المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني
بدأت القضية بتسريب خبر تخفيض رواتب أعضاء الهيئة التدريسية لجامعة فيلادلفيا في نهاية شهر أيار من العام الحالي، وبعد محاولات الأساتذة للتأكد من صحة الخبر لم يتوصلوا إلى قرار رسمي حول ذلك.
وتفاجأ جميع الأساتذة من قيام رئيس الجامعة بتبليغ القرار لمجلس العمداء في نهاية شهر أيار، والذي ينص على تخفيض الرواتب بنسبة 17.5 بالمئة لجميع أعضاء الهيئة التدريسية، مما جعل جميع الأساتذة في حيرة، وبخاصة أن القرار جاء في نهاية العام الدراسي، وفق ما يؤكده أساتذة بالجامعة لـ"المرصد العمّالي الأردني".
وبعد تداول الخبر، الذي جرى نقله شفهياً عن رئيس الجامعة، شكّل أعضاء هيئة التدريس لجنة للدفاع عن حقوقهم وقام عمداء الكليات بتنسيب ممثل عن كل كلية، وبعدها اجتمعت اللجنة في مطلع شهر حزيران، وناقشت قرار تخفيض الرواتب وتداعياته على الجانب الوظيفي والأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس، ومن ثم قامت بتحديد موعد لاجتماع جميع أعضاء هيئة التدريس ومناقشة تداعيات القرار.
وبعد أن علمت إدارة الجامعة بتشكيل اللجنة ودعوتها أعضاء هيئة التدريس للاجتماع، قامت بتعميم القرار على جميع الكليات، وأرفقت معه نموذج الرغبة في تجديد العقد، وأمهلت الجميع مدة ثلاثة أيام فقط للتوقيع ورغبتهم بالتجديد، وقبولهم شريطة تخفيض الراتب بنسبة 17.5 بالمئة أو عدم رغبتهم وخسارة وظيفتهم التي قضى البعض فيها قرابة ثلاثين عام في خدمة الجامعة وطلبتها.
وجاء تأخير نشر القرار لآخر السنة الدراسية وربطه في تجديد العقود، ومحاولة لإذعان أعضاء هيئة التدريس، وإجبارهم على التوقيع دون إعطائهم الفرصة في مناقشة القرار أو الدفاع عن حقوقهم، أو البحث حتى عن مكان عمل آخر في حال عدم رغبتهم بالاستمرار، فكان ذلك إجباراً للتوقيع على الرغبة بالتجديد وكذلك إجباراً في الاستمرار بالعمل؛ لأن السنة الدراسية انتهت ومن الصعب إيجاد فرصة أخرى.
رفض قرار التخفيض يعني لا توقيع للعقود
يقول رئيس لجنة الدفاع عن حقوق الأساتذة بالجامعة، الدكتور يوسف ربابعة، لـ"المرصد العمّالي الأردني"، إن توقيع العقود يبدأ هذا الأسبوع ومن يرفض قرار تخفيض الرواتب مع توقيع العقود يستغنون عنه.
ويوضح أنه بعد سنوات طويلة من العمل يذهب حق الضمان والعلاوات والترقيات مع القرار المجحف، "كأنني تعينت اليوم دون خبرة أو أبحاث، وبعض الأساتذة لديهم أقساط بنكية والتزامات والقرار مفاجىء وغير إنساني".
ويطالب الربابعة بالتراجع عن القرار وإعادة النظر في الرواتب، وأن يتمسكوا بأعضاء هيئة التدريس وأن يشركوهم في القرارات المصيرية كما كانت عليه الجامعة منذ تأسيسها.
كما ويطالب بالحفاظ على حقوق أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الخاصة جميعها، وأن تكون هذه القرارات بمثابة نداء للجميع بأن يعيدوا النظر في تبعية الأساتذة إلى قانون العمل بدلاً من قانون أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات.
ويشدد الربابعة على ضرورة توضيح العلاقة التي تربط المستثمرين بالجامعات باتخاذ القرارات دون المراقبة عليهم ومتابعتها، وأن يكون هناك جسم نقابي يحمي أساتذة الجامعات ويحافظ على حقوقهم.
كسرة ظهر نهاية العمل.. ويفكر بالتقاعد المبكر
يعمل الدكتور أمجد الزعبي منذ ما يُقارب 25 عاماً مدرس في الجامعة، يقول لـ"المرصد العمّالي الأردني"، إن القرار كسرة ظهر في آخر سنوات العمل.
ويبلغ من العمر 52 عاماً، وتبّقى له ثماني أعوام ليصل إلى سن التقاعد، والقرار يجعله يفكر بتقديم الاستقالة والحصول على التقاعد المبكر.
ويوضح أنه بعد القرار سيقتطع من راتبه ما يُقارب 400 ديناراً، "عند احتساب الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وأجرة التنقل من وإلى الجامعة، سيتبقى لي من الراتب ما يقارب 1100 ديناراً شهرياً".
ويشير إلى أن لديه أقساط بنكية قيمتها 900 ديناراً تقتطع شهرياً من الراتب، ويدرّس ابنته تخصص الطب، وبعد هذا القرار سيرغم على تأجيل دراستها سنة دراسية كاملة، في حال لم يذهب إلى التقاعد المبكر.
ويبين بأن هذا القرار يجعل الثمرة العلمية والعملية التي استمرت عملية بنائها سنوات ذهبت سدى، "القرار سينعكس سلباً على الانتماء للجامعة التي نعمل بها، بالتالي ينعكس ذلك على الطلبة والعملية التعليمية كاملة في الجامعة".
ويذهب الزعبي إلى أنه منذ ترقيته عام 2019 لم يحصل على أي زيادة على الراتب أو حتى علاوات، "عدم الزيادة السنوية في الراتب والقرار المجحف الذي اتخذته إدارة الجامعة يؤثر على راتب التقاعد".
