الرئيسية > الصراخ والتهديد بالفصل.. منغصات تدفع بالنساء للعزوف عن العمل

الصراخ والتهديد بالفصل.. منغصات تدفع بالنساء للعزوف عن العمل

الخميس, 25 تشرين الثاني 2021
النشرة الالكترونية
Phenix Center
الصراخ والتهديد بالفصل.. منغصات تدفع بالنساء للعزوف عن العمل
المرصد العمالي الأردني
رغم مناداة منظمة العمل الدولية والحكومات الأردنية بأهمية تواجد المرأة في بيئات العمل ومشاركتها الاقتصادية فيه، إلّا أنّ العديد من النساء ما زلن يواجهن العنف يوميا باختلاف أشكاله.

 حيث أظهرت دراسة، أعدها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أنّ العاملات في القطاع الخاص تحديداً يواجهن منغصات تجعلهن يعزفن عن العمل، وأن ما يبقيهن في هذه البيئات هو الحاجة المادية وبخاصة إذا كانت المرأة هي المعيلة الرئيسة للبيت.

ونقلت الدراسة، التي حملت عنوان "سلامة المرأة في العمل" أحاديث عن مبحوثات يروين ما يتعرضن إليه من أشكال عنف تنوعت بين صعوبة المواصلات والعنف اللفظي، وأحياناً الجسدي، وتمييز الأجور، فضلاً عن التحرش الجنسي الذي تواجهه العديد من النساء منذ مغادرة المنزل وحتى عودتها إليه، أكان في وسائل المواصلات أو الطرقات أو مكان العمل.

وجاء من أبرز المنغصات التي تتعرض لها النساء، وفقاً للدراسة، الصراخ والتهديد بحسم الراتب والأجور. إذ قالت إحدى المبحوثات إن "بيئة العمل التي نعمل بها مليئة بالمنغِّصات، فلا يكفي أننا نقف لساعات طويلة فحسب؛ بل يجب أن نتحمل الصراخ والتهديد بالفصل أو الحسم من الراتب".

 وهو ما ينطوي تحت بند العنف اللفظي وبخاصة مع عدم اعتماد الأنظمة الداخلية للمنشآت في العديد من المديرين وأصحاب العمل يعتبرون أنفسهم أصحاب سلطة مطلقة في مكان العمل ولهم الحق في التسلط على العاملات.

كما يكثر في مدارس القطاع الخاص على سبيل المثال العمل في مجالات غير التخصص، فمثلاُ؛ إحدى المعلمات حاصلة على شهادة البكالوريوس في "العلوم" وتعمل بمسمى معلمة، الّا أنّ العمل المطلوب إنجازه هو البيع في المقصف المدرسي والإرشاد النفسي للطلبة. 

وتقول: "أنا معلمة في المسمى الوظيفي في المدرسة إلا أنني أعمل كبائعة في المقصف وسكرتيرة ومرشدة تربوية لحل المشاكل، في الحقيقة لا تعطيني المدرسة استراحة إلا ما ندر وأعاني من الشكوى والتذمر والتحقير للعمل الذي أقوم به بحجة أني قليلة الخبرة".

ولا تقف بيئة العمل عند هذا الحد من الموانع والمنغصات، إذ تؤكد معظم المبحوثات أنهن تعرضن للتحرش، فتقول إحداهن: "دائماً ما نسمع تعليقات مثل يا حلوة أو يا عسل في مكان العمل، كما أنني تعرضت لموقف محرج حيث روى زميل لي في المصنع نكتة ذات إيحاء جنسي".

كما تتعرض كثير منهن لمضايقات مختلفة في وسائل المواصلات العامة، أكان بالكلام أو التصرف من خلال المزاحمات المقصودة، أما ثالثة فتستمر بسماع كلمات "المطبخ أحسن لك"، وتقول "أسمع دائماً مقولات تدعونا للعودة إلى المنازل وبخاصة المطبخ، وأننا نحن السبب في بطالة الرجال وعدم قدرتهم على الزواج، حتى في إحدى المرات أخطأت زميلتي في أخذ مقاسات الزبونة فصرخت المديرة عليها ونعتتها بأنها تعتقد أن الزبونة طبخة منسف تعرف مقاديرها حتى تتأكد من مقاساتها، ما دفع الزبونة إلى التدخل للتهدئة بسبب استمرار المديرة في تجريحها".

