المرصد العمالي الأردني – مراد كتكت
مع دخول موجة الحر المملكة، صباح اليوم الأربعاء، التي تستمر لعدة أيام، يواجه العديد من العمّال الذين تتطلب طبيعة عملهم البقاء في الميدان أشعة الشمس الحارقة، ما قد يُعرّضهم لمخاطر صحية مثل التعرض لضربات الشمس.
ووفق تقرير صادر عن طقس العرب، فإنه يُتوقع أن تصل درجات الحرارة إلى نهاية الثلاثينات في العديد من القرى والمُدن الأردنية بما فيها العاصمة عمان، كما وتكون حول الـ45 درجة مئوية في مناطق الأغوار والبحر الميت والعقبة، و قد تتجاوز ذلك في بعض مناطق الأغوار وبخاصة الوسطى.
وعلى الرغم من أن أمانة عمّان الكبرى والعديد من البلديات قلّصت ساعات عمل عمال الوطن طيلة فترة موجة الحر حفاظا على سلامتهم، إلا أن هناك فئات عمّالية أخرى في الميدان لا تتمتع بمثل هذه الاستثناءات وتضطرّهم لقمة العيش للعمل أثناء هذه الموجات الحارة.
ومن هؤلاء: عمّال الزراعة والإنشاءات والتحميل والتنزيل وغيرهم ممن على شاكلتهم.
ومعظم هؤلاء يندرجون تحت العمل غير المنظم، ويعملون بنظام المياومة، ما يعني أنهم غير مشمولين بالحمايات الاجتماعية كالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي.
حميد أبو العز، أحد العاملين الذين يعملون في التحميل والتنزيل في ميناء العقبة، يقول إنهم أكثر العمال في الميناء عرضة لأشعة الشمس خلال موجات الحر.
ويبين أبو العز لـ"المرصد العمالي" أنه ليس هناك مراعاة لظروف عملهم من قبل شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ خلال موجات الحر، فمثلا لا يتم تقليص ساعات عملهم ولا توفر وسائل وقاية من أشعة الشمس مثل المظلات.
ويرى أنه من المفترض خلال موجات الحر توفير مظلات أو "هناجر" لعمال التحميل والتنزيل في الميناء للعمل تحتها، خصوصا وأن درجات الحرارة في العقبة هي الأعلى من بين جميع المحافظات.
أما إبراهيم المصري، ويعمل بنظام المياومة بمهنة البناء والحدادة، فيقول إنهم يعانون دائما في فصل الصيف وموجات الحر من درجات الحرارة العالية، وبخاصة في ظل عدم توفير معدات تحميهم من التعرض لأشعة الشمس أثناء عملهم.
ويبين إبراهيم معاناته لـ"المرصد العمالي" بالقول: "منذ الصباح وأنا أعمل لدرجة أني غير قادر أن أجفف عرقي.. لكن ماذا نعمل؟.. لقمة العيش صعبة ومضطرون للعمل بكل الأحوال".
ويشير إلى أن الأدوات الواقية في فصل الصيف مثل: "القبعات والمظلات" لا يجري توفيرها في معظم الأحيان من قبل شركات المقاولات، ما قد يعرّضهم لضربات الشمس، فضلا عن عدم شمولهم بالحمايات الاجتماعية كالضمان والتأمين الصحي.
كما أن معظم المقاولين لا يعطون عمال الإنشاءات فترة راحة خلال ذروات موجات الحر، وأي عامل يعترض على ذلك يتم الاستغناء عنه مباشرة.
أما ريما، وهي تعمل في إحدى الحيازات الزراعية في منطقة الأغوار الشمالية، فتقول إن عملهم شاق جدا في فصل الصيف وبخاصة في موجات الحر، وأشارت إلى أنهم معرضون دائما لضربات الشمس.
وتوضح أن عملهم يبدأ في الصيف من السادسة صباحا وحتى بعد الظهر، وفي موجات الحر ينتهي الساعة العاشرة صباحا، لتجنب تعمق أشعة الشمس.
إلا أنهم أحيانا يضطرون للعمل لما بعد الظهر في موجات الحر، من أجل زيادة دخلهم، فهم يعملون بنظام المياومة، خصوصا وأنهم يتقاضون دينارا و25 قرشا فقط على الساعة الواحدة.
ولا يقتصر الخطر الذي قد يداهم العمال خلال ارتفاع درجات الحرارة على الجانب الصحي وضربات الشمس فقط، بل تمتد إلى تهديد حياتهم من قبل الزواحف التي تنتشر بكثرة خلال موجات الحر.
