المرصد العمّالي الأردني- رزان المومني
يعاني عمّال قطاع غزة العاملون في فلسطين المحتلة عام 1948 بشكل متواصل من الانتهاكات العمّالية، وأبرزها صعوبة التنقل عبر الحواجز الإسرائيلية وإجراءات الحصول على تصاريح عمل في الداخل الفلسطيني المحتل. لكن، منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" وانتقاما للعملية، قطّعت السلطات الصهيونية أوصال عمّال غزة مثلما قطّعت أوصال القطاع.
إذ مارس الاحتلال أشكالا واسعة من الانتهاكات على العمّال، وألغى تصاريح العمل لجميع العمّال من قطاع غزة الذي يُقارب عددهم 18 ألف عامل، وفق بيان صادر عن النقابات العمّالية الفلسطينية.
ورحّلت سلطات الاحتلال آلاف العمّال الفلسطينيين من قطاع غزة العاملين في الداخل المحتل، حاملين حقائبهم إلى رام الله وأماكن أخرى مجاورة قبل أن تنقلهم سلطات الاحتلال إلى نقاط التفتيش في الضفة الغربية. فيما استمر عدد العمّال الذين يطلبون المساعدة في التزايد، مع وصول المزيد منهم إلى مأوى مؤقت.
كما شنّت سلطات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة في أنحاء متفرّقة من الضفة الغربية، إذ اعتقلت نحو 1600 فلسطيني وفق ما تؤكده هيئة شؤون الأسرى. من ضمنهم 50 عاملا غزيّاً في رام الله، وفق تصريح "وكالة الأنباء الفلسطينية- وفا". وعمِل الاحتلال على اعتقال وتوقيف أي عامل على الحواجز ومنهم عشرات العمّال من قطاع غزة.
وفي محاولة لتقييد الرأي أصدرت السلطات الصهيونية عشرات أوامر الفصل لعمّال فلسطينيين بادّعاء "دعمهم للإرهاب"، فمنذ بداية الحرب استقبلت "نقابة العمّال العرب في مدينة الناصرة" عشرات حالات الفصل من العمل بشكل نهائي، وكذلك دعوة العمّال إلى لجان التوفيق والعقوبات، بمجرد أن يكتب العامل جملاً بسيطة، باتت هذه الجمل "تماثلا مع منظمات إرهابية" كما تدّعي سلطات الاحتلال.
وطالبت نقابة المحامين العرب بالتطوع للدفاع عن العمّال أمام لجان التوفيق والعقوبات، بعد استدعاء عشرات العمّال من قبل المشغلين وأصحاب العمل وفصل العمّال بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر تعاطفا مع الأطفال والنساء المدفونين تحت الأنقاض في قطاع غزة.
تنكيل واعتداء على العمّال
يفكر محمد أشرف، وهو عامل غزيّ يعمل بمجال الإنشاءات في الداخل المحتل، بشكل مستمر في أسرته التي تركها وراءه للعمل، فمنذ بدء العدوان الصهيوني سيطرت أسئلة كثيرة على أشرف لا يجد عليها إجابات، بعد ما تعرض له من محاولات اعتداء وتفتيش وإهانة وتنكيل وإلغاء تصريح عمله وترك أسرته في قطاع غزة المكلوم، إلى جانب فقدانه وظيفته ومصدر رزقه الوحيد.
يقول أشرف لـ"المرصد العمّالي الأردني" إنه بعد أن بات ليلتين في المصنع الذي يعمل به في الداخل المحتل، انتقل وثمانية من العمّال إلى يافا وأقاموا أربعة أيام فيها، وفي أثناء الطريق تعرضوا إلى اعتداءات من قبل جيش الاحتلال على الحواجز. ثم توجه وزميله إلى رام الله وأصبح في مكان آمن، ولكنه لا يعرف ماذا جرى لأسرته البعيدة عنه خلال عدوان الاحتلال المتواصل على غزة.
