الرئيسية > عنف متعدد الصور يُبعد النساء ذوات الإعاقة عن سوق العمل

عنف متعدد الصور يُبعد النساء ذوات الإعاقة عن سوق العمل

الاحد, 04 كانون الأول 2022
النشرة الالكترونية
Phenix Center
عنف متعدد الصور يُبعد النساء ذوات الإعاقة عن سوق العمل
المرصد العمالي الأردني - أحمد الملكاوي
على رغم من عملها الذي كان يستمر ساعات طويلة دون توقف أو استراحة، عانت سامية (اسم مستعار) المصابة بضعف البصر الشديد، من التمييز في مكان العمل بسبب الإعاقة، لمدة جاوزت العامين، وذلك خلال عملها كـ"كول سنتر" في أحد مراكز الخدمات الطلابية. وكانت تتقاضى أجراً ينخفض نحو 60 دينارا عن الحد الأدنى للأجور.

وعندما تطالب صاحب العمل زيادة أجرها، لم يكن يرد إلّا بنهرها، وبتذكيرها أنّ عملها جاء كـ"حالة إنسانية" خصوصا وأنّها تعمل "كول سنتر" واصفاً وظيفتها بأنّها الأسهل في المركز، بالرغم من أنها كانت تعمل يومياً مدة تجاوز 10 ساعات متواصلة، تصل في الثامنة صباحاً، وتبقى حتى السادسة مساءً دون استراحات، وأكلها وشربها يكون أثناء قيامها بتلقي وإجراء المكالمات الهاتفية لصالح العمل.

تركت سامية العمل مطلع عام 2021، ورغم أنها تحمل شهادة جامعية، إلّا أنها لم تستطع العثور على مكان عمل ينصف مهاراتها، فقد وجدت عملاً في مكتب للسياحة والسفر وعملت فعلاً وأخبرها صاحب العمل بأنها متقنة ومجدّة، إلّا أنه اعتذر لها لأنه يحتاج عاملة "لائقة" المظهر، فتركت عملها الجديد بعد شهرين، وبحثت كثيراً في مدارس خاصة إلّا أنها كانت تُرفض قبل إجراء المقابلات الشخصية أحيانا.

ما تزال المشاركة الاقتصادية للنساء من ذوات الإعاقة وأرقام التشغيل المتعلقة بهن منخفضة، حيث أشارت دراسة أجرتها الأمم المتحدة في الأردن أنّ القطاع الخاص في الأردن يشغل نساء ذوات إعاقة أقل من الذكور، إذ بلغت نسبة الشركات الخاصة التي تشغل نساءً من ذوات الإعاقة (36.4%)، مقارنة مع الذكور (76.2%) من مجمل الشركات الخاصة المشمولة بعينة الدراسة عام 2021.

حتى وإن وجدت العاملات من ذوات الإعاقة عملاً، فإنها قد تعاني الأمرّين في ذلك، فمن خلال رصد "المرصد العمالي الأردني" عدة حالات خلال مقابلات أجريت للتعرف على بيئة عمل الأشخاص ذوي الإعاقة في مصانع الألبسة، تبين أنّ العديد من الفتيات من ذوات الإعاقة (الصم والبكم) يتعرضن للتحرش المستمر من مشرفيهن أو الإدارات، فضلاً عن حصولهن على أجور أقل من زميلاتهن من غير ذوات الإعاقة.

ومن ذلك، فإنّ إحدى العاملات من ذوات الإعاقة الحركية في مصنع بشمال المملكة، أكدت أنه لا وقت للراحة بالنسبة للفتيات من ذوات الإعاقة بالتحديد، لأنّ العبء يقع عليهن أكثر من الشبان الذين تتنوع استراحاتهم خلال اليوم، ومنها بحجة "التدخين"، فضلاً عن طلب المشرفين إنجازاً أكبر من الفتيات لكونهن "فتيات" ولديهن القدرة على الإنتاج بشكل أسرع، ووصفت ما يطلب منها بـ"جبل من العمل" لا تستطيع إنجازه في الوقت المطلوب ولا تستطيع مناقشة مشرفيها لحاجتها إلى العمل.

وأمام أعين "المرصد العمالي الأردني" انتهر أحد المشرفين عاملات أثناء خروجهن من المقابلات مع المرصد بمطالبتهن بالإسراع نحو خط الإنتاج لإنجاز العمل، ولدى سؤال إحدى العاملات من ذوات الإعاقة الحركية عن أسباب سوء التعامل وحالات تكراره أجابت "بنت وعندها إعاقة ومحتاجة شغل، كيف متوقع يعاملها؟".

ولا تقف الأمور عند هذا الحد، العاملة ذاتها، التي تعاني من مشكلة في قدمها اليسرى، لا تستطيع صعود الأدراج، ورغم ذلك تقوم الإدارة بنقلها بين الحين والآخر إلى الطابقين الثاني والثالث رغم تكرار تعطل المصعد الوحيد في المصنع، الأمر الذي يزيد العقبات لاستكمال العمل المطلوب منها يومياً.

