على تطبيقات التوصيل بدخل غير مستقر ودون حمايات اجتماعية، "كنت متحمّساً لبناء شيء فعلي لي ولبلدي، وفجأة تبخر كل شيء بقرار مفاجئ".

ويطالب أحمد وزارة العمل مناقشة تأثير تعليق المساعدات على قطاع العمل والعاملين، ووضع نظام واضح يضمن للعاملين في هذا النوع من المشاريع والأعمال حقوقهم العمّالية والوظيفة في حالة الأزمات.

نسرين: "تخلّوا عني بسهولة"
فيما عمِلت نسرين (38 عاماً)، لأكثر من ثلاث سنوات في منظمة تُعنى بتمكين الشباب والنساء، وبعد تعليق التمويل أُلغي المشروع الذي تديره فجأة، وتلقت بعد أسبوعين إخطاراً بإنهاء عقدها بسبب "ظروف قاهرة خارجة عن إرادة المنظمة".

تقول نسرين لـ"المرصد العمّالي الأردني" إنها فقدت مصدر رزقها وأمانها الوظيفي، وواجهت صعوبات في دفع التزاماتها الشهرية، منها أقساط المدارس لطفليها وقرض شخصي.

وتوضح أن مؤسسة الضمان الاجتماعي لم تُبلّغ بانفكاكها إلا بعد شهر، وبعدها أوقف اشتراكها في الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي الذي كانت تستند إليه لتغطية كلف علاجها بعد أن أجرت عملية جراحية قبل نحو شهرين.

وتطالب نسرين في اتخاذ موقف واضح من الجهات المسؤولة ومعرفة مصير آلاف العاملين في المشاريع والمنظمات التي جرى تعليق المساعدات الأمريكية عنها.

رائد: "لماذا أنا أدفع الثمن؟"
أما رائد (41 عاماً)، الذي عمل لمدة خمس سنوات مديراً مالياً في شركة تنفذ مشاريع بنى تحتية بالشراكة مع USAID، فقد عُرض عليه "إنهاء توافقي" دون دفع مستحقاته، بعد أن بدأت الشركة تعاني في تأمين رواتب الموظفين.

ويتساءل رائد وهو ما يزال على رأس عمله، بانتظار حسم مصيره، مع نيته اللجوء إلى وزارة العمل في حال لم تُصرف مستحقاته، "أنا لست ضد الظرف العام، لكن لماذا أدفع أنا الثمن؟".

ويقول رائد في حديثه لـ"المرصد العمّالي الأردني" إنه رفض العرض الذي قدمته الشركة وطالب بحقوقه القانونية، مؤكداً أن عقده غير محدد المدة ويمنحه حق الحصول على مكافأة نهاية خدمة وراتب شهر إنذار.

"العمل": 9 شكاوى.. والمحكمة الجهة المختصة
بدورها تقول وزارة العمل في تصريح إلى "المرصد العمّالي الأردني" إنها استقبلت مراجعات من موظفين في شركات ومنظمات محلية ودولية متضررين، للاستفسار عن وضعهم القانوني بعد تعليق المساعدات.

وتوضح الوزارة أن المنصة الإلكترونية "حماية" تلقّت تسعة شكاوى من موظفين في إحدى المنظمات تتعلق بإنهاء عقود محددة المدة، وجرى توجيههم للجوء إلى القضاء باعتبارهم ليسوا على رأس عملهم، ولأن المحكمة هي الجهة المختصة بإثبات الفصل التعسفي.

وتشير الوزارة إلى أن مديرية التفتيش التابعة لها لا تملك صلاحية إلزام الشركات بتعليق العقود بدلاً من إنهائها، ولا تتوفر إحصائية دقيقة بعدد المتضررين من تجميد المساعدات حتى الآن.

وتلفت الوزارة إلى أنه في حال تقديم شكوى عبر المنصة، يقوم مفتش العمل بالتواصل مع العامل وصاحب العمل، وقد تُنفذ جولة تفتيشية معلنة أو مفاجئة للتثبت من الواقعة، وفي حال ثبوت مخالفة تُتخذ الإجراءات القانونية وفق أحكام قانون العمل الأردني رقم 8 لسنة 1996 وتعديلاته.

النقابات خارج المعادلة
 من جهته، يوضح رئيس الاتحاد العام لنقابات عمّال الأردن خالد الفناطسة، أن غالبية العاملين في المشاريع المتعاقدة مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يُصنّفون ضمن "عمّال المشاريع"، وغالباً ما تُدار هذه المشاريع من خلال مؤسسات حكومية.

ويؤكد الفناطسة في تصريحه لـ"المرصد العمّالي الأردني" أن الاتحاد والنقابات العمّالية لا يتعاملون بشكل مباشر مع هذا النوع من العقود ولا حتى يطّلعون على تفاصيلها، ما يجعل قدرتهم على التدخل أو الدفاع عن حقوق العاملين محدودة.

