الرئيسية > الجِزارة.. مهنة خطرة وغير منظمة وبلا حمايات اجتماعية

الجِزارة.. مهنة خطرة وغير منظمة وبلا حمايات اجتماعية

الاحد, 21 أيار 2023
النشرة الالكترونية
Phenix Center
الجِزارة.. مهنة خطرة وغير منظمة وبلا حمايات اجتماعية
المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني 
تُعد مهنة الجِزارة أو "بيع اللحوم" من المهن الخطرة وفق نشرة المهن الخطرة الصادرة عن مؤسسة الضمان الاجتماعي. إذ يتعامل اللحام مع الأدوات الحادّة مثل السّاطور، والسكاكين بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى المقصّات وآلات إعداد وفرم اللحوم.

ورغم الحذر الدائم الذي يبقيه اللحام أثناء عمله فقد يتعرض لإصابات تصل إلى فقدان أصابع اليد، إلى جانب طبيعة العمل التي تتطلب جهداً عضلياً كبيراً، ما قد يعرضه للإصابة ببعض الأمراض مثل الديسك أو التشنجات العضلية.

غير أن كثيراً منهم لا يحصلون على بدل إصابات العمل، ويتعالجون على حسابهم الخاص لعدم امتلاكهم الحمايات الاجتماعية مثل التأمين الصحي والضمان الاجتماعي للمهن الخطرة، وإذا كانت الإصابة بالغة يفقدون عملهم، كما أن بعضهم الآخر يكون صاحب العمل ولا يعي أهمية الحمايات الاجتماعية عند التعرض لإصابات عمل.

ولعل ذلك يرجع في المقام الأول إلى أن مهنة الجِزارة من القطاعات غير المنظمة، وأغلب العاملين فيها هم من العمالة الأسرية التي يكون فيها العامل هو ذاته صاحب العمل، وكثيراً ما يعمل معه عدد من أفراد الأسرة.

ومهنة الجِزارة ليست مقتصرة على العمالة الأسرية الأردنية، وإنما تعمل بها أيضا العمالة المهاجرة، وغالبا ما تعمل في المحلات الكبيرة مثل المولات ومحلات الهايبر ماركت، ولا تختلف المخاطر وبيئة العمل للعمالة الأسرية عنها في العمالة المهاجرة، لذلك هناك حاجة لتنظيم العمل في المهنة، وإيجاد نقابة متخصصة.

قُطع أصبعه.. ولا يرغب بتوريث المهنة لأبنائه
يعمل جعفر القضاة في ملحمة منذ ما يُقارب 24 عاماً، ورث المهنة عن والده، وهو لا يريد توريثها لأبنائه، ويقول لـ"المرصد العمالي الأردني": "رغم أنني صاحب المحل، غير أنني لا أريد لأبنائي العمل بالمهنة لصعوبتها وخطورتها".

يوضح القضاة أنه يحصّل خلال الشهر 700 ديناراً، "يذهب منه 150 ديناراً أجرة محل و60 ديناراً خدمات الكهرباء والماء وهي خدمات مكلفة للمحل، والدخل المتبقي مقارنة مع صعوبة وخطورة العمل لا يأتي همه".

يبدأ القضاة عمله عند الثامنة صباحاً وحتى السادسة مساءاً وهو لا يعمل يوم الجمعة، ويستخدم السكاكين الحادة والقطّاعة وماكينات فرم اللحوم، وهي كلها أدوات حادة تسببت له بإصابات أثناء استخدامها.

فقد أصيب القضاة منذ سنوات أثناء وضعه اللحمة في الآلة، وقُطع أصبعه الأوسط، ولم يحصل على أي نوع من التعويض عن الإصابة، "لم أفكر بالاشتراك في الضمان الاجتماعي، وعندما أدركت أن أبنائي كبروا فكرت بالاشتراك إلا أنني تراجعت".

كانت كلفة العلاج حين تعرض للإصابة ما يُقارب 400 دينار دفعها من حسابه الخاص، وتعطل عمله مدة أسبوع، "الضرر المعنوي كان كبيراً حينها، ضغطت على نفسي واضطررت إلى العمل بعد أسبوع من الإصابة بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي أعانيها وأسرتي المكونة من خمسة أفراد".

ويتساءل القضاة عن سبب عدم وجود أي جهة مسؤولة عن عملهم، "منذ سنوات كانت هناك نقابة خاصة بالجزارين إلا أنه في الحاضر لا نقابة تطالب بحقوق العاملين ولا حتى أي جهة ترشدنا، وهناك حاجة لإيجاد نقابة متخصصة تنظم العمل في المهنة وتقوننها".

الإصابات لا تُغطى وتفقدهم عملهم
يعمل محمد فاعوري منذ ما يُقارب 17 عاماً في إحدى ملاحم محافظة جرش، وبدأ عمله في أحد المطاعم السياحية في المحافظة ذاتها، واكتسب المهنة إلى أن أصبحت مصدر دخل له وأسرته.

يقول في حديثه إلى "المرصد العمّالي الأردني"، إن عمله صعب وخطر، وذلك لاستخدام أدوات ومعدات حادة، "إذا لم تكن منتبها وطويل البال تتعرض لجروح في اليدين أو تفقد أصابع يديك".

