الرئيسية > تجارة الرقيق الأبيض.. سماسرة التصاريح يستعبدون العمّال الفلسطينيين بـ"الداخل المحتل"

تجارة الرقيق الأبيض.. سماسرة التصاريح يستعبدون العمّال الفلسطينيين بـ"الداخل المحتل"

الاحد, 19 كانون الأول 2021
النشرة الالكترونية
Phenix Center
تجارة الرقيق الأبيض.. سماسرة التصاريح يستعبدون العمّال الفلسطينيين بـ
المرصد العمالي الأردني- كريم الزغير 
في معبر قلنديا، (معبر أقامه الاحتلال الإسرائيليّ لفصل الضفة الغربيّة عن القدس) يتخندق أحد جنود الاحتلال الإسرائيلي صارخا بعبارة: "تصريح". وهي العبارة الّتي لها دلالات رمزيّة لأيّ إنسان فلسطيني، فهي ليستْ عبارةً لغويةً تطالب الفلسطيني بإبراز الوثائق التي تسمح له بالمرور من مكان إلى آخر؛ لكنّها شرطٌ أساسي لوجوده، وهذا هو واقع حال العمّال الفلسطينيّين الذين يعملون في الداخل الفلسطيني المحتل.

سواترٌ إسمنتيّةٌ، وأسلاكٌ تحدّقُ بالعمّال، وجنودٌ بمحاذاتهم أشخاص مسلّحون (عناصرٌ يعملون في شركات أمنيّة خاصّة) يشهرونَ سلاحهم بوجه العابرينَ والمارّة، وبخاصة العمّال الذين أصبحت هذه المشاهد بالنسبة إليهم أمرا طبيعيا، أو استطاعوا جعله طبيعيا، وهو ما شرحه لنا العامل خ.م (37 عاما) الذي روى خلال حديثه للمرصد العمّالي مُرخيًا السدول عن عوالم قد يجهلها كثيرون من الباحثين عن (لقمة العيش) التي وراء الجدار، أو كما وصفها العامل "لقمة الأولاد".

نافثًا دخّانَ سيجارته، وموجّها عينيه نحو جدار الفصل العنصري الّذي اعتبرته محكمة العدل الدولية غير شرعي؛ تحدّث العامل خ.م كاشفا أنّ عمليّة الذهاب إلى العمل في الداخل المحتل ليستْ هيّنةً كما يظنها الآخرون.

ويستكمل حديثه: "حتّى استطعت أن أحصل على تصريح يسمح لي بالعمل في الداخل المحتل؛ اضطررت إلى دفع مئات الدولارات عبر أحد سماسرة التصاريح الذين لهم ارتباطات بالشركات الإسرائيلية، وهم الوسيط بين العامل والشركة أو الجهة التي سيعمل لديها".
ولا يتوقف العامل عن شرح أمر كان بحاجة إلى من يسأله عنه؛ وهو سؤال كان بمثابة من فقأ دمّلاً انتفخ في جسد العمّال الفلسطينيين، قائلًا: "بالفعل؛ صدر التصريح خلال أيّام،  إلّا أنني تفاجأت بأنّه عليّ أنّ أدفع مبلغا شهريا للسمسار الذي حصّل لي هذا التصريح، وهذا يعتبر عبوديّةً صرفة".

حينذاك؛ تبدّى سؤال حول كيفيّة الاتصال بهؤلاء السماسرة، فأجاب: "معظم هؤلاء السماسرة ينشرون إعلانات عبر صفحات التواصل الاجتماعي؛ وهي ليستْ إعلانات فحسب؛ إنما هي أفخاخ يتم نصبها للباحثين عن فرص عمل، وهنالك أشخاص تعرّضوا للاحتيال من هذه الصفحات التي تطالبك بدفع مبلغ مقابل إصدار تصريح عمل".

هُنا؛ اضطر (خ.م) إلى إشعال سيجارة أُخرى تمهيدا لقصة سيرويها عن حادثة جعلته متحسبا في تعامله مع هؤلاء السماسرة، ليكشف أن: "أحد السماسرة تواصلت معه عبر صفحة على (الفيسبوك) فطلب مني (300 دولار) عربونا لاستصدار التصريح، وما كان مني إلا أن دفعت له المبلغ، وبعد أيام؛ اتصلت به لكي أستفسر حول ما إذا صدر التصريح أم لا؛ إلا أنه أغلق هاتفه، وهكذا سقطت في فخّه".

ليست القصة التي ذُكرها آنفًا؛ هي الحادثة النهائية؛ فالعامل م.ي (29 عاما) الذي أجبره أحد السماسرة على توقيع (كمبيالة) لقاء استصدار تصريح يسمح له بالعمل في الداخل المحتل، وأيضا؛ التوقيع على تعهّد بالتنازل عن حقوقه العمّاليّة التي قد يطالب بها إذا تعرّض لأي انتهاك.

مستهلًا حديثه بنظرة ذات مغزى؛ يتحدّث العامل (م.ي) راويا تجربته: "أعمل في الداخل منذ تسعة أعوام، وأدفع للسمسار (800) دولار، ناهيك عن تكلفة المواصلات، خصوصا وأنّ بعض العمّال يأتون من محافظات وقرى فلسطينية بعيدة، يضاف إلى ما سبق؛ ما نتعرّض له من تهديدات مصيريّة لحياتنا، وهذا كله لا ضمانة له سوى ما تكنّه لنا المقادير فقط".

وبحسب الإحصاءات الرسميّة الفلسطينية؛ فإنّ عدد العمّال الفلسطينيين الذين يعملون في الداخل المحتل يُراوح بين (150-160) ألف عامل، يعمل (75-80) ألفا منهم بلا تصاريح رسميّة، ويعمل جلّهم في قطاعات البناء والخدمات والزراعة والصناعة.

وتكشف هذه الإحصاءات أيضا نهم سماسرة التصاريح، فيما تحاول المؤسّسات الرسميّة الفلسطينية تطويق ما اعتبره مختصون "تجارة الرقيق الأبيض"؛ إلّا أنّ المنافذ التي يستخدمها هؤلاء السماسرة الذين أيضا أسسوا شبكةً معقّدة من العلاقات؛ غدت منافذ غائرة استعصى على هذه المؤسسات اقتفاء أثرها.

وحدّدت اتفاقيّة (باريس) الاقتصاديّة التي وُقّعت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي عام 1994، تحديدا؛ المادّة رقم (37) دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل عبر الجهات الرسمية الفلسطينية؛ وذلك بهدف ضمان حصول العمّال على حقوقهم العمالية كاملة؛ وهو أمرٌ نصّت عليها المادّة رقم (38) من الاتفاقيّة التي اعتبرت مجحفةً بحقّ الجانب الفلسطيني.