سارة القضاة –
خلال التعديل الوزاري الأخير على حكومة بشر الخصاونة، أدمجت حقيبتان وزاريتان، ليصبح وزير الصناعة والتجارة والتموين وزيرا العمل أيضا في آنٍ، تنفيذا لتوصية لجنة تحديث القطاع العام بإلغاء وزارة العمل ونقل مهامها وأدوارها إلى وزارات أخرى.
هذا التوجه، وإن كان سينعكس على سوق العمل الأردني، فلن يكون إلا في طريق إضعاف شروط العمل وما يترتب عليه من نتائج غير محمودة على أطراف الإنتاج، العمال وأصحاب العمل، وكذلك إضعاف الحمايات الاجتماعية، مسببا فوضى عارمة، إذا ما استمر على نفس المنوال، خصوصا وأن الحديث يتعلق بواحدة من "الوزارات السيادية".
وبطبيعة الحال، وإن كنا نتحدث عن الجهة الأولى المنوطة بشؤون العمل والعمال وتنظيم سوق العمل، وتسجيل النقابات، وتوجيه القرارات والأنظمة والتوقيع والمصادقة على الاتفاقيات العالمية المتعلقة بها، فإننا حتما نشير إلى وزارة العمل، وقرار توزيع مهامها سيعدد الجهات المرجعية لأي تفاصيل متعلقة بهذا الشأن.
وبالحديث عن الاتفاقيات المتعلقة بالعمل، لا بد من الحديث عن اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190 التي تنادي بالقضاء على العنف والتحرش في بيئة العمل، وتحمل أهمية لمختلف أطراف الإنتاج وبخاصة النساء، اللاتي هنّ أكثر عرضة للتحرش، بمختلف أشكاله، من الرجال في عالم العمل.
ولا تقف الانتهاكات في بيئة العمل على التحرش الجسدي، بل تمتد إلى جميع السلوكيات والممارسات غير المقبولة أو التهديدات المرتبطة بها جسديا واقتصاديا ونفسيا، وتشمل العنف والتحرش على أساس النوع الاجتماعي، التي تتعهد الاتفاقية 190 والتوصية رقم 206 المعززة لها بالحد منها والقضاء عليها.
ورغم أن قانون العمل وقانون العقوبات الأردنيين يجرّمان في بعض موادهما أشكال التحرش ويعاقبان عليها، إلا أنهما ما يزالان يخلوان من تعريفات واضحة وصريحة للعنف والتحرش في بيئة العمل وأشكالهما، والتصدي لهما، والعقوبات المفروضة على من يقدِم على هذه السلوكيات.
وبالنظر إلى مسببات زيادة البطالة بين صفوف النساء وقلة مشاركتهن الاقتصادية في سوق العمل الأردني، التي لم تصل في في أحسن الأحوال إلى 15%، وفق آخر الإحصائيات، نجد أن تخوفها من التعرض للعنف والتحرش في بيئة ومكان العمل وتنميط العلاقة هي واحدة من أبرز الأسباب.
وتأتي أهمية المصادقة على اتفاقية 190 والتوصية 206 المعززة لها نظرا للثغرات التي تعتري قانوني العمل الأردني والعقوبات والمصطلحات الفضفاضة التي يستخدمانها لوصف الحدث وعلاجه، لتعمل على سد هذه الثغرات ومراجعة المنظومة التشريعية بما يضمن تغليظ العقوبات في حالات العنف الواقعة في بيئة العمل، وبخاصة على النساء.
هذه الاتفاقية تمتاز كذلك بأنها تعالج في نهجها الشمولي المشاكل الحمائية الموجودة في القطاعين العام والخاص، ومشاكل العمالة المنظمة وغير المنظمة، حيث توفر إرشادات للحكومات حول التعاطي مع حالات العنف وحماية العمال للإفصاح عن حالات العنف والتحرش التي يتعرضون لها بغض النظر عن وضعهم التعاقدي.
فتأجيل المصادقة على مثل هذه الاتفاقية، التي دخلت حيز التنفيذ لما يزيد على عام، وما تتعهد به من حمايات وتأمين عالم عمل ملائم للجميع، خصوصا وأن قانون العمل الأردني لا يوفر حمايات شمولية كافية تراعي مفاهيم النوع الاجتماعي، والتوجه الأخير لتوزيع مهام "العمل" على الوزارات والجهات الأخرى، في ظل الإلغاء، يجعلنا نقف، في حال العزم الحقيقي للمصادقة على الاتفاقية، على "من يُصادق عليها"؟