ويعمل الفاعوري بشكل يومي بدون أن يحصل على أي يوم إجازة، وبواقع 10 ساعات يومياً، "الظروف المعيشية على القد وراتب 450 ديناراً شهرياً لا يكفيني وأسرتي، فبعض الأشهر أشتري بالدّين، كما أنني أدفع أجرة مسكن 150 ديناراً، وهذا يزيد من الأعباء المالية علي".

يوضح فاعوري أنه مشترك بالضمان الاجتماعي منذ ثمانية أعوام يحصل عليه من عمله، إلا أنه ليس لديه تأمين صحي، "تعرضت كثيراً لجروح أثناء عملي وتعالجت على حسابي الخاص، وأحياناً لم أكن أستطيع الذهاب للعمل إلا حين تشفى الجروح".

ويشير إلى أن الكثير من العاملين في المهنة عندما يتعرضون لإصابات بالغة تصل إلى قطع أصابع اليد، لا يعترف أصحاب العمل بها، ويضطرون لتلقي العلاج على نفقتهم الخاصة، ناهيك عن أن بعض أصحاب العمل يسرحونهم من العمل ويصبحون في حال يرثى لها.

مهنة غير منظمة وعمالة أسرية
في حديثه إلى "المرصد العمّالي الأردني"، يقول عضو الهيئة التنفيذية لاتحاد النقابات العمّالية المستقلة أحمد مرعي، إن مهنة الجزارة تصنف ضمن القطاعات غير المنظمة وأغلب العاملين فيها هم من العمالة الأسرية، التي يكون فيها العامل هو ذاته صاحب العمل.

ويبيّن مرعي أن أكبر الانتهاكات التي يتعرض لها العاملون في مهنة الجزارة، هو عدم وجود مظلات تأمينية، "جلّ اهتمامنا في اتحاد النقابات المستقلة يتركز على القطاعات غير المنظمة الكبيرة".

ويوضح أن العمّال معرضون لإصابات كثيرة، منها الجروح العميقة والديسكات ووجع المفاصل، نظراً لثقل أوزان الذبائح والوقوف لفترات طويلة، "لا يحصل العمّال على تعويض إصابات العمل إلا إذا تعاطف صاحب العمل، ونادراً جداً ما يغطيها الضمان الاجتماعي".

ويؤكد مرعي أن هناك حاجة لوجود نقابة أو أي شكل تنظيمي، للاهتمام بخصوصية واحتياجات العاملين في المهنة.

قلة لديهم ضمان المهن الخطرة
يقول خبير التأمينات الاجتماعية والناطق الأسبق لمؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي، لـ"المرصد العمّالي الأردني"، إنه من الصعب تحديد رقم أو نسبة لعدد المسجّلين في الضمان الاجتماعي من العاملين بمهنة جزّار؛ لعدم امتثال الكثيرين لأحكام قانون الضمان، خصوصاً وأن معظم من يزاولون المهنة هم أصحاب العمل أنفسهم.

ويشير الصبيحي إلى أن المخاطر التي أُخِذت بالاعتبار ضمن معايير اعتماد مهنة الجزارة أو القصابة "مهنة خطرة"، هي بيئة العمل الضارّة بصحة العامل وحياته نتيجة تعرضه لمخاطر بيولوجية، والعمل في بيئة عالية الرطوبة والبرودة، إضافة إلى ما يتطلبه العمل في هذه المهنة من جهد عضلي وحمل أوزان ثقيلة والقيام بعمل رتيب متكرر.

ويوضح الصبيحي أن مؤسسة الضمان تتعامل مع العاملين في هذه المهنة شأنهم شأن كل من يعمل في مهنة خطرة، حيث يتيح لهم القانون فرصة التقاعد المبكر عند إكمال سن الخامسة والأربعين مع عدد اشتراكات لا تقل عن 216 اشتراكاً بالنسبة للذكور و180 اشتراكاً للإناث.

ويلفت إلى أن الهدف هو الحفاظ على صحتهم وسلامتهم، حيث تضعف قدرة الإنسان العامل في مهنة خطرة على مزاولة مهنته، وقد يعرّض حياته إلى مخاطر كلما تقدم به العمر؛ فالهدف من إخراجه من سوق العمل في وقت مبكر هو الحفاظ على سلامته وحياته. 

ويدعو الصبيحي كل العاملين في هذه المهنة إلى ضرورة المبادرة بتسجيل أنفسهم بالضمان، إذا كانوا هم أنفسهم أصحاب العمل، وإذا كانوا يعملون لدى محلات وشركات ومسالخ ومولات وغيرها، فعليهم التأكد من أن تسجيلهم بالضمان جرى وفقا للمهن الخطرة التي يزاولونها، من أجل الحفاظ على حقوقهم مستقبلاً، فيما إذا أرادوا الاستفادة من فرصة التقاعد المبكر في حال أحسّوا أن ذلك أفضل لسلامتهم وصحتهم.

ويعرّف قانون الضمان الاجتماعي، "المهن الخطرة"، بأنها "المهن التي تؤدي إلى الإضرار بصحة أو حياة المؤمن عليه نتيجة تعرّضه لعوامل أو ظروف خطرة في بيئة العمل على الرغم من تطبيق شروط ومعايير السلامة والصحة المهنيّة".