عضو مجلس الأعيان آسيا ياغي، المدافعة عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، تقول إن المرأة ذات الإعاقة يلقى عليها عبء مضاعف، ذلك لأنّ إيجاد فرصة عمل وحده يعتبر "إنجازاً" وبناءً عليه تتحمل كافة المتاعب في سبيل البقاء في عملها.

وتبيّن ياغي لـ"المرصد العمالي الأردني" أن العديد منهنّ يحصلن على أجور منخفضة وأقل من الحد الأدنى للأجور، كما أن بيئة المواصلات العامة لا تساعدها في الوصول إلى عملها بسهولة، ما يتطلب استخدام مركبات خاصة بتكاليف مرتفعة حتى تصل إلى عملها.

وذلك، وفقاً لياغي، لأنّ أماكن العمل تبعد كثيراً مكان السكن، ما يدفع أسر ذوات الإعاقة لعدم قبول أن يعملن خوفاً عليهن من بيئات العمل، أو انتظارا لوظيفة في القطاع العام، لعدم جدوى وظائف القطاع الخاص.

وتشير ياغي إلى أنّ أحد التحديات التي تواجهها النساء ذوات الإعاقة في بيئات العمل "التحرش" وبخاصة مَن هنّ من ذوات الإعاقات السمعية والذهنية البسيطة.

وما تزال المرأة ذات الإعاقة ترى نفسها في مكان أقل من غيرها، رغم أنها تكون قادرة على الإنجاز بشكل كبير، ولكن تعامل أصحاب العمل معها ومع الذكور من ذوي الإعاقة يقوم على مبدأ "أنا مش محتاج راتبها" واعتبارها حالة إنسانية، بحسب ياغي.

وتوضح ياغي أنّ الحلول موجودة؛ وتتمثل بتطبيق القانون رقم ٢٠ لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الصادر عام 2017، إلا أنّ معظم القطاع الخاص غير ملتزم بتشغيلهم، وحتى في حال تشغيل ذوي الإعاقة في العمل فإنّ النسبة تنخفض عما هو منصوص في القانون. 

من جهته، يؤكد "المرصد العمالي الأردني" ضعف تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة، ذكورا وإناثا، في القطاعين العام والخاص، رغم التشريعات التي تُلزم بتشغيلهم.

وفي بيان أصدره السبت (3 كانون أول 2022) بيّن المرصد أنّ بيئات العمل في العديد من مؤسسات القطاع الخاص "غير جاذبة" لذوي الإعاقة، حيث تكثر فيها التحديات والعوائق مثل عدم تناسب الوظائف مع خبراتهم ومؤهلاتهم العلمية، وعدم توفير شروط العمل اللائق والبيئة المكانية المناسبة.

وأشار البيان إلى تدني نسبة تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع العام (الوزارات والمؤسسات الحكومية) عن النسب المحددة في قانوني العمل وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث بلغ عددهم (1834) عاملا وعاملة، وفق أحدث الأرقام الصادرة عن المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2019، أي بنسبة تُقارب الـ3 بالألف من مجمل العاملين في القطاع العام البالغ عددهم أكثر من 550 ألفا، ما يدلل على عدم التزام القطاع العام بتعيين أشخاص من ذوي الإعاقة وفق النسب المحددة بالقانون. إذ ألزم قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الفقرة (هـ) من المادة (25) مؤسسات القطاعين العام والخاص التي لا يقل عدد العاملين فيها عن 50 عاملا بتشغيل عامل واحد / أو عاملة من ذوي الإعاقة، وإذا زاد عدد العاملين في أي منها عن 50 عاملا فيجب تشغيل ما لا يقل عن 4 بالمئة من عدد العاملين فيها، شريطة أن "تسمح طبيعة العمل" في تلك المؤسسات بذلك، وتوافقت معها المادة (13) من قانون العمل الأردني الساري.

ولفت المرصد إلى عدم توافر إحصاءات رسمية حول نسب تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع الخاص، رغم أنه بدأ يتجه أخيرا نحو تشغيل المزيد من ذوي الإعاقة، وأصبح أكثر تفهّما في هذا الجانب.

وأرجع المرصد تدني نسب تشغيل ذوي الإعاقة في الأردن إلى وجود فجوات وغموض في بعض النصوص القانونية والأنظمة والتعليمات التي تتيح لأصحاب العمل في القطاعين العام والخاص التهرب من الالتزام ببعض النصوص التي تُعطي الحق في العمل للأشخاص ذوي الإعاقة.

وحذر المرصد من انسحاب العاملين والعاملات من ذوي الإعاقة من سوق العمل بسبب تلك الظروف الصعبة، وما قد ينتج عن ذلك من ازدياد في معدلات البطالة بعامة وفي صفوف ذوي الإعاقة بخاصة.

وأوصى بضرورة إنفاذ قانونَي العمل وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة فيما يتعلق بتشغيلهم بدون أي تمييز في الحقوق أو بين الجنسين.

كما أوصى بتحسين بيئة العمل في القطاع الخاص وفق شروط العمل اللائق لتصبح ملائمة وجاذبة لذوي الإعاقة، وإلزام المؤسسات بتوفير بيئة تيسيرية لعمل وحياة الأشخاص ذوي الإعاقة، وتدريب المتعطلين منهم بشكل فعّال وتأهيلهم إلى سوق العمل.