الرئيسية > لماذا لا يحصل عمّال الزراعة على تأمين إصابات العمل؟

لماذا لا يحصل عمّال الزراعة على تأمين إصابات العمل؟

الاربعاء, 23 آذار 2022
النشرة الالكترونية
Phenix Center
لماذا لا يحصل عمّال الزراعة على تأمين إصابات العمل؟
 المرصد العمّالي الأردني - رزان المومني 
يتعرض عمّال قطاع الزراعة إلى إصابات عمل عديدة؛ منها البسيطة كجروح في الجسم، ومنها البالغة ككسور في أجزاء الجسم ومن هذه الإصابات ما قد تسبب إعاقة دائمة للعمّال وتمنعهم من العمل مرة أخرى.

يؤكد عمّال في الزراعة لـ"المرصد العمّالي"، أن الإصابات قد تفقدهم المداخيل المالية، التي تشكل مصدر دخل رئيسي لهم ولأسرهم. وإنكار أصحاب العمل للإصابات، يرغمهم على دفع الكلف المالية المترتبة، على حسابهم الخاص.

تعرضت علياء صبح في بداية صيف عام 2018، لإصابة عمل أثناء قطف المحاصيل داخل بيت بلاستيكي في الأغوار الشمالية، الإصابة جعلتها تعاني مرضاً مزمناً، وتفقد عملها الذي كان مصدر دخل رئيس لها ولأسرتها.

في ذلك اليوم، بقيت صبح برفقة عاملة أخرى داخل البيت البلاستيكي لأكثر من خمس ساعات، "بدأ جسدي يتصبب عرقاً ولم أستطع التنفس أو الوقوف على رجلي، أكملت عملي بصعوبة وعدت إلى المنزل".

شعرت أنها بحاجة للذهاب إلى المستشفى، ذهبت وابنها وأجرت فحوصات، ليخبرها الطبيب أنها تعاني من تسارع في دقات القلب ومرض السكري بسبب بقاءها لفترات طويلة في أماكن مغلقة، وحذرها من أن تواجدها في أماكن مغلقة لفترات طويلة قد يودي بحياتها، ومنذ ذلك اليوم أدركت أنها فقدت عملها.

"كنت أحصل على أجر بمقدار 10 دنانير يومياً، هذا الأجر تلاشى حين تعرضت للإصابة، وأصبحت عاجزة لا أستطيع العمل، من يتحمل مسؤولية كل هذا؟"، تقول لـ"المرصد العمّالي".

حسب النشرة التوعوية للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي فإن حالة علياء تشكّل إصابة عمل. 

وباتت صبح تعاني ظروفا معيشية صعبة لفقدانها العمل، "وضعي الاقتصادي أصبح سيئا، أحيانا لا أجد الطعام في المنزل، نحن أسرة مكونة من خمسة أشخاص، وإحدى بناتي تعمل في مصنع خياطة، بأجر لا يكفي حتى لتغطية المصاريف الأساسية".

أما راجي السميرات، فتعرض في موسم قطاف الزيتون العام الماضي، أثناء عمله بإحدى مزارع السلط لإصابة، نتج عنها كسور في يده. يقول لـ"المرصد العمّالي" إنه بينما كان يقطف ثمار الزيتون "وأنا جالس على جذع شجرة كبيرة ترتفع مترين لم أكن أتوقع أني سأسقط". 

نقله العمّال إلى المستشفى، ليبلغه الطبيب بتعرضه لكسور في كوع يده وأنه يحتاج إلى التجبير، "حينها كان تأميني الصحي منتهيا وواجهت صعوبة في تغطية كلفة العلاج بالمستشفى". 

بقي السميرات نحو شهر ونصف الشهر دون عمل، و"أصحاب الخير لم يقصروا معي، إلا أنني لم أر وجه صاحب العمل ولم يتصل ليطمئن على صحتي". 