إنّ ما يصاحب هذا النوع مع المنغصات من عنف نفسي يتجلى في "الشتم والصراخ والسخرية" من النساء، كما أظهرت الدراسة أنّ المبحوثات حُرمن من المشاركة في اللجان وتقلد المناصب العليا لربط هذه المسؤوليات بالذكورة.

تقول إحداهن: "نتعرض للإهانة في العمل، والتهديد المستمر بالاستغناء عنّا وعدم تجديد العقد مرّة أخرى"، وتضيف أخرى: "الصراخ من المديرة هي السمة الشائعة وخصوصاً إن تأخر العمل"، وتشاركهما إحدى المبحوثات، فتقول: "في أحد الاجتماعات سخر المدير من اقتراح قدمته مما جعل الجميع يضحكون عليّ، وعلّل ذلك بالقول باستهزاء: أعذروها فهي تفكر في طبخة أطفالها الآن".

العنف في أماكن العمل يهدف إلى إقصاء النساء منه وإعادتهن إلى الحيز الخاص، باعتبار العمل "مملكة للرجال" وفق وصف الدراسة. إضافة إلى بعض الأشخاص النساء السبب الرئيس لبطالة الرجال، ما يجعل ذلك بالنسبة لبعض أصحاب العمل والمدراء مبرراً لتعنيف النساء في مكان العمل بدءاً من التمييز في الأجر وبيئة العمل وصولاً إلى العنف النفسي والجسدي والجنسي والاقتصادي.

حتى أنّ مسألة العنف والضغط على النساء في العمل يصل إلى مجال السياسة والأحزاب السياسية التي ينادي معظمها بأهمية المرأة ودمجها. حيث اضطرت إحدى المبحوثات إلى الانسحاب من عملها في الحزب بسبب ضغوط ممثلين فيه.

 وتقول: "لقد تعرّضت للعديد من أشكال العنف المجتمعي لرغبتي بدخول معترك السياسة والعمل فيه، لدرجة أنه في إحدى المرات زارني ممثلو الحزب إلى المنزل ودعوني للانسحاب من العمل الحزبي، كما تعرضت للتهديد المستمر والضغط عليّ وعلى عائلتي لأنسحب من عضوية الحزب لأنه لا يلائم مقاييس رجال العشيرة أو الحزب".

حيث أظهرت نتائج الدراسة أن أوضاع النساء في السياسة لا تختلف عن أوضاع مثيلاتها عالمياً، فالعنف الممارس ضدهن يظهر كظاهرة سلوكية تتجاوز الحدود الجغرافية والخصوصيات والفوارق الثقافية، والثقافة التي ترى بأن النساء لا تصلح للسياسة هي ثقافة عالمية ولكن بدرجات متفاوتة تبعاً لنضج المجتمع ودرجة الوعي التي وصل اليها، وخير دليل على ذلك أن نسبة النساء اللواتي يشاركن في العمل السياسي قليلة جداً.

كما تبين النتائج أن المبحوثات يتعرضن للعنف الاقتصادي؛ ومن مظاهره تحكم الرجال برواتبهن وكيفية صرفه، تقول إحداهن "لا أعلم لماذا أتكبّد عناء العمل وقرف البيئة التي أعمل فيها وزوجي في النهاية يأخذ غالبيته ليدفع في مصاريف البيت". 

وتقول أخرى: "أنا لست أفضل حالا منها، فزوجي يأخذ بطاقتي البنكية أصلاً ولا أعلم أين يصرف النقود ولا أجرؤ على سؤاله، لأنه يغضب مني ويصرخ بوجهي".

يظهر من هذا الطرح تركز السلطة في أيدي الرجال، وهو ما يجعل مطاردة النساء في أرزاقهن ورواتبهن مسألة متاحة في مجتمع الدراسة وما شابهها من نظم أخرى.