ويشير إلى أن له أجوراً مستحقة لم يحصّلها بعد من صاحب العمل، ولا يعرف مصيره. "أي عامل ينتقل من الداخل المحتل إلى الضفة الغربية يمكن أن يتعرض خلال الطريق إلى الاعتداء عليه ويتم التنكيل به أو اعتقاله من قبل جيش الاحتلال وقد يتم تصفيته وقتله".
لم يرَ أطفاله منذ ثلاثة أسابيع
أمّا "يوسف"، فهو عامل من منطقة "جباليا" شمال قطاع غزّة ويعمل في بئر السبع، فيقول لـ"المرصد العمّالي الأردني" إنه خرج من منزله قبل ثلاثة أسابيع ولم يرَ أطفاله بعد، وعند بدء العدوان الإسرائيلي كان الوضع مأساويا لا يوصف، حينها أدرك خطورة الوضع وتوجه وزملاؤه إلى الضفة الغربية، وتعرضوا خلال الطريق إلى العديد من المضايقات من قبل قوات الاحتلال.
ورغم وصوله رام الله آمنا، إلا أنه يشعر بضغط كبير، لأنه لا يتمكن من الاطمئنان على أسرته إلى جانب فقدانه عمله الذي يعتبر مصدر الدخل الوحيد له وأسرته المكونة من أربعة أشخاص، "كثير من أقاربي ومعارفي استشهدوا وفي آخر اتصال لي مع أسرتي أخبرني أطفالي أن الوضع يزداد سوءا، وكانوا يصرخون ويبكون حتى أراهم، ليتني معهم الآن، فأنا أجلس هنا على قلق".
ويلفت يوسف إلى أن قوات الاحتلال قتلت عمّالا يعرفهم واستشهدوا، وبعضهم اعتقلتهم وعاملتهم بصورة مهينة ومذلة، وبعضهم الآخر لا يعرف أين ذهبوا وما مصيرهم.
18 ألف عامل ألغيت تصاريحهم
بدوره يقول الأمين العام لاتحاد عمّال فلسطين شاهر سعد، في تصريح إلى "المرصد العمّالي الأردني" إنه حاليا لا يوجد أي موقع يعمل فيه العمّال الفلسطينيون بما فيهم العمّال الغزيون، وألغيت تصاريحهم ويتعرضون للظلم والاعتقال من قبل جيش الاحتلال والشرطة الإسرائيلية.
ويوضح سعد أن الاتحاد أصدر بيانا يؤكد فيه مخالفة الاحتلال بشكل واضح القانون الدولي الإنساني وأحكام البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م، وإلحاق كل أنواع الأذى بالعمّال الفلسطينيين وبخاصة عمّال غزة، الذين كانوا يتواجدون في سوق العمل لدى الاحتلال لغاية تاريخه، حيث بوشر بطردهم من أماكن أعمالهم وترحيلهم إلى الضفة الغربية، بمن فيهم عمّال قطاع غزة، ولم يُسمح لهم بالعودة إلى بيوتهم.
ويوضح البيان تعرض العمّال للاعتداء الجسدي ومصادرة ممتلكاتهم الشخصية كالأموال وبطاقات الهوية وتصاريح الدخول، وبلاغات تفيد فقدان أي أثر للعديد منهم، واحتجاز جزءٍ منهم في معسكر "عناتوت" شمال مدينة القدس المحتلة، ضمن ظروف حجز مهينة تحط من كرامة البشر، وبدون محاكمة أو تمثيل قانوني.
وطالب البيان بالإفراج الفوري عن المعتقلين، وتأمين وصولهم إلى منازلهم والبقاء إلى جانب أسرهم التي تتعرض لأشد محنة عرفتها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية. وحضّ الاتحادات العمّالية والنقابية في العالم على الوفاء بالتزاماتهم التي قطعوها ومد يد العون للعمّال أينما كانوا.
ودعا البيان منظمة الصليب الأحمر الدولي إلى التوجه بشكل فوري إلى معسكر "عناتوت" للاطمئنان على العمّال والاستماع لشهاداتهم، وتحرير كشوف بأسماء زملائهم الذين كانوا معهم في أماكن العمل، لغايات حصر العدد الحقيقي للعمّال الذين تقطعت بهم السبل ولا معلومات موثوقة حولهم.
