المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني
تقف عدم المساواة في الأجور بين الجنسين واحدا من العوائق أمام زيادة معدل المشاركة الاقتصادية للنساء في الأردن. الذي بلغ خلال الربع الأخير من العام الماضي 14 بالمئة مقابل 53.6 بالمئة للذكور وفق بيان صادر عن المجلس الأعلى للسكان عام 2020.
كما وتؤثر على معايير العمل اللائق لجهة غياب العدالة الاجتماعية فيه، ما يؤدي إلى هدر قدرات المرأة وإمكاناتها.
ويبلغ متوسط الأجر الذي تتقاضاه الإناث في القطاعين العام والخاص معاً 467 دينارا أردنيا مقابل 514 دينارا للذكور؛ أي بفارق 47 دينارا لصالح الذكور وبفجوة أجور بلغت 9.1 بالمئة، في حين بلغت هذه الفجوة نحو 14 بالمئة لصالح الرجال في القطاع الخاص، و12.5 بالمئة في القطاع العام، وفقا لآخر أرقام صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة عام 2020. بيد أن هذه الأرقام لم تفسر آلية احتساب متوسط الأجر في القطاعين.
وعلى الرغم من تشابه متطلبات العمل وطبيعته، ووجود نصوص قانونية تُلزم المساواة في الأجور بين الجنسين -ففي المادة (53) من قانون العمل الأردني "يُعاقب أصحاب العمل حال قاموا بأي تمييز بالأجر بين الجنسين للعمل ذي القيمة المتساوية"- إلا أن هناك ضعفا في تطبيق هذا النص القانوني، إلى جانب عدم التزام الأردن باتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 100 بشأن المساواة في الأجور بين الجنسين، رغم توقيعه عليها.
وهذه النسب الرسمية المتعلقة بفجوة الأجور غالبا ما تقصُر على القطاعات المنظمة (المشمولة بالضمان الاجتماعي)، بينما في المقابل هناك قطاعات عمّالية واسعة غير منظمة تُعاني من فجوة كبيرة في الأجور مثل قطاع الزراعة، إضافة إلى تدني رواتبهن التقاعدية مستقبلا، الأمر الذي يؤثر وسيؤثر على النساء جراء استمرار انعدام المساواة في الأجور بين الجنسين، مثل انسحاب الكثير منهن من سوق العمل، أو العزوف عن دخوله.
أعلى بالدرجة العلمية والخبرة وتحصّل أقل منه
تعمل عُلا فريحات منذ عامين معلمة لمادة الرياضيات في إحدى المدارس الخاصة المختلطة بالعاصمة عمان، تقول لـ"المرصد العمّالي الأردني" إنها تحصل على راتب شهري 285 دينار، في المقابل زميلها في نفس المدرسة ويدرّس ذات المادة وليس لديه خبرة يحصل على 410 دنانير شهريا، "فرق الأجر بيني وبينه 125 دينارا كل شهر، ولو كان راتبي أعلى لكان وضعي المالي أفضل".
وتوضح فريحات أنها تحمل شهادة الماجستير بتخصص الرياضيات ولديها خبرة عامين في التدريس، "أنا لا أحب المقارنات لكن التمييز واضح لا يحتاج إلى تفسير، وهذا ظلم، فكلانا يدرّس المادة ذاتها لكن الجهد الذي أبذله أكبر فنصاب حصصي 25 حصة أسبوعياً، أعلى بخمس حصص من زميلي، هذا من جهة ومن جهة أخرى أنا أكلف بالمناوبة وهو لا يكلف بالمناوبة ويختار الصفوف التي يريد تدريسها".
وتشير إلى أن المجتمع يعتقد أن الرجال لديهم التزامات أكثر من النساء لذلك يحصلون على رواتب أعلى، ولو رفضت العمل بسبب فرق الأجر هناك كثير من المعلمات يرضين به ولا يرفضن.
أجرها ثابت منذ ثلاثة أعوام
بينما تعمل "سميّة" منذ ثلاثة أعوام في مصنع للألبسة بمحافظة جرش، وهي حتى الآن لم تحصل على زيادة في الراتب الشهري الذي لا يجاوز 220 دينارا شهريا (أي أقل من الحد الأدنى للأجور البالغ 260 دينارا)، ولا حتى ترقيتها وتطوير وظيفتها أو تحصل على تدريبات وإرشادات متعلقة بعملها وسلامتها.
تقول سمية لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن الوظائف الإدارية في المصنع مقصورة على زملائها الذكور، ومنذ يومها الأول لم يكن هناك أي عاملة شغلت منصب إداري في المصنع، "أن تكون امرأة في منصب إداري قرار غير متوقع وهو ما تطمح إليه كثير من الزميلات العاملات منذ سنوات طويلة، لزيادة الراتب والحوافز وتحسين ظروفهن المعيشية".
