المرصد العمالي الأردني – مراد كتكت
شدد خبراء على ضرورة اتخاذ إجراءات موازية لزيادة أجور الأطباء تُمكّن العاملين والعاملات وبخاصة الفقراء وذوي الدخل المحدود من تحمّل تلك الزيادة ومواكبتها.
ورأى الخبراء أن زيادة أجور الأطباء فقط بدون زيادة مستويات الأجور بشكل عام سيحرم آلاف الأردنيين من حقهم في الرعاية الصحية.
وبينوا أن زيادة أجور الأطباء ستفاقم من الأعباء الاقتصادية لشريحة واسعة من العاملين والعاملات وبخاصة في ظل معاناتهم من الارتفاعات المتتالية التي تطرأ على أسعار مختلف السلع والخدمات الناجمة عن تطبيق سياسات ضريبية غير عادلة المتمثلة بالضرائب غير المباشرة (الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة (المقطوعة) والرسوم الجمركية)، ما أدى إلى تآكل الرواتب وأضعف القدرة الشرائية لدى العديد من المواطنين.
إذ كشف تقرير حديث صادر عن شركة "ميرسر" السنوي حول تكلفة المعيشة لعام 2024، أن ارتفاعا إضافيا طرأ على كلف المعيشة في العاصمة عمّان مقارنة بعدد من المدن العالمية، وأصبحت العاصمة في المرتبة الخامسة عربيا و108 دوليا على مؤشر "ميرسر" لتكلفة معيشة الوافدين لعام 2024، متقدمة بذلك على بعض عواصم دول الخليج العربي كالمنامة والكويت والدوحة.
كما أن 28 بالمئة من الأردنيين ليس لديهم تأمينا صحيا أكان عسكريا أو مدنيا أو جامعيا أو خاصا، وفق آخر إحصائيات وزارة الصحة عام 2022، وهو ما يجعلهم الأكثر عرضة للأعباء الإضافية جراء زيادة أجور الأطباء.
ويقترح الخبراء أن زيادة أجور الأطباء يجب أن يتبعها تحسين مستويات الأجور بشكل عام وإعادة النظر بالسياسات الضريبية باتجاه تخفيضها، إضافة إلى توسيع مظلة التأمين الصحي لتشمل كافة المواطنين.
ووفق اللائحة الجديدة، فإن نسبة زيادة أجور الأطباء تبلغ (60) بالمئة مقسّمة على ثلاثة سنوات بدءا من العام الجاري، وتشمل جميع الإجراءات الطبية الواردة في اللائحة القديمة، إضافة إلى إجراءات طبية جديدة.
يقول الخبير الاقتصادي حسام عايش إن زيادة أجور الأطباء لم تُراعي الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العديد من العاملين وبخاصة من ذوي الدخل المحدود وغير المؤمنّين صحيا، إذ ستزيد الأعباء عليهم من حيث زيادة تكلفة الرعاية الصحية من جهة، وصعوبة وصولهم إليها من جهة أخرى.
ويشير عايش، خلال حديثه إلى "المرصد العمالي"، إلى أن زيادة أجور الأطباء ستؤثر أيضا على المؤمن عليهم صحيّا، إذ ستضطر شركات التأمين إلى رفع قيمة الاقتطاعات الشهرية من أجورهم.
ويرى أن زيادة أجور الأطباء يجب ألّا تكون على حساب المواطنين، ويوضح بالقول: "كان على الحكومة اتخاذ إجراءات أخرى موازية لزيادة أجور الأطباء تُخفف الأعباء المالية على المواطنين وتُمكّنهم من تحمّل ومواكبة تلك الزيادة".
ويبين عايش أن الإجراءات الموازية تتمثل في تحسين مستويات الأجور في المملكة خصوصا وأن معدلات التضخم في ارتفاعات متتالية، إضافة إلى إعادة النظر بالسياسات الضريبية التي رأى أنها "غير عادلة" ولا تُفرّق بين غني وفقير.
ويتفق الخبير في الحمايات الاجتماعية موسى الصبيحي برأيه مع حسام عايش من حيث ضرورة زيادة مستويات الأجور وبخاصة في القطاع الخاص، لتمكين العاملين من تحمّل زيادة أجور الأطباء.
ويقول الصبيحي لـ"المرصد العمالي إن مستويات الأجور الحالية لا تتحمّل المزيد من الأعباء المالية، وكان على الحكومة إدراك ذلك قبل زيادة أجور الأطباء.
ويعتقد أن زيادة أجور الأطباء سيكون لها آثار سلبية أيضا على خدمات التأمين الصحي للمؤمن عليهم، فإما ستضطر شركات التأمين إلى تقليص خدماتها مثل تقليل أعداد المراجعات الطبية السنوية أو ستضطر إلى رفع قيمة الاقتطاعات الشهرية من أجور المؤمن عليهم.
كما يعتقد الصبيحي أن زيادة أجور الأطباء سيُضعف من الإقبال على الرعاية الصحية في المستشفيات الخاصة وسيزيد الضغط على المستشفيات الحكومية والخدمات الطبية الملكية التي هي بأمس الحاجة إلى زيادة أعداد أطباء الاختصاص فيها.
أما مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض، فيرى أن لا مبرر لزيادة أجور الأطباء، حيث أن الأجور القديمة كانت جيدة وتتواءم نوعاً ما مع مستويات دخل الأفراد والأسر.
ويبين عوض لـ"المرصد" أن زيادة أجور الأطباء سيُجبر المواطنين على التخلي عن الرعاية الصحية، ما سيؤثر سلبا على درجة تمتعهم بحقهم في الصحة الذي يعتبر حقا أساسيا من حقوق الإنسان.
وأوضح بالقول: "طالما أن الحكومة رفعت أجور الأطباء فعليها زيادة مستويات أجور العمّال لتمكينهم من تحمل هذه الأعباء الجديدة وضمان تمتعهم في الرعاية الصحية، وعلى الحكومة ألّا تلعب دورها كجهة تنظيمية فحسب، بل أن تعمل ضامنا للحقوق، بما في ذلك الحق في الصحة".
كما يجب على الحكومة تحسين منظومة الرعاية الصحية في القطاع العام من أجل تخفيف الضغط على المستشفيات الخاصة، وفق عوض.
إن إجراءات الحكومة بزيادة أجور الأطباء في ظل مستويات أجور متدنية وسياسات ضريبية غير عادلة وعدم تمتع آلاف العاملين من التأمين الصحي تُعتبر غير عادلة، لأن ذلك سيفاقم الأعباء المالية على العاملين وسيُضعف من قدراتهم الشرائية أكثر، وهو ما سيؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني الذي يعاني من تباطؤ في النمو.
وكان المرصد العمالي الأردني طالب وما يزال بضرورة إعادة النظر بمستويات الأجور باتجاه رفعها وبما يتناسب مع معدلات التضخم، لأن مستويات الأجور المنخفضة يُعد من أبرز التحديات التي يواجهها العاملون في سوق العمل الأردني، إذ أن هناك قطاعات واسعة من العاملين يتقاضون أجورا شهرية تقل عن الحد الأدنى للأجور، إضافة إلى الأجور المتدنية التي يحصّلها غالبية العاملين في الاقتصاد غير المنظم.