ما مصير العمّال؟
وطالبت نقابات عمّالية أخرى سلطات الاحتلال بالكشف عن مصير العمّال الذين فُقدت آثارهم داخل فلسطين المحتلة، ووجهت نقابة العمّال العرب في مدينة الناصرة رسائل عاجلة إلى إدارة سلطة سجون الاحتلال والإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، تطالبها بالكشف عن مصير العمّال الغزيين الذين اختفت آثارهم منذ 7 تشرين الأول.
وأكدت النقابة أن عددا كبيرا من العمّال دخلوا إلى الضفة الغربية، وقسما منهم وصل مدينة رام الله، ولكن عددا كبيرا منهم تم توقيفه على الحواجز العسكرية وتعرضوا للتنكيل والضرب المبرح وسرقة الأموال التي كانت بحوزتهم، وأن المئات منهم يتم احتجازهم في معسكرات لجيش الاحتلال في الضفة الغربية.
وبينت النقابة أنها وخلال تواصلها مع عدد من العمّال الذين لجأوا إلى مدينة جنين في مقر تابع للبلدية، أبلغوها باختفاء مئات من زملائهم، وأنهم تعرضوا للتوقيف والضرب المبرح على الحواجز العسكرية الإسرائيلية، فيما ألغى المنسق الإسرائيلي في الإدارة المدنية 18 ألف تصريح عمل للعاملين في الداخل المحتل، وبذلك أصبح آلاف العمّال "غير قانونيين" وما يزال مصيرهم مجهولا حتى هذه اللحظة.
مئات العمّال مفقودون
من جانبه، يقول "بدر زماعرة" مدير منتدى "شارك" في فلسطين وأحد منسقي عمّال الداخل المحتل في حديثه إلى "المرصد العمّالي الأردني" إنه عندما بدأت الحرب لم يكن جميع العمّال في الداخل، لسببين: الأول أنها كانت نهاية أسبوع وجزء منهم عاد إلى قطاع غزة، والآخر وجود إشكالية في تجديد التصاريح من قبل سلطات الاحتلال بسبب عطلة الأعياد الدينية.
ويؤكد أنه جرى إلغاء 18 ألف تصريح عمل لعمّال قطاع غزة كعقوبة مارسها الاحتلال بحقهم، ثم طلبوا منهم مغادرة الداخل المحتل، "جمعوهم وألقوا بهم على الحواجز، واشترطت سلطات الاحتلال على أحد الحواجز تعرية العمّال ليبقوا على قيد الحياة، وبعض العمّال لم يحصلوا على أجرهم المستحق، وبعضهم مزق جنود الاحتلال بطاقاتهم الشخصية وسلبوهم أوراقهم النقدية التي حصلوا عليها من عملهم".
ويشير زماعرة إلى أن الكثير من العمّال لا يُعرف عنهم أي معلومة، "بدأنا بإحصاء العمّال المفقودين ووجدنا في مكان عمل واحد فقط ما يُقارب 190 عاملا سجلنا بياناتهم، وما تزال تصلنا كل يوم أعداد كبيرة من العمّال المفقودين والمعتقلين وعمّال تعرضوا للتنكيل".
ويوضح أن بعض العمّال لديهم مهارات عالية، وبعضهم يعمل بنظام المياومة، ونهاية الأسبوع يأخذون أجرهم ويعودون إلى غزة بدون أن يحصلوا على أي نوع من الحمايات الاجتماعية ويعملون في قطاعات خطرة مثل الزراعة والصناعة والإنشاءات.
ويلفت إلى أنه منذ عامين ووفق ترتيبات بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال، "جرى إصدار تصاريح للعمل في الداخل المحتل، وحصل آلاف العمّال من قطاع غزة على تصاريح للعمل حينها، وجزء منهم يقيم حاليا في الداخل المحتل لمدة تُجاوز الأسبوع والجزء الآخر يتنقّل يوميا".
فيما كانت حكومة الاحتلال قد أعلنت في أيلول عام 2022 إصدار تصاريح 20 ألفا عامل غزيين، في محاولة منها للضغط على حركة حماس ضد أي تصعيد محتمل.