المرصد العمّالي الأردني –
في الوقت الذي يُواجه صندوق تقاعد نقابة المهندسين منذ أعوام أزمة مالية وُصفت بـ"الخانقة"، يُعاني في المقابل آلاف المهندسين المتقاعدين من تدهور أوضاعهم المعيشية، نتيجة عدم صرف رواتبهم التقاعدية أو صرف نصفها.
هذا الصندوق، الذي تأسس ليكون صندوقا تكافليا عام 1974، وهدفه الأساسي، وفق ما نصّ نظامه الذي طرأ عليه تعديلات، "توفير الرواتب التقاعدية للمهندسين المتقاعدين وعائلاتهم"، أصبح اليوم كصندوق "الصدقات"، فإذا توافرت السيولة فيه يتم صرف الرواتب للمتقاعدين، وإذا لم تتوافر السيولة فإما البحث عن عمل في سن متأخرة أو الصبر.
المهندسون المتقاعدون يعملون سائقي تطبيقات ذكية
"كل اشتراكاتي ذهبت هباءً"، هكذا عبّر المهندس المدني أسامة أبو لبن، الذي التزم بتسديد اشتراكاته لصالح صندوق تقاعد نقابة المهندسين منذ عام 1982، بمجموع وصل إلى (15) ألف دينار.
وعلى الرغم من أن أبو لبن لم يُبد أي اعتراض على مقدار راتبه التقاعدي الذي وصفه بـ"المتدني"، إلا أنه لم يتمكن حتى من الحصول عليه، لتسديد ديونه والتزاماته المتراكمة عليه.
ويبين أبو لبن، في حديثه إلى "المرصد العمالي الأردني"، أن لا خيار أمامه سوى الصبر حتى تنحل مشكلة الصندوق، خصوصا وأن لا مركبة حديثة لديه ليعمل على التطبيقات الذكية.
أما خالد خطاب، وهو متقاعد من النقابة منذ أكثر من 10 سنوات، فيقول إنه لجأ إلى العمل على التطبيقات الذكية، في محاولة لتطويق أزمته المعيشية التي تفاقمت نتيجة عدم صرف راتبه التقاعدي من النقابة.
ولفت خطاب في حديثه إلى "المرصد" إلى أن آخر نصف راتب تسلمه كان قبل أربعة شهور، ويؤكد أن هناك الكثيرين على شاكلته الذين اضطروا للعمل على التطبيقات الذكية كونها لا تتطلب مؤهلات علمية معينة.
ويتساءل: "أليس من حقي ومن حق هؤلاء المهندسين الذين تحولوا إلى سائقين أن يحظوا بحياة لائقة بعد العمل لمدة عقود؟".
خبراتنا الكبيرة تحول دون العمل
يصف المهندس عماد بدر وضعه، في حديثه إلى "المرصد"، بعبارة "الأوضاع سيئة"، ويبين أنه التزم بتسديد اشتراكاته لدى صندوق تقاعد النقابة منذ (36) عاما، والآن، وبسبب أزمة الصندوق؛ فإنّه يبحث عن عمل كي يتمكن من تسديد التزاماته المعيشية؛ إلّا أنّ الشركات ترفض؛ لأنّ مؤهلاته وخبراته عالية، أي أعلى من المستوى المطلوب.
ويشدد بدر، المتخصص في الهندسة الكهربائية، ويتقاضى راتبا تقاعديا مقداره 236 دينارا، أن على النقابة تحمّل مسؤولية أزمة صندوق التقاعد، ويؤكد أنهم لا يريدون سوى الحصول على رواتبهم التي هي "حق مكتسب لهم".
"النقيب" يَقرع جدار الخزّان
في السّادس والعشرين من حزيران الماضي؛ أطلق نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي تصريحا وُصِفَ بـ"المدوّي"، حينما أعلن أنّ نقابة المهندسين في أخطر مراحلها، ليكشف حينذاك أنّ صندوق التقاعد التابع للنقابة يعاني من أزمة خانقة تتطلّب تدخّلات سريعة لوقف النزيف المالي في الصندوق؛ نتيجة ازدياد أعداد المتقاعدين، الذي يقابله تراجع أعداد المشتركين، بسبب تخوفهم من عدم ضمان رواتبهم التقاعدية مستقبلا حال التزموا بتسديد اشتراكاتهم.
وبعد ثلاثة أشهر، أي في مطلع تشرين أول الحالي، خرج نائب النقيب فوزي مسعد ليؤكد أن النقابة ملتزمة بصرف الرواتب التقاعدية المتأخرة للمهندسين المتقاعدين.
وبين حينها أن حقوق المهندسين لن تذهب وسيستلمون مستحقاتهم المالية فور تحسن الوضع المالي للصندوق.
وكشف أن عدد المهندسين الملتزمين بالدفع لصندوق التقاعد بلغ 22 ألف مهندس، من أصل 140 ألف مشترك ومشتركة بالنقابة.
