الرئيسية > كيف تتعرض عاملات الزراعة لعنف اقتصادي؟

كيف تتعرض عاملات الزراعة لعنف اقتصادي؟

الاثنين, 05 كانون الأول 2022
النشرة الالكترونية
Phenix Center
كيف تتعرض عاملات الزراعة لعنف اقتصادي؟
المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني 
تتعرض النساء العاملات في الزراعة إلى انتهاكات عمّالية واسعة، بدءاً من الأجور القليلة التي لا يحصلن عليها أحياناً، مروراً ببيئة العمل والمعاملة السيئة، وانتهاءً بالخدمات المساندة الرديئة إن وجدت.

الانتهاكات التي تتعرض لها العاملات، لا تزيد الأعباء المالية عليهن فقط، وإنما توقعهن في أشكال مختلفة من العنف؛ أكان عنفا نفسيا أو لفظيا أو اقتصاديا. وهو ما يقودهن إلى التفكير في الانسحاب من سوق العمل، ويتراجعن بعد أن يتذكرن ظروفهن الاقتصادية الصعبة.

بعض العاملات يتعرضن إلى الإهانة من أصحاب العمل وبخاصة عند طلب الأجور المستحقة، وعندما يقررن تقديم شكاوى ضدهم، لا يجدن مالاً للذهاب إلى المحكمة. 

ويفترض أن يوفر أصحاب العمل أدوات السلامة والصحة المهنية، إلا أن العاملات يشترينها من حسابهن الخاص؛ ما يزيد الأعباء المالية عليهن.

ويشكو كثير منهنّ من أن وسائل النقل غير متوافرة، وأحيانا غير آمنة كذلك، وقد تعرضهن إلى مخاطر وإصابات يدفعن كلفها من حسابهن الخاص، وحضانات الأطفال كلفها عالية؛ ما يقلل من حصولهن الدخل المالي، وغالباً ما يكون الدخل المتأتي من عملهنّ المصدر الوحيد الذي يحصلن عليه وأسرهن.

تؤكد عاملات في الزراعة لـ"المرصد العمّالي الأردني" أنهن يواجهن صعوبة في الحصول على مصدر دخل جيّد، وأن عملهن في الزراعة غير مجد. فهن يعانين من ظروف أسرية صعبة، تجعلهن مضطرات إلى العمل في الزراعة وإن كان شاقاً.

تشعر بأنها تشحد أجرها
ريما مرزوق (33 عاماً) عاملة زراعية منذ نحو 17 عاماً في مزارع مختلفة بمنطقة الأغوار الشمالية، تتعدد المهام التي تؤديها من زراعة المحاصيل وقطافها والعناية بها. 

لم تكن ريما تعرف ما هو العنف الاقتصادي قبل أن يجري "المرصد العمّالي الأردني" مقابلة معها، رغم أنها تتعرض له منذ بداية عملها في الزراعة.

تقول ريما إن أصحاب المزارع عادة ما يتأخرون في إعطائها الأجر المستحق، ولكل صاحب عمل نظام معين؛ فبعضهم يعطيها الأجر بعد ثلاثة أيام أو أسبوع وبعضهم كل نصف شهر.

وهناك من لا يعطيها الأجر المتفق عليه كاملاً، وإن عملت ساعات إضافية لا تأخذ مقابله شيئا، "أحياناً أشعر بأنني أشحد، وعندما أطلب الأجر يقول لي صاحب العمل بعجرفة "اللي عاجبه يظل واللي مش عاجبه لا يشتغل ومليان عمّال".

وتوضح أن لديها أسرة مكونة من خمسة أطفال ملتزمة في الإنفاق عليها، وعدم إعطائها الأجر أو جزء امنه يؤثر سلباً عليها وأسرتها، "لا مجال لتحسين الوضع المعيشي إلا من خلال عملي، فراتب زوجي يذهب لتسديد القروض البنكية وإيجار المنزل الذي نسكنه، وأنا مضطرة إلى أن أشتغل لأعيّش أطفالي".


الأجر القليل بحد ذاته عنف اقتصادي
أما باسمة أبو رمح (39 عاماً) فتعمل في الزراعة منذ خمسة أعوام، وتحصل على أجر مقداره ستة دنانير في اليوم الواحد، أحياناً تحصل على أجرها مباشرة وأحيانا أخرى يتأخر صاحب العمل أسبوعا.

تقول باسمة لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن الأجر القليل الذي تحصل عليه وزميلاتها، يعتبر بحد ذاته عنفا اقتصاديا كبيرا تتعرض له بشكل مستمر، "أسعار السلع كلها مرتفعة، لم يعد الأجر المحصّل يسد احتياجاتنا، ومن المفترض أن نحصل على أجر أعلى".

وتلفت إلى أنها تشتري أدوات الصحة والسلامة اللازمة على حسابها الخاص وكلفها مرتفعة ولا يوفرها صاحب المزرعة، "القفازات والحذاء الخاص والملابس في كل مرة اشتريها تكلفني 12 ديناراً".

