المرصد العمالي الأردني – مراد كتكت
ربما يعتقد كثير من الناس أن ظاهرة التهرب التأميني منتشرة فقط في الشركات المتوسطة والصغيرة، ولكن هناك شركات كبرى أيضا ينتشر فيها التهرب من شمول العاملين لديها ولكن بشكل جزئي، ما يعني عدم شمول العامل بالضمان الاجتماعي على أساس أجره الكامل.
وهذا ما حدث في إحدى الشركات الكبرى في قطاع الاتصالات بالأردن، إذ تواصل متقاعدون كانوا يعملون في هذه الشركة مع "المرصد العمالي" ليرووا قصتهم له.
يقول أحد المتقاعدين من الشركة، وكان يعمل لديها في المبيعات لنحو 9 سنوات، إنه تفاجأ عند تقاعده ومراجعة مؤسسة الضمان الاجتماعي بأن الشركة لم تلتزم بدفع الاشتراكات كاملة طيلة مدة عمله لديها، أي أن شموله بالضمان كان على أساس راتبه الأساسي بدون البدلات التي يتقاضها مثل "بدلات التنقلات" و"عمولة المبيعات".
ويبين المتقاعد، الذي طلب عدم نشر اسمه، أنه عندما اطّلع على البيانات الخاصة به في مؤسسة الضمان تبين أن فرق الاشتراكات الشهرية التي لم تلتزم الشركة بسدادها تصل إلى نحو 600 دينار شهريا، ما يعني تأثر راتبه التقاعدي سلباً بشكل كبير.
وفي تشرين الثاني من العام الماضي، تقدم المتقاعد بشكوى ضد الشركة لدى مؤسسة الضمان، لتصدر المؤسسة قرارها الأولي في نيسان الماضي بتعديل أجور المتقاعد الخاضعة للضمان منذ بداية عمله لدى الشركة وحتى تقاعده منها وفقا لاحتساب الاشتراكات التي لم تلتزم الشركة بسدادها وهي "بدلات التنقلات" و"عمولة المبيعات".
واستند القرار، الذي تلقى "المرصد العمالي" نسخة منه، إلى أحكام المواد (4، 21، 92، و98) من قانون الضمان الاجتماعي، إضافة إلى أحكام المواد (9، 10، 11، 27 و، و62 ج) من نظام الشمول بتأمينات مؤسسة الضمان.
وذكرت الفقرة (أ) من المادة (11) من نظام الشمول البدلات والعلاوات التي لا تدخل في مفهوم الأجر الشهري الخاضع للاقتطاع، لكن لم تتضمن "بدلات التنقلات" و"عمولة المبيعات"، ما يعني وجوب إدخالها ضمن أجر المتقاعد الخاضع للضمان.
وكان هذا القرار قابلاً للاعتراض من قبل الطرفين (المتقاعد والشركة) أمام لجنة تسوية الحقوق الاستئنافية في مؤسسة الضمان الاجتماعي.
وبالفعل، اعترضت الشركة على القرار، لتجتمع لجنة الحقوق الاستئنافية في أيار الماضي للنظر في اعتراض الشركة، إلا أن اللجنة قررت التأكيد على صحة القرار الأولي الصادر من مؤسسة الضمان في نيسان الماضي.
وكان هذا القرار قابلاً للاعتراض أيضا أمام لجنة شؤون الضمان، وهو ما دفع الشركة للاعتراض مرة أخرى.
ويؤكد المتقاعد أن لجنة شؤون الضمان لم تجتمع حتى الآن للنظر في اعتراض الشركة الأخير، رغم تواصله معها مرات عديدة.
كما يؤكد أن هذه المشكلة تنطبق على جميع العاملين والمتقاعدين في مجال المبيعات في الشركة، ما يعني أن هناك ملايين الدنانير لم تلتزم الشركة بسدادها لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي.
الخبير في التأمينات الاجتماعية موسى الصبيحي يقول إنه لا يجوز لأي منشأة أن تتهرب من شمول عامليها بالضمان وفقاً لأحكام قانون الضمان الاجتماعي.
ويرى الصبيحي، خلال حديثه إلى "المرصد العمالي"، أن عدم شمول العامل على أساس أجره الإجمالي الحقيقي الكامل الذي يتقاضاه من جهة عمله يُعد إيذاءً للعامل وانتهاكا لحقه ولقانون الضمان.
ويشير إلى أنه في الوقت الذي لا تُدخل الشركة عناصر الأجر كاملة ضمن أجور العاملين الخاضعة لاقتطاعات الضمان، ومنها بدل التنقل "بدل المواصلات" و"عمولة المبيعات"، تُدخل هذه العناصر ضمن الأجور الخاضعة لعدد محدود جداً من كبار المسؤولين في الشركة فقط.
ويلفت الصبيحي إلى أن معلومات وردت إليه تُفيد بأن هناك محاولات تجري في الشركة لتغيير مُسمّى "بدل العمولة" إلى ما يمكن تسميته "مكافأة"، كمخرج للتهرب من شمولها ضمن الأجر الخاضع للضمان، وفقاً لما يظن القائمون على الأمر بأنه يتفق مع أحكام قانون الضمان.
لكنه يوضح أن المكافأة الثابتة والمستمرة التي تُصرَف على أسس واضحة تُشكّل عنصراً من عناصر الأجر الداخلة في اقتطاعات الضمان ولا يجوز استبعادها من هذا الأجر.
وهو ما يؤكده نص الفقرة (أ) من المادة (11) من نظام الشمول بتأمينات الضمان، إذ إن المكافآت والحوافز التي لا تحمل صفة الثبات لا تدخل في مفهوم الأجر الشهري الخاضع للاقتطاع ولا تعتبر جزءا منه.
ويوضح الصبيحي أن التهرب في هذه الحالة لا يُضيع حقوق العاملين فقط، وإنما يضيع حق مؤسسة الضمان في استيفاء الاشتراكات على أساس الأجور الإجمالية كاملة، وهذا بالتأكيد قد أضاع على المؤسسة بضعة ملايين من الدنانير على مدار عدة سنوات سابقة.
ويحذر الصبيحي من عواقب ظاهرة التهرب هذه، لأنها ستؤدي إلى خفض الفوائض التأمينية لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي، بما ينعكس سلباً على العوائد الاستثمارية لديها.
ويؤكد أنه في حال تضررت العوائد الاستثمارية لدى مؤسسة الضمان فسيتضرر الاقتصاد الأردني، لأن جزءا من أهداف استثمارات الضمان هو توليد فرص عمل بشكل مباشر وغير مباشر.
كما أن تضرُّر الملاءة المالية لدى مؤسسة الضمان سيؤثر سلبا على المنافع التأمينية على المدى البعيد، وهو ما قد يدفع مؤسسة الضمان الاجتماعي إلى إجراء تعديلات على قانون الضمان باتجاه إضعاف التأمينات الاجتماعية من أجل الموازنة بينها وبين صناديقها.