وبناءً على الدراسة؛ أفادت نصف المبحوثات أنهن تعرضن للعنف الجنسي، الذي يعد من أخطر أشكال العنف والتمييز، على الرغم من غموض المفهوم واتخاذه أشكالاً عديدة كما حددتها الاتفاقية 190 لمنظمة العمل الدولية، كالتحرش المادي والتحرش اللفظي، والتحرش الحركي كاستخدام حركات جنسية معيّنة مثل الإيماءة بالرأس أو الأصابع، تقول إحدى المبحوثات: "نتعرض للتحرش في وسائل النقل العامة، من تعليقات وكلام بذيء ومحاولة لمس الجسد، صدقاً تحتاج هذه الأماكن الى وجود شرطة لتنظيمها والحد من المعاكسات فيها".

أما أخرى فتشكو بالقول: "زميلي يحاول التقرب مني والكلام معي بهمس، كما ويحاول ملاحقتي الى مطبخ الشركة أو إرسال الرسائل الصباحية والمسائية، مع أنني طلبت منه أن لا يرسل لي، وأنا منحرجة من أن أحجب رقمه لأنه المسؤول المباشر عني في العمل".

والتزمت باقي النسوة الصمت وأبدين عدم الرغبة بالتحدث في هذا الموضوع، وكأنه من التابوات المحرّمة، وهو ما يفسّر انخفاض أعداد من تعرضن للتحرش الجنسي في الدراسات العربية، إضافة إلى غموض المعنى الحقيقي للتحرش؛ فتقول إحداهن، وتشاركها الرأي 25% من عينة الدراسة، "لا نستطيع أن نسمي المعاكسات تحرشا، التحرش أعمق وأخطر من ذلك، كالاغتصاب والاعتداء، وإلا لكانت كل نساء الأردن ضحية لهذا التحرش".

مفهوم التحرش في بيئة العمل تطور ليصل حد ما سمي بالتحرش الإلكتروني؛ حيث تتلقى عاملات رسائل عاطفية أو صوراً جنسية ومحاولات لفتح أي حوار من قبل زملائهن أو مديريهن في العمل عبر الهاتف أو مواقع التواصل الاجتماعي ورسائل عاطفية عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني، وتروي إحداهن أن زميلها المتزوج "يرسل لي رسائل عاطفية على الهاتف معلّلاً أن الحب لا يعرف القيود".

وأوصت الدراسة التي أطلقها مركز الفينيق للدراسات تزامناً مع حملة 16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة  بمراجعة القوانين والتشريعات المرتبطة بحماية النساء من العنف الوظيفي ومراقبة تنفيذ هذه القوانين من قبل جهات مختصّة، ومواءمتها مع الاتفاقيات والمعاهدات موضوعاً وشكلاً بما يضمن حق النساء في المواطنة الكاملة، من خلال تقديم مقترحات بهذه القوانين الى الجهات المختصة والاستفادة من تجربة أمريكا اللاتينية في إيجاد قانون يجرم العنف السياسي والتحرش الجنسي، أو إدراج نصوص تتعلق بالعنف ضد النساء في أماكن العمل ضمن في قوانين العقوبات أو الجرائم الالكترونية.

ودعت إلى إنشاء وحدات خاصة بالنساء العاملات للشكوى عن العنف الممارس ضدهن لدى المصالح الطبية وداخل المحاكم ومراكز الشرطة، وضرورة تشديد العقوبات ومراقبة تنفيذها ضمن آليات واضحة ومحددة، فضلاً عن ضرورة تسخير التكنولوجيا لتعزيز مكافحة العنف والتحرش الجنسي في أماكن العمل والأماكن العام، وتطبيق نهج شامل لمكافحته بمساعدة البرامج التكنولوجية.

ويصادف اليوم الخميس، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة بحملة عالمية تمتد 16 يوماً بشعاري "وقف قتل النساء" و "العنف الأسري وعالم العمل".