ويؤكد أنه لا يعرف شيئاً عن نظام عمّال الزراعة، ويستدرك بأن العمّال بحاجة إلى شمولهم في الحمايات الاجتماعية، "صاحب العمل بكلمة واحدة ينهي عملنا ولا يعترف بحقوقنا أو الإصابات التي نواجهها، يجب أن تكون هناك جهة تضمن حقنا".

وفق النشرة التوعوية الصادرة عن المركز الإعلامي لمؤسسة الضمان الاجتماعي، فإن "إصابة العمل" هي "الإصابة بأحد أمراض المهنة الواردة بقانون الضمان الاجتماعي، وأية أمراض أخرى يقرر مجلس إدارة مؤسسة الضمان إضافتها". 

ويعتبر أيضاً "إصابة العمل الناجمة عن الحادث الذي يقع في المكان المخصص لأداء العمل أو ما يرتبط به وخلال المدة الزمنية المحددة لأداء العمل أو بسببه"، من إصابات العمل.

ويفترض أن يغطى تأمين الإصابات من خلال الاشتراك في الضمان الاجتماعي، وهذا ما جاءت به المادة "11" من نظام عمّال الزراعة الصادر أيار الماضي، والذي علق العمل به حتى عام 2024.

وتنص المادة "11" من النظام، على أن صاحب العمل، "يلتزم بإشراك عمّال الزراعة لديه بالتأمينات المشمولة بأحكام قانون الضمان الاجتماعي". وعلى خلفية صدور النظام، جاء شمول العاملين بقطاع الزراعة في قانون العمل الأردني.

في الوقت ذاته، لا تسري أحكام بعض مواد هذا النظام، ومنها الاشتراك في الضمان الاجتماعي، على العمّال الذين لا يجاوز عددهم الثلاثة في المزرعة الواحدة، وفق ما جاءت به المادة "15" من نفس النظام.

يقول رئيس النقابة المستقلة للعاملين والعاملات في قطاع الزراعة (قيد التأسيس) مثقال الزيناتي، إنه لا يوجد أرقام دقيقة حول عدد الإصابات التي يتعرض لها عمّال الزراعة، إلا أنه يقدّر أن نسبة الإصابات لا تجاوز 5 بالمئة.

ويؤكد أن العمّال لا يحصلون على تأمين إصابات العمل التي يتعرضون لها، إلى جانب قلة الوعي بحقوقهم العمّالية، تجعلهم لا يطالبون بالتأمين المستحق.

ويوضح لـ"المرصد العمّالي"، أن "العمال يبذلون جهدا فوق طاقتهم ليرضوا صاحب العمل، مما ينعكس على صحتهم، ففي بعض الأحيان لا تظهر الإصابة إلا عند عودتهم إلى المنزل".
ويشير إلى أن أشكال الإصابات كثيرة، "من الممكن أن يتعرض العمّال إلى لدغة أفعى أو ضربة شمس أو إصابات متعلقة بالأدوات والآلات المستخدمة، وعند التنقل إلى مكان العمل من المحتمل السقوط من السيارة بسبب الأعداد الزائدة، أو السقوط عن الأشجار والتعرض لإصابات بالغة". 

ويذهب إلى أن دور النقابة يتمثل في رصد حالات تعرضت للإصابة، من خلال لجان في مناطق مختلفة من الأردن على اتصال دائم مع العمّال، وتقديم الحالات للجهات المعنية كوزارة العمل، إلى جانب توعية العمّال على حقوقهم وواجباتهم.

ويقول حمادة أبو نجمة، مدير بيت العمال، إن قطاع الزراعة من أكثر القطاعات التي تكثر فيها إصابات العمل، إلا أن العمّال ما زالوا غير مؤمنين بالإصابات.

 ويبين أن "غياب الحمايات الاجتماعية يجعل العاطلين عن العمل في المناطق الزراعية يفضلون البقاء في المنزل على أن يعملوا في قطاع لا يوفر لهم حمايات اجتماعية".

