المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني
على رغم أن "منصة حماية" التابعة لوزارة العمل، تُوفر خدمة تقديم الشكاوى إلكترونياً للعمّال الذين يتعرضون لانتهاكات من قبل أصحاب العمل، فإن العديد العمّال لا يعرف عنها أو يسمع بها، وبعضهم قد يواجه تحدياً في الوصول إلى خدمات الإنترنت للاستفادة من المنصة وتقديم شكوى عمّالية عبرها.
في المقابل، واجه بعض من قدموا شكاوى عبر المنصة، ثغرات أوقعتهم في انتهاكات عمّالية أخرى وأفقدتهم بعض حقوقهم العمّالية، وصلت إلى إنهاء خدماتهم بعد أن عَلِم أصحاب العمل بالشكوى، رغم سريتها، إلى جانب تأخر مفتشي وزارة العمل في التحرّي والتحقق من الشكاوى المقدمة بعض الأحيان وعدم التوصل إلى حل أحياناً أخرى.
خسِر عمله بعد تقديم شكوى
العامل طارق العبدات، الذي يعمل محاسباً في شركة للألبان منذ 23 عاماً، يقول لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن المنصة ملجأ للعمّال حال حدوث أي مشكلة معهم ولا تدخل فيها الواسطة أو المحسوبية، ولكنها لا تحميهم في بعض الحالات.
ويؤكد أن إدارة الشركة أنهت خدماته في الوقت الذي بقي على استحقاقه تقاعد الشيخوخة أربعة أعوام، بعد أن علمت بتقديمه شكوى من خلال المنصة؛ "حصلت على حقوقي العمّالية ولكن إنهاء خدماتي من الشركة هو إجحاف بحقي، وهنا أتساءل أين حماية العامل الذي يُقدم الشكاوى من أصحاب العمل والإدارات؟".
ويوضح أن هناك تحايلاً في بعض الشكاوى، فإحدى الشكاوى التي قدمها كانت بعد قيام الإدارة بخصم جزءٍ من راتبه، وجاء رد الوزارة أن المشكلة انتهت، مع أنها لم تُحل، ولولا التصعيد مع النقابة والشكاوى لأكثر من طرف غير الوزارة لخسر حقوقه العمّالية في ذلك الوقت.
ويقترح العبدات مراقبة الجهات التنفيذية بوزارة العمل التي تقوم على هذه المنصة، والتوجه مباشرة إلى مكان العمل ومتابعة الشكاوى وبخاصة الجماعية منها، وحماية المتقدمين بالشكاوى قانونيا وعدم ترك العامل ضحية لأصحاب العمل والإدارات.
لم تسمع بالمنصة
أما علياء صبح، وهي عاملة زراعية بالأغوار الشمالية، فلم تكن تعرف بوجود منصة حماية تستقبل شكاوى عمّالية، قبل أن يتواصل "المرصد العمّالي الأردني" معها.
تقول علياء إنها تعرضت للعديد من الانتهاكات العمّالية من قبل صاحب العمل، إلى جانب تعرضها قبل ثلاثة أعوام لإصابة في يدها اليمنى أثناء عملها في مزرعة بالأغوار الشمالية، "حينها كنت سأقدم شكوى لوزارة العمل ضد صاحب العمل ولكن لم أكن أملك المال ولو كنت أعلم بوجود المنصة لاختصرت على نفسي الكثير من المعاناة".
وتعتزم صبح تقديم شكوى عبر منصة حماية تُفيد بعدم حصولها على أجر يبلغ 700 دينارا مستحقٍّ لها من صاحب المزرعة منذ 18 شهراً ويتهرب من دفعه.
الوزارة تتأخر بمتابعة الشكاوى
بينما، يقول محمد حمد، الذي يعمل في مجال التسويق منذ سنوات، في حديثه إلى "المرصد العمّالي" إن المنصة تلبي احتياجات العمّال لجهة إمكان تقديم الشكاوى والمشكلات التي يتعرضون لها في أي وقت وبدون كلفة.
ويشير إلى أنه قدم عدة شكاوى عبر المنصة تفيد بتأخر صرف الراتب والعمولات والشعور بعدم الاستقرار الوظيفي وعدم شموله بالتأمين الصحي، لكن الوزارة كانت تتأخر في التحقق من الشكاوى المقدمة وفي أحيان أخرى لا تتواصل مع العمّال مقدمي الشكاوى.
اتحاد النقابات: تحتاج لتطوير وحماية أكثر
من جانبها، تقول عضوة المكتب التنفيذي لاتحاد نقابات عمّال الأردن بشرى السلمان، في تصريح إلى "المرصد العمّالي الأردني"، إن وجود "منصة حماية" كوسيلة إلكترونية خطوة إيجابية وأداة مهمة في التعامل مع شكاوى العمّال واستقبالها من شتى القطاعات الاقتصادية.
وتعتقد أنه على الرغم من أهمية المنصة، إلا أنها تحتاج تطوير آلية العمل وتحسين كفاءة عملها كي تستجيب لحجم الانتهاكات الكبير في سوق العمل.
وتلفت السلمان، وهي رئيسة النقابة العامة للعاملين في الصناعات الغذائية، إلى أن المنصة تحتاج ترويجاً حتى يتعرف عليها العمّال، وبخاصة في القطاعات الاقتصادية غير المنظمة، من خلال حملات توعوية وإعلامية تصل إلى أكبر شريحة من العمّال، وتتضمن شرحا مبسطا وتوضيحاً لآلية التقدم بشكاوى مع توضيح الضمانات اللازمة بحماية من يتقدم بشكاوى من خلالها.
