طالب المرصد العمالي الأردني بضرورة مراجعة مختلف السياسات الاقتصادية المُتبعة في الأردن، من أجل تحسين شروط العمل، وتعزيز مشاركة العمال الاقتصادية بشكل فعّال.
وبين المرصد أن الحكومة ما تزال تُطبق السياسات الاقتصادية ذاتها، التي ثبت عدم جدواها، أكان من حيث سياسات التشغيل أو مستويات الأجور أو الحمايات الاجتماعية أو حتى التشريعات العمالية، ما أثر ويؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني.
جاء ذلك في تقرير أصدره المرصد التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، بمناسبة يوم العمال العالمي الذي يُصادف الأول من أيار من كل عام.
وبين المرصد أن العديد من العاملين والعاملات يواجهون تحديات عديدة في سوق العمل تمنعهم من المشاركة الاقتصادية الفعالة، حيث التباطؤ الاقتصادي ومعدلات البطالة المرتفعة جدا التي ازدادت إلى نحو عشر درجات خلال العقد الماضي، إذ بلغت في عام 2013 ما يقارب الـ12.6 بالمئة ووصلت في الربع الرابع من العام الماضي 22.9 بالمئة
وأوضح المرصد أن برامج التشغيل في الأردن لم تتغير منذ سنوات خصوصا وأنها لم تُفلح في الوصول إلى هدفها في تخفيض معدلات البطالة، فهي ما تزال مرتفعة جدا مقارنة مع معدلات البطالة التاريخية في المملكة، ومعدلاتها في غالبية دول العالم، إذ وصلت خلال الربع الأخير من العام الماضي (22.9) بالمئة.
وعلل المرصد ذلك بأن هناك العديد من الحلقات المفقودة في هذه البرامج، فهي لم تستهدف السبب الأساسي في ارتفاع معدلات البطالة، الذي يتمثل في تراجع قدرة الاقتصاد الوطني على توليد فرص عمل كافية لطالبيها، وهذا يعود إلى اختلالات في السياسات الاقتصادية التي أرهقت الاقتصاد والمجتمع بالضرائب غير المباشرة.
كما لم تراجع سياسات التعليم، التي أسهمت بشكل ملموس في زيادة معدلات البطالة، حيث التوسع في التعليم الجامعي الأكاديمي على حساب التعليم المتوسط والتقني والمهني، بينما حاجات سوق العمل كانت تتجه نحو الوظائف الفنية والمهنية.
وأشار المرصد إلى أن مستويات الأجور في الأردن ما تزال على حالها أكان بالنسبة للحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص (البالغ 260 دينارا) أو حتى الأجور في القطاع العام، وبخاصة علاوة غلاء المعيشة الشهرية البالغة 135 دينارا، إذ لم تزد منذ نحو 10 سنوات.
ولاحظ أن هناك إصرارا واضحا من الحكومة على عدم رفع مستويات الأجور على الرغم من الارتفاعات التي تطرأ على أسعار السلع والخدمات الأساسية بين فترة وأخرى في الأردن، إضافة إلى مخالفتها لقرار اللجنة الثلاثية لشؤون العمل الصادر في عام 2020 برفع الحد الأدنى للأجور تلقائيا وفق معدلات التضخم المعلنة من قبل دائرة الإحصاءات العامة اعتبارا من بداية العام الحالي.
وبالنسبة للحمايات الاجتماعية، أكد المرصد أنها تتراجع أكثر فأكثر كل عام، وبخاصة بعد إجراء التعديلات التراجعية على قانون الضمان الاجتماعي التي صدرت في الجريدة الرسمية أخيرا.
وبين أن التعديلات الجديدة سمحت للقطاع الخاص بتخفيض نسبة الاشتراكات الشهرية لتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة بنسبة أقصاها 50 بالمئة عن المؤمن عليهم الأردنيين الذين لم يكملوا سن الـ30 ولم يسبق لهم الاشتراك بالضمان الاجتماعي وفق نظام يصدر لهذه الغاية، على أن يتم شمولهم بتلك التأمينات بشكل كامل اعتبارا من تاريخ إكمال سن الثلاثين.
وأكد المرصد أن استثناء الشباب من أهم تأمين يوفره الضمان الاجتماعي يتعارض مع جوهر عمل المؤسسة التي تهدف الى توسعة الشمول وبكافة التأمينات، ويحمل تمييزا ضد الشباب.
ورأى المرصد أنه كان الأجدى من ذلك تطوير أدوات تأمينية ملائمة ومنخفضة التكلفة لجميع العاملين والعاملات الذين ليس لديهم أصحاب عمل ويعملون لحسابهم الخاص، بحيث يتم توسيع نطاق الشمول، خصوصا وأن 59 بالمئة من مجمل القوى العاملة في الأردن يعملون بشكل غير منظم.
ولم تقصر التعديلات التراجعية على قانون الضمان الاجتماعي فقط، وإنما جاوزتها إلى قانون العمل أيضا، إذ سمح أحد التعديلات التي صدرت في الجريدة الرسمية أخيرا لوزارة العمل بالتعاقد مع أي جهة داخل أو خارج المملكة لتشغيل الأردنيين بدلا من الترخيص بإنشاء مكاتب خاصة لهذه الغاية، أو ترخيص شركات متخصصة في نشاط معين تستخدم العمال الأردنيين العاملين لديها وتقوم بالتعاقد مع أصحاب العمل لتزويدهم بهؤلاء العمال، وشركات غاياتها الواسطة لتشغيل الأردنيين داخل المملكة وخارجها.
وأكد المرصد أن هذا التعديل سيخلق تراجعا في شروط العمل، إذ أن هناك شركات كبرى عديدة أصبحت تعتمد في الآونة الأخيرة على شركات تُسمى بـ"تطوير الأعمال" أو "المساندة"، بهدف تخفيض النفقات وحرمان العاملين لديهم من الحمايات الاجتماعية والحوافز والميزات الإضافية والأجور التي تؤمن لهم حياة كريمة، إضافة إلى أن ذلك سيفتح الباب على مصراعيه للانتهاكات والممارسات غير القانونية في العديد من القطاعات.
وأوصى المرصد بمراجعة سياسات التشغيل للوصول إلى هدفها، والتركيز على تأسيس المشاريع الإنتاجية التي تولد فرص عمل حقيقية في صفوف العاطلين عن العمل وبخاصة الشباب.
كما أوصى بضرورة إعادة النظر بسياسات الأجور باتجاه رفعها بما يتناسب مع المستوى المعيشي في الأردن، وتطوير نظم إنفاذ التشريعات العمالية، لوضع حد للتجاوزات التي تجري عليها، وتمكين العاملين والعاملات من التمتع بظروف عمل لائقة.