المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني
صدر في عدد الجريدة الرسمية أخيرا، تعليمات تقييم المخاطر في بيئة العمل لسنة 2023، بمقتضى نظام السلامة والصحة المهنية والوقاية من الأخطار المهنية في المؤسسات.
وجاء في التعليمات أن على صاحب العمل تحديد من سيقوم بإجراء تقييم المخاطر من المؤهلين لتحديد مصادر الأخطار المهنية في المؤسسة وإشراك العاملين وأعضاء لجنة السلامة والصحة المهنية (إن وجدت) في عملية تقييم المخاطر.
ويُشترط أيضا على صاحب العمل التأكد من إجراء تقييم المخاطر لجميع أماكن العمل وجميع العمليات التي تتم في المؤسسة، مع الأخذ بالاعتبار مراعاة العاملين الذين تتطلب طبيعة عملهم التنقل وتغيير موقع العمل.
كما يجب عند إجراء عملية تقييم المخاطر تحديد الأشخاص الذين يتعرضون للخطر مع الأخذ بالاعتبار جميع العاملين والأشخاص المتواجدين في بيئة العمل، مثل فريق الصيانة والمقاولين والزوار والموردين وممثلي المبيعات والمتدربين، إضافة إلى المرأة الحامل أو المرضع والعمّال دون سن 18 عاما والأشخاص ذوي الإعاقة والعمّال غير الأردنيين والعمّال الذين يعملون بشكل منفرد، مثل الحارس الليلي وعامل لوحة التحكم.
ووفقا للتعليمات أيضاً، فإن مستوى الخطورة لكل خطر من الأخطار الموجودة في بيئة العمل يُحدد اعتماداً على احتمال حدوث إصابة عمل أو أضرار صحية، وشدة الإصابة أو الأضرار الصحية الناتجة عن العمل.
ويلتزم صاحب العمل أو من يُمثله، وفق التعليمات، باعتماد وتوقيع خطة للاحتياطات والتدابير الوقائية بناءً على نتائج تقييم المخاطر في بيئة العمل، ويجب أن تتضمن الأخطار في بيئة العمل، والاحتياطات والتدابير الوقائية اللازمة لحماية العاملين من الاخطار في بيئة العمل، والإطار الزمني لتنفيذ الاحتياطات والتدابير الوقائية، والأسماء والمسميات الوظيفية للمسؤولين عن تنفيذ الاحتياطات والتدابير الوقائية، وأخيرا المخصصات المالية اللازمة لتنفيذ تلك الاحتياطات والتدابير.
وفي تصريحات إلى "المرصد العمّالي الأردني"، يرى خبراء ومتخصصون في مجال السلامة والصحة المهنية أنّ التعليمات لا تتضمن خطوات تقييم المخاطر ومستويات ودرجة الخطورة، وأن الاحتياطات والتدابير الوقائية يجب مراجعتها يبن حين وآخر بدلا من مراجعتها كل عامين.
وينبهون إلى أن تقييم المخاطر يحتاج دقةً عالية، واعتماد وتوقيع خطة للاحتياطات والتدابير الوقائية بناءً على نتائج تقييم المخاطر في بيئة العمل غير قابل للتنفيذ من قبل صاحب العمل، ومسؤول السلامة هو الشخص المعتمد من قبل وزارة العمل، وهو الذي يجري تقييم المخاطر وفقا للمنهجية المتضمنة في التعليمات.
كما يرون أن التعليمات لا تحمي العدد الأكبر من العاملين في المنشآت التي تُشغّل أقل من 20 عاملاً، ومعظم المنشآت حِرفية تنطوي على مخاطر مهنية كبيرة، كما أن تقييم المخاطر يجب أن يكون للبيئة العامة بصرف النظر عن عدد العاملين.