وترى أنه يجب الانتباه إلى أن شريحة واسعة من العمّال لا تستفيد من خدمات المنصة، لقلة المعرفة في التعامل مع التكنولوجيا ومحدودية الوصول إلى خدمات الإنترنت مثل العاملين في قطاع الزراعة؛ ما يتطلب إيجاد وسائل أخرى للتعامل مع مثل هذه الشكاوى.
وعن دور الاتحاد توضح السلمان أنه يقوم بتعريف العمّال على المنصة عبر الدورات والورشات التثقيفية التي يعقدها، وأهمية عدم السكوت على أية انتهاكات للحقوق المكفولة بموجب التشريعات النافذة، كما يدعو من خلال البيانات التي يصدرها عبر وسائل الإعلام إلى أهمية التقدم بالشكاوى العمّالية عبر المنصة.
"سرية الشكوى".. تحتاج معالجة
وعلى ضوء إنهاء خدمات العمّال مقدمي الشكاوى عبر المنصة رغم توافر خيار "سرية الشكوى"، تشير السلمان إلى أنه رغم أن الحفاظ على الخصوصية جزء من الخدمات التي تقدمها المنصة، فإن هناك حالات لعمّال اتُّخِذت إجراءات انتقامية بحقهم وفصلوا من العمل بسبب معرفة أصحاب المنشآت أنهم قدموا شكوى عبر المنصة، وهو ما "يحتاج معالجة".
وتوضح أن أبرز الجوانب السلبية التي تتعلق بالمنصة، تتمثل بـ"جدوى معالجة الشكاوى" الواردة إليها وقدرتها على "إيجاد الحلول المناسبة إليها بأسرع وقت ممكن" وبخاصة في حالات تسريح العمّال وانهاء خدماتهم.. "كثير من الشكاوى بقطاعات تابعة للنقابة لم تستطع المنصة توفير الحماية اللازمة ووقف الانتهاكات وضمان الحقوق الواجب توفيرها للعمّال، إلى جانب التأخر في الكشف عن الانتهاكات من قبل مفتشي وزارة العمل".
وتقترح السلمان، انطلاقاً من الشراكة التي تجمع النقابات العمّالية مع الحكومة، إعطاء صلاحية للنقابات العمّالية بالدخول على المنصة والاطلاع على الشكاوى الواردة إليها، من خلال إصدار كشف شهري يتضمن جميع الشكاوى الواردة حسب القطاعات الاقتصادية لمعرفة الإجراءات المتبعة للتعامل مع كل شكوى، وضمان إغلاق كل الشكاوى الواردة، وزيادة الكوادر البشرية التي تعمل عليها المنصة ومفتشي العمل للتعامل السريع مع الشكاوى ومتابعتها وحلّها.
"المرصد العمّالي الأردني" حاول التعرف إلى مصدر إفساد مبدأ سرية الشكوى، فلم يجد ما يثبت أن التسريب من العاملين على المنصة. وبسؤال العمّال الذين كان لديهم ارتياب من تسريب اسم المشتكي، وجد المرصد أن معظم الحالات نتجت عن سوء إجراء بعض المفتشين خلال التحقق من الشكوى، أو أنّ صاحب العمل، وبخاصة في المنشآت الصغيرة، يمكنه معرفة المشتكي من فحوى الشكوى ذاتها أو من زملائه في العمل..
العمل: 61172 شكوى منذ إطلاق المنصة
بدورها، تقول وزارة العمل في تصريح إلى "المرصد العمّالي الأردني" إنه منذ إطلاق المنصة في حزيران 2020 وحتى منتصف كانون الثاني الحالي، وصل عدد الشكاوى التي استقبلتها من خلال المنصة 61172 شكوى عمّالية و875 شكوى واردة من العاملين في المنازل. وتؤكد أن نسبة إيجاد الحلول لتلك الشكاوى "تزيد على 90 بالمئة".
وتشير الوزارة إلى أن الهدف من المنصة استقبال شكاوى العاملين في القطاع الخاص الكترونيا، بما فيها شكاوى العاملين في المنازل وعمالة الأطفال، لتوفير الوقت والجهد على العمّال وأصحاب العمل للتواصل مع مديرية التفتيش في الوزارة وتسهيل متابعة الشكاوى من قبل مفتشي العمل.
وتلفت الوزارة إلى أنه لضمان سلامة الإجراءات وفّرت المنصة خدمة لأصحاب العمل لتقديم أي اعتراض على أي إجراء للمفتشين، علما بأن المفتشين مزودون بكاميرات مثبتة على صدورهم ومرتبطة بغرفة سيطرة مركزية داخل الوزارة لضمان سلامة الإجراءات وشفافيتها.
وتبيّن الوزارة أنه بعد وصول الشكوى للمنصة يقوم المفتش بالتحقق والتواصل مع صاحب الشكوى وصاحب العمل أيضاً، وبعد التحقق من كل المعلومات الواردة والإجراءات المتخذة من قبل المنشأة المشتكَى عليها، يتخذ المفتش إجراءه بحسب كل حالة ومعطياتها وفقا لأحكام قانون العمل.