ويحذّر الفناطسة من التأثيرات المحتملة لتعليق المساعدات على سوق العمل الأردني، خاصة في ظل اعتماد قطاعات حيوية مثل البنية التحتية والصحة والتعليم على التمويل الخارجي.

ويوجز أبرز هذه التأثيرات بارتفاع معدلات البطالة، وتراجع الاستثمارات، وتقلص فرص العمل في القطاع الخاص، وزيادة الأعباء على المالية العامة، وصولاً إلى احتمال هجرة الكفاءات واليد العاملة نتيجة انعدام الاستقرار وفرص التوظيف.

ويشدد الفناطسة على ضرورة وجود خطط وطنية بديلة لتعويض أي فجوة تمويلية ناتجة عن تعليق المساعدات، لضمان حماية سوق العمل والعمّال من تداعيات أزمات التمويل الدولي.

خبير اقتصادي: يجب فتح أسواق جديدة وإيجاد ممولين آخرين
يوضح الخبير الاقتصادي منير ديّة أن مشاريع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تمس قطاعات حيوية وأساسية في المجتمع الأردني، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية والإعلام والتدريب، وتوفر فرص عمل مباشرة لمئات العاملين، إلى جانب استفادة مجتمعات محلية واسعة من خدماتها.

ويقول ديّة لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن تجميد التمويل أدى إلى "تعليق فوري للرواتب وتوقف مفاجئ للمشاريع"، ما انعكس سلباً على العاملين والمستفيدين على حد سواء في ظل غياب البدائل الاقتصادية السريعة، واستمرار التعليق سيكون له تداعيات إضافية على مستوى معيشة الأسر ودخل الأفراد.

ويلفت إلى أن الخروج من هذه الأزمة يتطلب "التحول من الاعتماد على المساعدات الخارجية إلى اقتصاد محلي إنتاجي"، من خلال فتح أسواق جديدة على أفريقيا وآسيا، وتوقيع اتفاقيات تجارة حرّة مع دول ذات ثقل اقتصادي، والاستثمار في الصناعات التحويلية والثروات الطبيعية، بهدف خلق فرص عمل وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.

ويشير ديّة إلى غياب بيانات دقيقة حول عدد العاملين المتأثرين من تعليق المشاريع، لكنه يعتقد أن ذلك سيفاقم معدلات البطالة، ويؤدي إلى "تراجع الدخول وارتفاع حالات الاستغناء عن العاملين بشكل تعسفي".

ويدعو ديّة الحكومة إلى التحرك السريع والبحث عن ممولين وشركاء جدد لاستكمال المشاريع المتوقفة والحفاظ على الوظائف القائمة، إلى جانب الاعتماد على الإنتاج والصناعات الوطنية.

تقييم يكشف حجم التأثير
يُظهر تقييم حديث صادر في 30 نيسان 2025 عن منتدى المنظمات غير الحكومية الدولية (JIF) والتحالف الأردني للمنظمات غير الحكومية (JONAF) أن قرار تعليق المساعدات الأمريكية ترك أثراً بالغاً على العمليات الإنسانية والخدمية ودفع رواتب الموظفين ومقدمي الخدمات في الأردن.

ويكشف التقييم عن عدد المتضررين من توقف أو تأخر المشاريع يُقدر بنحو 626,885 شخصاً من بينهم (أردنيين ولاجئين سوريين وغير سوريين)، في ظل إنهاء وتجميد عشرات البرامج في مجالات الصحة والتعليم والحماية وسبل العيش.

ويشير التقييم إلى إيقاف 14 مشروعاً رئيسياً بين شباط ونيسان، وبرامج حيوية مثل خدمات الرعاية الصحية لمرضى الأمراض المزمنة ودعم النساء المعنّفات وتأهيل الأطفال ذوي الإعاقة في المخيمات توقفت كلياً أو جزئياً.

ووفق التقييم، فإن المنظمات سجلت فقدان أكثر من ألف وظيفة مباشرة، مع توقعات بارتفاع العدد إلى خمسة آلاف مع نهاية العام، وسط تحذيرات من تقويض الثقة بين المجتمعات المحلية والمنظمات، وتزايد العبء على الحكومة الأردنية لسد الفجوات الناتجة عن غياب التمويل الدولي.

وفي ظل غياب تشريعات تحمي العاملين في المشاريع الدولية الطارئة، يظل آلاف الأردنيين مهددين بفقدان وظائفهم في كل أزمة تمويل، ما يطرح تساؤلاً عن مدى استعداد منظومة العمل للتعامل مع مثل هذه التقلبات.