لا تحمي العدد الأكبر من العاملين
يقول الخبير في التأمينات الاجتماعية والناطق السابق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي إن أهم نقطة أغفلتها التعليمات هي خطوات تقييم المخاطر التي يجب أن تشتمل على تحديد المخاطر المهنية بشكل دقيق، والعمّال وغيرهم المعرّضين لأي من المخاطر، ومستويات ودرجات الخطورة، والتدابير والإجراءات الوقائية من المخاطر، وإجراءات التعامل مع الإصابات، ورصد المخاطر بشكل دوري أو يومي. إضافة إلى أهمية موضوع التدريب والتوعية بالمخاطر، والمراجعة والتقييم الدوري لكل هذه الخطوات.
ويوضح أنه غير كاف في المادة السادسة تحديد مستوى الخطورة اعتماداً على احتمال حدوث إصابة عمل أو ضرر صحي وشدة الإصابة؛ فهناك عوامل أخرى لتحديد مستوى الخطورة مثل بيئة العمل الخطرة لبعض الأعمال والمهن التي قد تؤدي إلى أمراض مهنية خطيرة مستقبلاً، وبعض أدوات العمل والآليات الخاصة والمواد الدقيقة في المعالجات والتداخلات الطبية، ما يؤثر على البيئة المحيطة بشكل عام وليس فقط على مجرد وقوع اصابة عمل أو ضرر صحي مباشر.
ويشير الصبيحي إلى أن المادة السابعة تتحدث عن ضرورة أن يُعد صاحب العمل خطة الاحتياطات والتدابير الوقائية، وهذا غير دقيق؛ فالأفضل أن يكون لديه تعليمات دقيقة موثّقة ومرنة، "الاحتياطات والتدابير الوقائية يعاد النظر فيها من فترة الى أخرى بناءً على نتائج تقييم المخاطر".
ويرى أن التعليمات لا تحمي العدد الأكبر من العاملين في المنشآت التي تُشغّل أقل من 20 عاملاً، ومعظم المنشآت حرفية تنطوي على مخاطر مهنية كبيرة، مثل منشآت الحدادة والنجارة والميكانيك وغيرها التي عادة ما يعمل فيها أقل من خمسة عاملين.
ويتساءل الصبيحي: لماذا ذُكِر في الفقرة "ب" من المادة الخامسة "مع الأخذ بالاعتبار العمّال غير الأردنيين؟ مما يشي بأنه لا ضرورة للتركيز على العمّال الأردنيين؟
غياب دور المتخصص بتحليل المخاطر
بينما يقول حمدي جعفر المستشار في السلامة العامة إنه لا يوجد تعريف خاص لصاحب العمل، مع العلم أنه عندما أخذت وزارة العمل رأي الشركات بالتعليمات قبل نشرها تم تعريفه بـ"المدير العام"، وصاحب العمل قد يكون طرفا معنويا وليس شخص بعينه، كما أن التعليمات لا تتضمن تعريفا لتشكيل "الإدارة العليا".
ويلاحظ أن التقييم المتضمن في التعليمات موجود فقط في الدورات الدولية مثل "نيبوش وايوش" وغيرها، وهذه الدورات غير معترف بها للحصول على درجة فني أو أخصائي لمزاولة المهنة، "برامج التدريب والتأهيل في دورة المشرف ودورة الأخصائي وحتى في بكالوريوس تخصص الحريق والسلامة لا يتضمن هذا الأسلوب من تقييم المخاطر ويختلف اختلافا كليا، ومن المفترض أن مشرف السلامة أو فني السلامة أو الأخصائي هو الذي يجري تحليل المخاطر".
ويشير إلى أنه في المادة الخامسة ووفق ما تحتويه دورة الأخصائي من ناحية تحديد الأشخاص الذين يتعرضون إلى المخاطر، لا يتم عمل تحليل المخاطر بهذه الطريقة ولا يتم الطلب من المتدربين شمول جميع العاملين في المؤسسة كما تضمنته المادة.
ويختلف جعفر مع الصبيحي على المادة السادسة، ويعلق بأن الأسلوب المعتمد دوليا ممتاز وهو ما يتوافق وجميع أساليب تحليل المخاطر الدولية باستثناء تحليل المخاطر اليابانية، حيث يعتمد على أسلوب جمع شدة الضرر باحتمالية حصول الحادث.