رئيس الجامعة ينفي القرار
من جانبه يقول رئيس جامعة فيلادلفيا الدكتور عبد الله الجرّاح، لـ"المرصد العمّالي الأردني"، إن عدد الأساتذة في الجامعة يُقارب 225 أستاذاً من مختلف التخصصات والرُتب العلمية.
ويوضّح أنه لا يوجد تخفيض على الرواتب وهناك لُبس، "هناك عاملين عقودهم سارية، وعاملين انتهت عقودهم ونرغب في إعطائهم عقود بطريقة مختلفة تماماً، وسنقتطع جزءاً بسيطاً من العلاوة الأساسية".
ويشير إلى أنه جرى إبلاغ الأساتذة منذ أربعة أشهر بانتهاء العقود، وهو ما تتضمنه العقود وأنها تنتهي بانتهاء مدته، "أرسلنا للأساتذة لمن يرغب في تجديد العقود، ولم يخبرني أحد من الأساتذة أنه قرر أنه سيتقاعد مبكراً".
كيف يؤثر القرار على جميع التأمينات
من جانبه يقول الخبير في التأمينات الاجتماعية والناطق الأسبق لمؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي، لـ"المرصد العمّالي الأردني"، إن سياسة تخفيض الرواتب سياسة تؤثر سلباً على المؤمن عليه وبخاصة في آخر سنوات العمل، إلى جانب التأثير على الحقوق التأمينية، بما فيها إصابات العمل والعجز والوفاة.
ويوضح أن العاملين يحاولون في السنوات الأخيرة -آخر ثلاث سنوات للتقاعد وخمس سنوات للتقاعد المبكر- من العمل على رفع رواتبهم قدر الإمكان؛ ليحصلوا على راتب تقاعد جيّد.
ويشير إلى أنها سياسة تخفيض الراتب لا يجب أن ينظر إليها من جانب أحادي، فهي تؤثر على جوانب عديدة، "تؤثر على الإنفاق من خلال تخفيض الرواتب، الأمر الذي يؤثر على الاقتصاد الأردني، لا سيما أنها تؤثر على الضمان الاجتماعي من خلال تفكير المؤمن عليه في التقاعد المبكر".
ويدعو الصبيحي أصحاب العمل التوقف عن مثل هذه القرارات والسياسات، ودراسة أثرها السلبي على رواتب المؤمن عليهم وعلى الضمان الاجتماعي وعلى الاقتصاد الأردني ككل، "في حال كان هناك أزمة مالية يمكن اللجوء إلى الزيادات السنوية دون المساس في الرواتب".
إنهاء خدمات 30 أستاذ بالتزامن مع القرار
تزامن الإعلان عن قرار تخفيض الرواتب مع إنهاء عقود ما يُقارب 30 عضو هيئة تدريس من وظيفته في الجامعة؛ ما سبب استياء جميع أعضاء هيئة التدريس، وبخاصة أنه جاء دون الرجوع إلى أي تقييم من الأقسام المعنية أو تقييم عمداء الكليات ولم يتم تحديد أسباب إنهاء عقود أعضاء هيئة التدريس، وجرى اتخاذ القرار بشكل فردي من قبل إدارة الجامعة.
وعلى ضوء ذلك، يوضح الجرّاح أن الموظفين كانوا يعملون ببرامج تدريبية داخل الجامعة وأغلقت منذ ثلاثة أعوام، وبقوا لحين الانتهاء من تدريب آخر طالب، "ما حاجتي لهؤلاء الموظفين بعد انتهاء التدريب".
بينما يؤكد الربابعة، أن الأساتذة الذين أنهوا خدماتهم، هم أساتذة في أقسام وليسوا أساتذة ببرامج تدريبية، ولديهم عقود من سنوات طويلة تجاوز عشر أعوام مع الجامعة.
ويوضح أنه العقود السنوية هي تهديد دائم للأساتذة، ولا يوجد أمان وظيفي، "انشغال الأساتذة بتجديد العقود يبقيهم حائرين مدة أشهر بانتظار قرار الجامعة، بينما لا يمكن اعتبارهم موظفين بتعيين جديد كل عام".
ويشير إلى أنه في نهاية العام الدراسي، عندما تقرر الجامعة أن تستغني عن خدمات بعض الأستاذة فإنها تستغني عنهم لأسباب بسيطة، وبما يتوافق مع آراء أصحاب رأس المال أو مجالس الإدارات.
ويبيّن بأن تعيين المستثمرين بمجالس الأمناء ويسيطرون عليه، هو غير متوافق مع قانون الحاكمية ومجالسها، "من المفترض أن يكون مجلس الأمناء من الأكاديميين ولا بأس بأصحاب رؤوس أموال وشخصيات اجتماعية، شريطة أن يكونوا خارج المساهمين في الجامعة؛ وذلك يعد من باب تعارض المصالح".
في سياق متصل، يؤكد تقرير صادر عن "المرصد العمّالي الأردني" في تشرين الثاني عام 2022، أن أساتذة الجامعات الخاصة يتعرضون للعديد من الانتهاكات العمّالية، وأنهم لا يحصلون على حقوقهم العمّالية والوظيفية كاملة.
التقرير الذي جاء بعنوان "انتهاكات بالجملة تطاول أساتذة الجامعات الخاصة"، يشير إلى أنه لا يوجد أي جهة أو تنظيم نقابي للدفاع عن حقوقهم، وأن هناك حاجة ماسّة للرقابة على الجامعات الخاصة، وتقدير أصحاب العلم والخبرات من خلال تحسين ظروف عملهم وإعطائهم الحقوق العمّالية والوظيفية كاملة.