فارتفاع درجات الحرارة يُعد عاملاً رئيسياً وبيئة مناسبة لانتشار العديد من الزواحف السامة والحشرات الخطرة التي تهدد حياة الإنسان.
إذ تعرّض عامل زراعة في جامعة حكومية، صباح اليوم الأربعاء، للدغة أفعى أثناء عمله، وجرى نقله إلى المستشفى وأُدخل إلى قسم العناية الحثيثة لمراقبة حالته التي وُصفت وفق مصادر طبية بالمتوسطة.
الخبير في التأمينات الاجتماعية موسى الصبيحي يقول إن قانوني العمل والضمان الاجتماعي يلزمان المنشآت باتخاذ إجراءات السلامة العامة والسلامة والصحة المهنية وتدابيرها وتوفير أدواتها في كل الظروف، للوقاية من مخاطر العمل حفاظاً على سلامة العمّال وحياتهم.
ويرى الصبيحي أن من واجب أصحاب العمل في موجات الحر الشديدة اتخاذ كافة الإجراءات والاحتياطات الضرورية للحفاظ على حياة وصحة وسلامة العمال لديهم، مثل تقليص عدد ساعات العمل أو إعادة تنظيمها وجدولتها والتوقف عن العمل في أوقات ذروة الحرارة.
كما يجب توفير مياه الشرب، وتبريد أو ترطيب مواقع العمل وتوفير مظلات وأدوات وقاية وقبّعات مناسبة للوقاية والتخفيف من تداعيات وأخطار التعرض لأشعة الشمس المباشرة قدر الإمكان، ومراقبة العمال أثناء العمل مراقبة حثيثة وإيقاف أي عامل عن العمل فور ملاحظة بوادر الإنهاك الحراري عليه.
ويعتقد الصبيحي أن ضربة الشمس التي تصيب العمال في المناطق المكشوفة تدخل ضمن مفهوم إصابة العمل في قانون الضمان الاجتماعي.
ويوضح أن تكييف الإصابة بضربة الشمس أو مضاعفاتها التي قد تؤدي إلى تلف في الدماغ أو القلب أو الكلى، وتؤدي إلى عجز أو وفاة الإنسان، فإن الإصابة هنا تعتبر ناتجة عن عامل خارجي وهو الشمس.
وفي حالة عمال الميدان، وفق الصبيحي، فإن طبيعة عملهم تُحتّم التعرض لأشعة الشمس، أي أن هناك علاقة سببية بين طبيعة العمل والمهنة التي يزاولها هؤلاء العمال والتعرض للشمس، وغالباً ما يحدث ذلك خلال ساعات العمل وفي المكان المخصص له.
لذلك يعتقد أن الإصابة بضربة الشمس وبأي من مضاعفاتها تعتبر إصابة عمل وفقاً لأحكام قانون الضمان الاجتماعي وقانون العمل.
ويشير إلى أنه في حال أدّت الإصابة بضربة الشمس إلى عجز أو وفاة العامل المؤمّن عليه بالضمان، وكان هذا العجز أو الوفاة ناشئاً عن إصابة عمل، فيستحق راتب اعتلال العجز الإصابي (الكلي أو الجزئي) أو راتب تقاعد الوفاة الناشئة عن إصابة العمل، أو الحق بالتعويض في حال كانت نسبة العجز أقل من 30 بالمئة.
وتُعد السلامة والصحة المهنية أحد معايير العمل اللائق، وجزءا أساسيا من الحقوق والمبادئ الأساسية في العمل، وأحد معايير العمل المرضية والعادلة التي نصت عليها التشريعات العالمية لحقوق الإنسان، وفق ورقة موقف أصدرها المرصد العمالي الأردني عام 2023 بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية الذي يُصادف يوم 29 نيسان من كل عام.
وبينت الورقة أن العديد من أصحاب الأعمال لا يأخذون على عاتقهم إلا القليل من المسؤولية حيال حماية سلامة وصحة العاملين لديهم، ولا يعرفون بالضبط مسؤوليتهم القانونية والأخلاقية لحماية العمال.
وطالبت الورقة بتكثيف التنسيق بين الجهات المعنية، إلى جانب زيادة فعالية التفتيش والرقابة وتكثيفها على منشآت الأعمال، والتعامل مع متطلبات السلامة والصحة المهنية بمنظور شمولي كنظام متكامل، وأن تطبق جميع المؤسسات معاييرها.