ويرى أنه في المادة السابعة يجب توضيح أن المقصود هو خطة للاحتياطات والتدابير الوقائية وليس وثيقة تحليل المخاطر لكون مسؤول السلامة ليس له علاقة بالمخصصات المالية.
يجب اعتماد تقييم البيئة وليس عدد العاملين
في حين ترى ريما الشوبكي مديرة السلامة والصحة المهنية في شركة خاصة أن التعليمات بشكل عام "جيدة"، وتعتقد أنه يمكن تجويدها أكثر من خلال إجراء تقييم ومراجعة سنوية للمخاطر بدل أن يتم ذلك كل عامين، بالإضافة إلى أن صاحب العمل هو الذي يوقع على ملف تقييم المخاطر، وهذا ملف كبير يجب أن يوقع عليه مشرف السلامة والصحة المهنية.
وتلفت إلى أن ملف تقييم المخاطر يحتاج دقة عالية، واعتماد وتوقيع خطة للاحتياطات والتدابير الوقائية بناءً على نتائج تقييم المخاطر في بيئة العمل غير قابل للتنفيذ من قبل صاحب العمل، ومسؤول السلامة هو الشخص المعتمد من قبل وزارة العمل ويعرف عمله جيدا ويجري التقييم وفق المنهجية المتضمنة في التعليمات.
وتشير إلى أنه "من الممكن أن تطبق في الشركات الصغيرة أن يوقع صاحب العمل، إلا أنه في الشركات الكبيرة لا يمكن تطبيقها، ويجب أن يكون لكل شركة منهجية خاصة في تقييم المخاطر وإجراءات معتمدة موقعة من الإدارة العُليا".
وترى أن تطبيق هذه التعليمات على المنشآت التي لديها 20 عاملا أمرا ليس جيدا، ولا يجب أن تتم بناءً على عدد العمّال، فتقييم المخاطر يتم للبيئة العامة بصرف النظر عن عدد العاملين، فمن الممكن تقييم مكاتب ومرافق عامة أو مكان أرشفة الملفات والرفوف. وهو ما يثنّي عليه الصبيحي، لاحتمالات وقوع الضرر على العامل وغيره في بيئة العمل والممتلكات والبيئة بشكل عام.
ومن جانب ذي صلة، يشير التقرير التحليلي لإصابات العمل الذي أصدرته مديرية السلامة والمهن الخطرة في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي خلال عام (2021)، إلى أن أوضاع السلامة والصحة المهنية في المنشآت المختلفة "ليست بالمستوى المنشود". وسجلت أعلى نسبة في إصابات العمل من حيث مهنة المصاب في القطاعات الاقتصادية الخاصة، في مشغلي المصانع وعمّال التجميع ووصلت إلى 14.52 بالمئة، يليه الحرفيون بنسبة 12 بالمئة، فيما شكّلت الوفيات الإصابية في مشغلي المصانع وعمّال التجميع أعلى نسبة بـ 13.9 بالمئة وبلغ عددها 11 وفاة من إجمالي الوفيات الإصابية.
وأجمع خبراء خلال جلسة حوارية عقدها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية لمناقشة أنظمة السلامة والصحة المهنية، على وجود اختلالات تشريعية وتطبيقية في أنظمة السلامة والصحة المهنية، خصوصا وأنّ وزارة العمل، لم تُجرِ أي مشاورات وحوارات مع مؤسسات المجتمع المدني والنقابات العمّالية والمهنية.
ولاحظ الخبراء أنّ هناك فجوات في توفير الحماية الاجتماعية للعاملين فيما يتعلق بأنظمة السلامة والصحة المهنية، وطالبوا باعتماد مبدأ التشاركية مع المؤسسات والجهات ذات العلاقة عند تشريع القوانين وإصدار الأنظمة والتعليمات.