وتستدرك بأن الكثير من عاملات الزراعة يعانين من أزمات صدرية أو تحسس رئوي بسبب المبيدات الحشرية والأسمدة المستخدمة، ولأن النساء بلا تأمين صحي ولا حتى ضمان اجتماعي، يدفعن كلف العلاج من حسابهن الخاص، غير أن صاحب العمل لا يعترف بهذه الإصابات ولا حتى كلف التعويض، فلا يستفدن شيئاً من العمل "سوى الهمّ".

وتذكر أن "إحدى العاملات التي تعرفها عندما قررت تقديم شكوى لم تجد نقودا للذهاب إلى المحكمة، ناهيك عن أنه أحياناً لا تستطيع المزارعات الذهاب إلى العمل لعدم توفر أجرة المواصلات، وهذا يؤدي إلى تقليل مداخيلهن المالية، وبالتالي تقليل مشاركتهن الاقتصادية".

وتقترح باسمة أن تجري الجهات المعنية زيارات وتنظر إلى واقع عاملات الزراعة والتعب والذل اللذين يتعرضن لهما حتى يستطعن الإنفاق على أسرهن، "لا أحد يشعر بمعاناتنا وآمل أن يكون لنا نقابة تدافع عن حقوقنا".

عدم تفعيل نظام الزراعة يعزز العنف 
في أيار 2021 صدر نظام عمّال الزراعة بعد أكثر من عشر سنوات من المطالبات المتكررة بإصداره، وجاء لتنظيم العمل في القطاع، وشمول عمّال الزراعة غير المنظمين في قانون العمل الأردني، ما يعني أنه قبل ذلك لم يكن ينطبق عليهم قانون العمل. 

غير أن الحكومة أجلت تفعيل النظام بموجب بلاغ دفاع، حتى مطلع 2024 بضغوطات من أصحاب العمل.

ويضمن هذا النظام الحقوق العمّالية اللازمة لتحسين بيئة العمل لعمّال الزراعة، ويقلل من الانتهاكات العمّالية التي تتعرض لها النساء العاملات في الزراعة، وبالتالي من أشكال العنف الواقع عليهن.

وتعتقد ريما أنه يمكن أن يقل العنف الاقتصادي الواقع على عاملات الزراعة، في حال جرى تفعيل نظام عمّال الزراعة وحمايتها وزميلاتها من مزاجية أصحاب العمل، من خلال ضمان الحصول على الأجور كاملة دون أن تتعرض لإهانة من أصحاب العمل.

على ضوء ذلك، يقول حمادة أبو نجمة الخبير في قضايا العمل والعمّال لـ"المرصد العمّالي الأردني" إن عمّال الزراعة ذكورا وإناثا يخضعون لنظام عمّال الزراعة، وإذا طُبق النظام بشكل صحيح، سيقلل من العنف الاقتصادي الواقع على عاملات الزراعة، ويستثنى من ذلك المادة 15 من النظام.

ويؤكد أبو نجمة أن استمرار عدم تطبيق النظام يشكل عاملا رئيسيا لزيادة العنف الاقتصادي الواقع على عاملات الزراعة؛ من خلال زيادة الانتهاكات الواقعة عليهن.

ويشير إلى أن عمّال الزراعة يعملون بشكل موسمي وهو غير منظم "عمّال مياومة"، ما يعني أن عملهم غير مستمر ولا يحصلون على ضمان اجتماعي، ولا يحتوي عملهم على مقومات السلامة والصحة المهنية، وفي الوقت ذاته لا يوجد خدمات خاصة للمرأة مثل حضانات للأطفال، وتستخدم وسائل نقل غير آمنة قد تتعرض من خلالها لإصابات عمل أو تحرش. 

وتُعرّف دراسة صادرة عن مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، "العنف الاقتصادي" ضد المرأة بأنه: "أي فعل يؤدي إلى الحرمان من الحقوق المالية أو التحكم في الإنفاق على المرأة والسيطرة على الموارد الاقتصادية للعائلة، أو منعها من مزاولة مهنة قد ترغب بها أو منعها من العمل أصلاً أو إجبارها عليه والسيطرة على أملاكها أو تخريبها". 

الدراسة الصادرة في تشرين الثاني 2021 بعنوان "سلامة المرأة في بيئة العمل"، تشير إلى أن هذا النوع من العنف يؤدي إلى تهميش دور المرأة والتقليل من مشاركتها الاقتصادية، ومن الممكن أن يؤدي أيضاً إلى العديد من الانتهاكات لحقوقها العمالية. وهذا ما تتعرض له عاملات الزراعة بشكل مستمر.

وتظهر تقارير صادرة عن "المرصد العمّالي الأردني"، خلال العامين الماضيين، أن أغلبية من يعمل في القطاع الزراعي هم من النساء، وتصل نسبة من لديهن أطفال (70 بالمئة) من مجمل العاملات في القطاع، وأن عدم توافر حضانات يمنعهن من الذهاب إلى العمل في كثير من الأحيان، ويقلل من المداخيل المالية التي يحصلن عليها.

وهناك تفاوت كبير في تقدير أعداد العاملين في قطاع الزراعة، بسبب اختلاف الجهات التي تصدر عنها المؤشرات الإحصائية المتعلقة بهذا القطاع، ووفق أرقام دائرة الإحصاءات العامة لعام 2014، فقد بلغ المجموع الإجمالي في هذا القطاع ما يقارب (40 ألف) عامل وعاملة.