وتلفت إلى أن عددا كبيرا من العاملات في المصنع يحملن شهادات جامعية بتخصصات مختلفة وبعضهن يحملن شهادة الثانوية العامة، "الإدارة لا تفرّق بين الشهادة الجامعية وشهادة الثانوية العامة من حيث الحقوق العمّالية والوظيفية، وهذه معاملة ظالمة".
الفجوة تؤثر على العمل اللائق
من جهتها، تقول أخصائية النوع الاجتماعي في منظمة العمل الدولية ومسؤولة برامج منظمة العمل الدولية في الأردن للعمل اللائق ريم أصلان، في حديثها إلى "المرصد العمّالي الأردني"، إن التمييز في الأجور يؤثر على العمل اللائق ومعاييره؛ لغياب العدالة الاجتماعية فيه بين الجنسين.
وتوضح أن رواتب النساء في الوظائف التي يشغلنها أقل منها في الوظائف التي يهيمن عليها الرجال، "على سبيل المثال وظيفة المعلمة يمكن أن تحصل على راتب شهري 260 دينار، بالمقابل الرجال العاملون في النقل لا يقبلون بهذا الراتب، لا نطالب أن يحصل سائق الباص على أجر أقل، بل نطالب أن يجري تقييم الوظائف بناء على معايير ومهارات وخبرات ومسؤوليات الوظيفة".
وتلفت أصلان إلى الحاجة إلى تقييم الوظيفة بصرف النظر عمّن يعمل فيها، خصوصا وأن الأردن تعهد بأن يسد فجوة الأجور من خلال اتفاقيتي 100 و111 اللتين وقع عليهما في الخمسينيات والستينيات من القرن الفائت، وحتى هذه اللحظة يعمل على تنفيذ بنودهما. منبهة إلى أنه لا يوجد دولة على المستوى العالمي سدت فجوة الأجور حتى الآن.
وتكشف أصلان أن "العمل الدولية" بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتنمية تقومان على تطوير أداة سويسرية لقياس فجوة الأجور داخل المؤسسات الأردنية، والعمل على تعريب الأداة لتلائم طبيعة سوق العمل الأردني، "من خلال تجربة الأداة نستطيع قياس فجوة الأجور بشكل دقيق".
قدرات المرأة مُهدرة.. وسوق العمل مضطرب
ويرى الخبير في علاقات العمل والعضو السابق بلجنة الإنصاف في الأجور أحمد الشوابكة أن وجود فجوة في الأجور يؤدي إلى انعدام المساواة والعدالة وانحرافٍ بمعايير العمل الدولية، الأمر الذي يتعارض مع أهداف التنمية المستدامة وبخاصة الهدف الثامن المعني بالبحث عن العمالة المنتجة والعمل اللائق للجميع.
وفي تصريح إلى "المرصد العمّالي الأردني" يقول الشوابكة إن هذه الفجوة "ينتج عنها خلل واضطراب في سوق العمل، إلى جانب هدر فرص الاستفادة من القدرات والإمكانات الاقتصادية للمرأة العاملة، وبالمحصلة تشكل خسارة للاقتصاد الوطني".
ويلفت إلى أن فجوة الأجور تظهر بارزة في قطاعات مثل القطاع الصحي، الذي تبلغ نسبة فجوة الأجور فيه 31.8 بالمئة وقطاع التعليم بنسبة 30.2 بالمئة، ولاحظ أن هناك فرقا بين القطاعين العام والخاص في نسب وأرقام فجوة الأجور استنادا إلى تقارير الإحصاءات العامة.
ويؤشر الشوابكة إلى تقارير أصدرتها منظمات دولية متخصصة، تخلص إلى أن إجمالي الكلفة التي يتكبدها الاقتصاد العالمي جراء فجوة الأجور تبلغ 7 تريليونات دولار، وأن العالم بحاجة إلى 132 عاما لسد تلك الفجوة. ومحليا: "على الرغم من التشريعات الملزمة بالمساواة، لكن فجوة الأجور بين الجنسين في الأردن ما تزال عالية".
من جانب متصل، توصي ورقة بحثية صادرة عن مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية في آذار الماضي بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، بمراجعة السياسات الاقتصادية باتجاه زيادة مستويات الأجور وتجسير الفجوة بينها، وهو ما يعزز الطلب الاستهلاكي المحلي الذي يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي بشكل أكثر فاعلية.
كما توصي الورقة، التي جاءت بعنوان "المشاركة الاقتصادية للمرأة الأردنية.. آفاق واعدة رغم التحديات"، بمراجعة مختلف الاستراتيجيات والبرامج الرامية إلى تعزيز دور المرأة في الحياة الاقتصادية وسوق العمل، وتحسين شروط العمل في الأردن بعامة وللنساء بخاصة، لتصبح أكثر جاذبة لهنّ، إلى جانب تفعيل الدور الرقابي للتفتيش في العمل، وتبني سياسات أكثر فاعلية في آليات التفتيـش مبنية على عدالة النوع الاجتماعي.