وحول الوضع المالي للصندوق، قال مسعد، إن صندوق التقاعد يصرف رواتب تزيد على 5 ملايين دينار شهريا مقابل دخل لا يتجاوز 2.1 مليون دينار.
ولفت إلى انخفاض هذا الدخل ليصل مليون دينار فقط، أي أن الصندوق يصرف أكثر من ضعفي إيراداته رواتب، وهو ما يرى أنه "غير متوازن ماليا."
المتقاعدون يعترضون
يرى المهندس أبو لبن أنّ أزمة صندوق التقاعد ليستْ وليدةَ اللحظة؛ وهي جاءت "حصيلة لسياسات التستّر والكتمان" وفق وصفه.
ويكشف أبو لبن أنّه في الوقت الذي يتعرض صندوق التقاعد إلى أزمة مصيرية؛ فإنّ موظفي النقابة يتلقون رواتبَ ومكافآت وصفها بـ"الباهظة"، ويتساءل: "إذا كانت النقابة تصرّح بأنها تعاني من أزمة مالية.. فلماذا تمنح الرواتب المرتفعة والمكافآت لموظّفيها؟!".
ويتفق المتقاعد علي عجّو، الذي عمل مهندسا كهربائيا في القطاع العام، مع ما ذهب إليه أبو لبن، ويتساءل: "أين الاستثمارات التي تتحدث عنها النقابة"؟.
ويستكمل حديثه بالقول: "نحن التزمنا بتسديد اشتراكاتنا، وفي حال تأخُّرنا أو لم نلتزم؛ تُفرض علينا غرامة (فائدة مركّبة)، وبعد كل هذه الخدمة لا تجد راتبا يوفر لك أسباب الحياة اللائقة، وأنا من شريحة الـ(400) دينار، حيث التزمت بتسديد اشتراكاتي منذ عام 2000".
ويحمّل عجّو مسؤولية الأزمة لمجلس النقابة الحالي؛ ويرى أن تفاقم أزمة الصندوق هو نتيجة ترحيلها من مجلس إلى آخر".
استقراء لصندوق التقاعد وشرائحه.. ما هو الحل الاكتواري؟
280 مليون دينار هي موجودات صندوق التقاعد التابع للنقابة، فيما يدفع الصندوق ما يصل إلى (55) مليون دينار رواتب سنوية لمتقاعديه.
أمّا عجز الصندوق فيبلغ 27 مليون دينار؛ الأمر الذي يتطلب التيقّظ لحل اكتواري يحول دون انهيار دراماتيكي للصندوق؛ ما أدّى إلى إقرار تعديلات على نظام الصندوق، أبرزها:
- رفع قيمة الاشتراكات لتتناسب مع الرواتب.
- رفع سن التقاعد تدريجيا بواقع (6) أشهر كل عام؛ ليصبح سن التقاعد 62 للمهندسين و58 للمهندسات.
- خصم (50) بالمئة من رواتب المتقاعدين الممارسين، و(10) بالمئة من غير الممارسين.
- إلزامية الاشتراك بصندوق التقاعد لكل عضو في النقابة.
وأُقرت التعديلات بموافقة (2274) عضوا، ورفض (1161) عضوا من مجموع (188) ألف مهندس ومهندسة، في مشهد متناهي الاستقطاب بين مؤيّد يرى الحلّ الاكتواري لا مناص منه، ومعارض يحمّل مجلس النقابة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.
وأكد نقيب المهندسين، في تصريحات سابقة إلى وسائل الإعلام، أن هذه التعديلات على نظام صندوق التقاعد للنقابة ستسهم في حل مشكلة السيولة النقدية من خلال إعادة إقرار إلزامية الاشتراك في نقابة المهندسين.
فيما يرى مهندسون، تواصل معهم "المرصد العمالي"، أن إلغاء إلزامية الاشتراك في صندوق التقاعد هو أحد أبرز أسباب نشوء مشكلة نقص السيولة لديه، إضافة إلى وجود تشوه في سلم الرواتب التقاعدية جعل رواتب أعداد من المهندسين المتقاعدين مرتفعة، ما ساهم في تآكل مدخرات الصندوق.
ويشيرون إلى أن التعديلات لن تُحدث تدفقا نقديا سريعا في الصندوق في الغالب، ما يعني بتقديرهم استمرار المشكلة في المستقبل القريب.
ما هي الشرائح التي يُقدمها الصندوق؟
يوفّر صندوق تقاعد نقابة المهندسين شرائحَ تقاعدية طبقاً لدخل وأجور منتسبيها، وهي خمس شرائح: الشريحة الأساسية (شريحة الـ150 دينار) وشريحة الـ(500) وشريحة الـ(600) وشريحة الـ(800) وشريحة الـ(1000).
فيما تمّ تجميد شرائح الـ(200) والـ(280) والـ(400) دينارا لحديثي الانتساب.
تأسست نقابة المهندسين الأردنيين عام 1948 كجمعية، وحصلت على الترخيص عام 1949، وصدر أول قانون للنقابة عام 1972.