طالب المرصد العمّالي الأردني بضرورة معالجة مشكلة الفقر من خلال إعادة النظر في السياسات الاقتصادية "غير العادلة" التي طُبقت وما تزال تُطبق في الأردن منذ عقود، للحد من ظاهرة عمالة الأطفال في الأردن.
وقال المرصد إن جميع الجهود المبذولة للحد من ظاهرة عمالة الأطفال في الأردن تركزت فقط على كشف حالات عمالة الأطفال في سوق العمل ومخالفة أصحاب العمل الذين يقومون بتشغيلهم، في حين لم تستهدف هذه الجهود الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى زيادة عمالة الأطفال، وهي الفقر والبطالة.
جاء ذلك في ورقة موقف متخصصة أصدرها المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، اليوم الثلاثاء، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال الذي يُصادف 12 حزيران من كل عام.
وبين المرصد أن معدلات الفقر في الأردن ارتفعت من 15.7 بالمئة إلى 24 بالمئة خلال السنوات العشر الماضية، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة التي وصلت إلى مستويات عالية جدا مقارنة مع معدلات البطالة التاريخية في الأردن، ومعدلاتها في غالبية دول العالم، إذ كانت قبل جائحة كورونا (19.2) بالمئة، ووصلت خلال الربع الأول من العام 2024 (21.4) بالمئة.
وأشار المرصد إلى أن معظم الأطفال العاملين ينتمون إلى أسر فقيرة، ما دفع العديد من الأسر إلى إخراج أبنائها من المدارس ودفعهم للعمل في بيئة تستغل فقرهم، بهدف المساهمة في توفير مداخيل إضافية تساعدها على تلبية الاحتياجات الأساسية.
وأوضح المرصد أن قانون العمل الأردني حظر تشغيل من هم تحت سن الـ16 عاما بأي صورة من الصور، وحظر أيضا تشغيل الأطفال بين سن 16–18 عاما في الأعمال الخطرة، إلا أن الواقع يقول غير ذلك، إذ وفقا لأحدث الإحصاءات المتوافرة في الأردن لعام 2016 التي أعدتها منظمة العمل الدولية بالتعاون مع دائرة الإحصاءات العامة ووزارة العمل، فإن نحو 75 ألف طفل في الأردن منخرطون في مجال عمالة الأطفال، منهم نحو 45 ألفا يعملون في مهن خطرة.
وتوقع المرصد أن يكون هذا العدد قد زاد بشكل ملموس نتيجة ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، إضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بتراجع مؤشرات العدالة الاجتماعية والتي نجمت بشكل أساسي عن تنفيذ سياسات اقتصادية لم تأخذ بالاعتبار النتائج والآثار الاجتماعية لهذه السياسات التي تركزت خلال العقود الماضية على تحرير الاقتصاد الوطني، والإمعان في تنفيذ سياسات مالية وضريبية غير عادلة، حيث التوسع في فرض الضرائب غير المباشرة التي أرهقت القوة الشرائية للعديد من الأسر.
كما أن تدني مستويات الأجور وبقائها على حالها مقابل استمرار ارتفاع معدلات التضخم (أسعار السلع والخدمات) أدى إلى تراجع مستويات المعيشة لقطاعات واسعة من الأسر، وفق المرصد.
يضاف إلى ذلك تراجع البيئة المدرسية في العديد من المدارس وبخاصة الحكومية، إذ ما زالت غير جاذبة لقطاعات واسعة من الطلبة، ما يُشجعهم أكثر فأكثر على الانسحاب من المدارس والالتحاق في سوق العمل.
وبين المرصد أن لعمالة الأطفال العديد من الآثار السلبية عليهم، مثل الآثار الجسمانية والاجتماعية والتعليمية، فالعديد من الأطفال يعملون في ظروف بيئية غير صحية تؤثر سلبا على صحتهم بشكل مباشر، وقد يتعرضون لمخاطر عديدة أثناء عملهم، مثل الأطفال العاملين في مصانع كيماوية أو ورش الميكانيك للسيارات والذين يتعرضون فيها للمواد الكيميائية الضارّة وخطر التعامل مع الآلات الميكانيكية والكهربائية، إضافة إلى الأطفال الباعة المتجولون المعرّضون باستمرار لحوادث السيارات.
كما أن انخراط الأطفال في سوق العمل وبقائهم خارج منازلهم لفترات طويلة يتيح لهم التعامل مع أصناف مختلفة من المجتمع، وهو ما قد يؤدي إلى تعلمهم بعض السلوكيات السيئة كالتدخين وتداول الألفاظ البذيئة، كما يسهل استدراجهم والتحرش بهم واستغلالهم جنسيا.
كذلك، إن الأطفال الذين يعملون إما أنهم انقطعوا نهائيا عن الدراسة أو أنهم يعملون بعد خروجهم من المدرسة، وربما لم يدخلوا مدرسة أصلاً ولم يتلقوا أي قدر من التعليم، وفي جميع الحالات يبرز الأثر السلبي للعمل على تعليم الأطفال، وبهذا قد تؤدي عمالة الأطفال إلى زيادة نسبة الأمية لديهم.
وأوصى المرصد بضرورة معالجة الأسباب الحقيقية وراء ظاهرة عمالة الأطفال وهي الفقر والبطالة، إضافة إلى إعادة النظر بالسياسات الضريبية التي توسعت في فرض الضرائب غير المباشرة، وأرهقت القوة الشرائية للمواطنين.
وشدد المرصد على ضرورة تطوير منظومة الحماية الاجتماعية بحيث تصبح عادلة وتوفر الحياة الكريمة للجميع، وبخاصة الفقراء، وإعادة النظر بمستويات الأجور باتجاه رفعها بما يتناسب مع المستوى المعيشي في الأردن، إلى جانب تطوير العملية التربوية والتعليمية خلال المرحلة الأساسية للحد من عمليات تسرب الأطفال من مدارسهم.