المرصد العمالي الأردني - عائشة الغبن
"المواصلات بس خط باص عمومي واحد للقرية"
على الرغم من أن رفع مستوى خدمة النقل العام وتوفير وسائل نقل آمنة لكافة أنحاء المملكة هو من مسؤولية الحكومة المطلقة، كما ينص قانون النقل الأردني، ومن أهدافها المتجددة دائما إلا أنّ واقع النقل العام للعاملين في المدن الصناعية لا يُظهِر اهتماما أو استعدادا لتحمل الحكومة لهذه المسؤولية.
مريم، (اسم مستعار) تعمل في مدينة الحسن الصناعية في محافظة إربد منذ أكثر من عشر سنوات، تقول في حديثها إلى المرصد العمالي الأردني إن وصولها إلى العمل يشكل لها تحديا يوميا، فبالرغم من أنها متعاقدة مع أحد سائقي السيارات الخاصة ليقوم بإيصالها يوميا من البيت إلى المدينة الصناعية وبالعكس، إلا أنها تفضل وجود خدمة نقل عام لضمان سلامتها.
تشرح مريم قلقها المستمر بسبب استعانتها بالسيارات الخاصة كوسيلة للنقل، المعروفين باسم سيارات سرفيس خاصة، إذ أن أغلبهم من الذكور الذين يسكنون في المنطقة ويقومون بتوفير وسيلة نقل للموظفين "سرفسة" كوسيلة لتحقيق الدخل بدلا من استمرارهم بالبقاء ضمن معدلات البطالة لسنوات.
تؤكد مريم أن عدم توافر مواصلات نقل عمومية هو ما أتاح الفرصة لنشوء هذا العمل غير المنظم، الذي يفتقر إلى أدنى معايير الأمان.
وتوضح مريم أنها تتعرض هي والكثير من العاملات للتحرش في وسائل النقل غير المنظمة، حيث أن التأخر عن موعد الباص صباحا حتى ولو لدقائق قليلة يعتبر هاجسا مقلقا لهن وحدوثه في ظروف طارئة قد يعني حتمية التعرض للتحرش.
من جهته يؤكد رئيس النقابة العامة للعاملين في الغزل والنسيج والألبسة فتح الله العمراني في حديثه إلى المرصد العمالي الأردني أن معظم عقود العمل الجماعية في قطاع الغزل والنسيج تتضمن بنودا تلزم صاحب العمل بتوفير مواصلات مجانية وآمنة ومريحة لجميع العمال إذا كانت أماكن التجمع تبعد أكثر من كيلو متر واحد عن محيط المنطقة الصناعية.
كما يتوجب على صاحب العمل توفير مواصلات مجانية لجميع العمال الذين يقومون بأداء عمل إضافي بعد انتهاء ساعات الدوام بحسب العقد أيضا.
إلا أن معاناة العمال تتمثل بأن للمواصلات المجانية المؤمنة من قبل صاحب العمل تنطلق في وقت واحد ومحدد صباحا وتعود بموعدها المحدد أيضا، مما يجعل إمكانية أخذ مغادرة لساعات قليلة أمرا شبه مستحيل.
إيمان تعمل في مدينة عبدالله الثاني ابن الحسين الصناعية في سحاب، وفي حديثها إلى المرصد توضح بأنها تعمل في أحد المكاتب الإدارية للمدينة الصناعية التي لا توفر خدمة نقل كباقي المصانع، مع أنها طالبت بشمولها في خدمة المواصلات أكثر من مرة بدون جدوى.
تابعت إيمان حديثها بالتأكيد أنها تضطر لأخذ يوم من إجازاتها السنوية في كل مرة تحتاج للذهاب لمراجعة طبية التي تأخذ منها ساعتين كحد أقصى، إلا أنها تفضل أخذ يوم إجازة بدلا من استخدام ثلاث وسائل للمواصلات حتى تتمكن من الوصول للعمل.
أما عبد، الذي يعمل في مدينة الموقر الصناعية، فيؤكد في حديثه إلى المرصد أن هناك باصا عموميا واحدا ينطلق مرة واحدة صباحا من منزله في قرية القنيطرة ويتوجه إلى مدينة الموقر الصناعية.
يفكر عبد مرارا قبل أخذ مغادرة من عمله، حيث أن ذلك يعني أنه لا يوجد باص مجاني يوصله للعمل وبأنه سيضطر لأخذ سيارة أجرة من أحد التطبيقات الذكية من بيته لمكان عمله التي قد تصل تكلفتها إلى 5 دنانير، علما بأن يوميته 7 دنانير و30 قرشا فقط.
عبلة وشاح، مديرة الإعلام والاتصال في هيئة تنظيم النقل البري، تؤكد في حديثها إلى المرصد أن المواصلات للمدن الصناعية متوافرة من قبل المصانع لغالبية العمال وبالتالي تخصيص خط عام من المجمعات للمدن الصناعية يعتبر "غير مجدٍ اقتصاديا".
وتشير الوشاح إلى أن حالات احتياج العمال لمواصلات عامة هي حالات نادرة وبخاصة مع توفير المصانع لمواصلات مجانية.
وتلفت إلى أنه يوجد العديد من الخطوط التي تصل إلى نقاط قريبة جدا من المدن الصناعية تنطلق من المجمعات المختلفة.
رصد هذا التقرير مطالب العديد من العمال بتوفير وسائل نقل عامة آمنة للمدن الصناعية المختلفة، ويؤكدون أن من الضروري الاهتمام بقطاع الصناعة الذي يعتبر من المحركات الأساسية للاقتصاد الوطني.
ويستهجن العاملون والعاملات تجاهل هذه المطالب من قبل المسؤولين في ظل التوجه العام لتحديث الرؤى الاقتصادية في الأردن التي تحدث عنها الملك مرارا وبخاصة في خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة التاسع عشر، حين قال "إن التحديث الشامل بمساراته السياسية والاقتصادية والإدارية يشكل بكل جوانبه مشروعا وطنيا كبيرا".