الرئيسية > تكميم الأفواه.. أسلوب لترهيب العمال كما الصحفيين

تكميم الأفواه.. أسلوب لترهيب العمال كما الصحفيين

الخميس, 10 آذار 2022
النشرة الالكترونية
Phenix Center
تكميم الأفواه.. أسلوب لترهيب العمال كما الصحفيين
المرصد العمالي الأردني – نديم عبد الصمد
يمكن القول أن شهر آذار هذا العام اتسم بصفته "شهر تكميم الأفواه"؛ فإلى جانب توقيف الصحفيين وحجزهم، أوقفت العديد من المؤسسات موظفيها لأنهم أخبروا عن الانتهاكات الواقعة ضدهم على مواقع التواصل الاجتماعي. 

على الرغم مما ورد في التشريعات ذات الصبغة العالمية التي صادق عليها الأردن، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدان الدوليان الخاصان بالحقوق المدنية والسياسية والثقافية والاجتماعية، إلا أن ممارسات أصحاب العمل ما تزال تدل على توجهات "عرفية" تتخذ فيها القرارات بناء على مصلحة صاحب العمل فقط، دون العامل.

يعود هذا الأمر بشكل أساس إلى حرمان معظم عمال الأردن من الانتساب للنقابات، بسبب القيود المفروضة على تشكيل النقابات الواردة في فصل "الانتساب للنقابات" بدء من المادة رقم 98 في قانون العمل وما بعدها، وكذلك الانضمام إلى النقابات الموجودة. 

اللافت في الأمر، أن الموضوع غير مرتبط فقط بعدم وجود نقابات، فحتى النقابات قد تتخذ موقفا ضد منتسبيها، مثل ما حدث مع حاتم قطيش، ناشر موقع الراصد النقابي لعمال الأردن (رنان). 

إذ قررت النقابة العامة للعاملين في الكهرباء، الاثنين الماضي، تجميد عضوية قطيش، لمدة سنتين، بعد أن وجّهت له تُهم التحقير والشيطنة ضد الهيئة الإدارية للنقابة ونشر معلومات مغلوطة عنها. 

إحدى التهم المباشرة التي وجهت لقطيش "إدارة مجموعة عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يناقشون فيها قضايا تهم العاملين في شركة الكهرباء الوطنية واستخدامها للإساءة للنقابة والتحريض ضدها"، إضافة إلى "نشر معلومات خاطئة بغرض خلق بلبلة وفتنة بين صفوف العمال"، بحسب ما أورد سابقا المرصد. 

حاتم قطيش هو موظف في شركة الكهرباء الوطنية وعرف بنشاطه العمالي وحضوره في مختلف الاحتجاجات التي تنفذها نقابات العمال، شغل عضوية الهيئة الإدارية في النقابة العامة للكهرباء بالانتخاب عام 2015 واستقال منها عام 2017 لاختلاف التوجهات مع باقي الأعضاء. أنشأ بعدها موقع الراصد النقابي لتغطية أبرز الأحداث التي تتعلق بنقابات العمال الأردنية. 

أنشأ قطيش الموقع بعد رؤيته أن مجلس النقابة غير مجدٍ على أرض الواقع، فحاول أن يعمل على التوعية بأهمية النقابات العمالية وإرادة العمال أنفسهم، ورفع سقفها نحو إجراء الانتخابات لجميع النقابات، وهو ما لا يتحقق في مجلس النقابة. 

ولم يعجب ذلك بعض القياديين في النقابة؛ الرؤساء يوصلون رسائل مع العمال إلى قطيش بـ"ضرورة التوقف عن عمله هذا وأن يتبع رئيس نقابته". كذلك فإنّ أحد الرافضين لعمل قطيش وجه نقدا للعمال بأنّهم يتعاملون مع صفحة "الراصد النقابي لعمال الأردن"، وطلب منهم الامتناع عن التفاعل مع ما ينشر من مواد، وذلك بحسب تصريحات قطيش للمرصد. 

لا تختلف حال قطيش عن حال عمال المياومة في إحدى الشركات الخاصة، الذين أضربوا عن العمل لمدة طويلة من أجل تحقيق مطالبهم، وفعلا حققوا مطالبهم بالتعاون مع نقابتهم، إلا أن الشركة فاضلت بين العمال عند إعادتهم إلى العمل بعد تحقيق مطالبهم، فقسمتهم إلى مجموعتين: الأولى من لم يطالبوا بحقهم، وفضلوا السكوت، وهم من عادوا إلى العمل. والأخرى من صرخوا بوجه الانتهاكات وتحدثوا للإعلام عن قضيتهم ليضعوا حدا لها، لكنهم خسروا معركتهم، ولم يعودوا إلى العمل. 

في الفقرة السابقة، نخفي اسم الشركة وذلك على أمل أن لا نكون كمن "صب الزيت على النار" والتزاما بالمهنية الصحفية التي تقتضي الحفاظ على مصلحة العمال على أمل عودتهم إلى العمل، في حال موافقة الشركة. إذ اشترطت على العمال أن يحسنوا صورتها أمام الإعلام بذكر كلمات مثل تعتبر شركة فلان "أنجح استثمار في الأردن" وأنها "تحظى باهتمام كبير من المعنيين"، وذلك كشرط من أجل عودتهم إلى العمل. 

لا تقف الانتهاكات عند حدود المؤسسات العامة والشركات والنقابات التي من المفترض أن تدافع عن حقوق منتسبيها، بل تمتد لتصل أيضا إلى "شركات لا تهدف إلى الربح" أو بمعنى آخر شركات ذات طابع حقوقي. 

فقام الموظف باسل (اسم مستعار) _ لن نستطيع ذكر اسمه أيضا، كون قضيته ما زالت منظورة أمام القضاء_ بتقديم استقالته من الشركة الحقوقية بعد مدة عمل لا تزيد عن نصف عام، وعند استقالته أرسل بريدا إلكترونيا إلى الممول الرئيسي لهذه الشركة يخبرهم فيها "أن بيئة العمل غير لائقة". 

هذا التعليق لم يعجب الشركة، و"اضر بسمعتها"، و"يهدد بإيقاف عملها"، والعديد من التهم التي وجهت إلى باسل، بحسب محضر التحقيق، الذي حصل "المرصد العمالي الأردني" على نسخة منه. 

 بالعودة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نصت المادة رقم 19 على أنه "لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود". 

كما جاء في الدستور الأردني أنه "كفل حرية الرأي والتعبير ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون" لكن يبدو أن حدود القانون مزقتها المادة رقم 11 من قانون الجرائم الإلكترونية التي اتخذها مسؤولو النقابة ومديرو الشركة ذريعة لترهيب حاتم قطيش وباسل وآلاف العمال الأردنيين الذين سيخافون الإفصاح عن الانتهاكات ضدهم.