وينتقد أبو نجمة المادة "15" من النظام، "من الممكن بعض أصحاب المزارع يدعون بوجود ثلاثة عمّال أو أقل كي لا ينطبق نظام عمّال الزراعة ويسقط حقوق العمّال، إلى جانب صعوبة الرقابة على العمال الذي لا يزيد عددهم عن ثلاثة".

في حين، تؤكد المديرة التنفيذية لمركز تمكين للدعم والمساندة القانونية، ليندا كلش، أن العاملين والعاملات في قطاع الزراعة لغاية اللحظة لا يحصلون على تأمين إصابات العمل التي يتعرضون لها.

وتشير إلى أن استمرار غياب الحمايات الاجتماعية يزيد من الانتهاكات الواقعة على عمّال القطاع، "التأمين الصحي والضمان الاجتماعي وتوفير إجراءات السلامة والصحة المهنية كلها جوانب غير واضحة وعادة لا تشملهم".

وتبين أنه "بعد صدور نظام عمّال الزراعة، يفترض أن تكون وزارة العمل هي المسؤولة عن العمّال في القطاع، وأن يقدم العمّال الذين يتعرضون لإصابات، شكوى لمديرية التفتيش التابعة للوزارة، إلا أن النظام لم يفعّل لغاية اللحظة".
وتوضّح لـ"المرصد العمّالي"، أن إصابات العمل يفترض أن تغطى من الضمان الاجتماعي وأصحاب العمل، إلا أنها لا تغطى ربما لأن القطاع غير منظم، ما انعكس سلباً على عمّال القطاع من مختلف النواحي.

وكان رئيس الوزراء بشر الخصاونة قد أصدر البلاغ رقم "41" في تموز الماضي، الذي يشكل تراجعاً عن إلزام أصحاب العمل بشمول عمّال الزراعة في الضمان الاجتماعي، ويعفيهم من إشراك العمّال لديهم بتأمينات (الشيخوخة، العجز والوفاة وتأمين الأمومة وتأمين التعطل عن العمل)، مستثنيا تأمين إصابات العمل حتى بداية عام 2023.

وعلى خلفية البلاغ، أعلن وزير العمل نايف استيتية ببيان له مطلع شباط، أن مشروع القانون المعدل لقانون الضمان الاجتماعي يتيح لأصحاب الحيازات الزراعية شمول العاملين لديهم فقط بتأمين إصابات العمل حتى بداية عام 2024.

ما يجب الإشارة إليه، أن شمول العمّال فقط بتأمين الإصابات ربما يكون "أفضل الأسوأ وخيار مؤقت" لضمان حصول العمّال على تأمين واحدا فقط من التأمينات، إلا أنه يحرمهم من التأمينات الأخرى (الشيخوخة لا تشمل كل العمّال، العجز والوفاة وتأمين الأمومة وتأمين التعطل عن العمل).

وفي هذا السياق، يعلق أبو نجمة، بأنه لغاية اللحظة لم نرَ تطبيق للبلاغ على أرض الواقع، وما زال العمّال الذين يتعرضون لإصابات أثناء عملهم لا يحصلون على تأمين. 

وبالعودة إلى الحالات التي تعرضت لإصابات وأجرى "المرصد العمّالي" حديثاً معها، فإن السميرات وبعد معرفته بتأمين إصابات العمل، يعتزم تقديم شكوى لوزارة العمل بالإصابة التي تعرض لها على أمل الاستفادة، وتغطية الكلف المالية التي دفعها على نفقته الخاصة.

أما صبح؛ فلا يسري عليها أحكام نظام الزراعة المتعلقة بالضمان الاجتماعي؛ لعملها في مزرعة يقل عدد العمّال فيها عن ثلاثة، وتتساءل من يتحمل الكلف المالية والعجز الذي نتعرض له؟