أحمد عوض
مؤشرات البطالة الأخيرة، التي صدرت نهاية الأسبوع الماضي، تظهر بوضوح أننا ما نزال نعاني من مستويات مرتفعة جدا بمختلف مؤشراتها الكلية والفرعية، وأن مختلف السياسات الحكومية التي استهدفت تخفيضها لم تجدِ نفعا.
أرقام البطالة المعلنة، التي وصلت 24.8 بالمائة وبين النساء 33 بالمائة وبين الشباب 48.5 بالمائة يفترض أن تضيء الضوء الأحمر؛ إذ من الصعب جدا الاستمرار في تحمل هذه الأوضاع لفترات مقبلة طويلة، لما لها من آثار على الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
الملفت في هذا الشأن أن بعض المسؤولين المعنيين بهذا الملف منشغلون بصوغ التبريرات غير الدقيقة لأسباب البطالة من خلال الادعاء أن شبابنا لا يرغبون بالعمل في القطاع الخاص، ويريدون العمل في القطاع العام فقط، وبالتالي تحميل المشكلة للمتعطلين أنفسهم، وهذا أمر يجافي الحقيقة.
هذه الرؤية تنعكس على الخطط والسياسات الحكومية ذات العلاقة، فلا نجد تغييرات نوعية في السياسات الاقتصادية وسياسات العمل التي استخدمت خلال العقود الماضية، ويعاد تطبيق ذات السياسات التي فاقمت مشكلة البطالة.
بل إن مضامين برنامج الأولويات الحكومية الاقتصادية الأخير يذهب باتجاه يمكن أن يؤدي إلى رفع معدلات البطالة أكثر مما هي عليه الآن، وفي أحسن الأحوال الحفاظ على مستوياتها المرتفعة، خلافا لما تدعيه الخطة.
نقول ذلك، لأن أحد أسباب ارتفاع معدلات البطالة يتمثل في عزوف قطاعات واسعة من الشباب والشابات عن العمل في القطاعات الاقتصادية التي تفتقر إلى شروط العمل اللائق، وبرنامج الأولويات الاقتصادية الحكومية ذاهب باتجاه إضعاف شروط العمل بشكل عام، ويتجه نحو إجراء تعديلات على قانوني العمل والضمان الاجتماعي باتجاه زيادة شروط العمل المرنة على حساب شروط العامل اللائق.
كذلك لا يوجد لدى الحكومة خطط لإعادة النظر بمنظومة التعليم بمختلف مستوياتها، إذ ما يزال التوسع في التعليم الجامعي سيد الموقف على حساب التعليم المتوسط والتقني والمهني، مع أن سوق العمل يولد وظائف لهذا النوع من الخريجين والخريجات، ومستويات البطالة بين خريجي الجامعات هي الأعلى في الأردن.
كما لم نلمس لدى الحكومة أي خطط لمساواة شروط العمل بين القطاعين العام والخاص، وهذا سيدفع الشباب والشابات نحو الركض خلف الوظائف الحكومية المختلفة، ما سيفشل الجهود الرسمية وغير الرسمية كافة في إقناعهم بالعمل في القطاع الخاص.
ويتوقع أن يستمر هذا الحال على ما هو عليه، بسبب الاختلال الشديد في علاقات العمل، وغياب لاعب رئيسي عن عملية الحوار لبناء علاقات عمل متوازنة، ويتمثل في النقابات العمالية، التي خرجت من الساحة، بسبب غياب الممارسات الديمقراطية فيها وسيطرة شخصيات بعيدة كل البعد عن حقوق العمال عليها، وأصبحت مكانا للاسترزاق للقائمين عليها، وتعمّق هذا المسار خلال الأشهر القليلة الماضية عندما أعاد قادة النقابات انتخاب أنفسهم بالالتفاف على الأنظمة.
لا يمكن مواجهة مشكلة البطالة في الأردن دون إجراء مراجعة ومعالجة جديتين للسياسات العامة التي أدت الى تفاقمها، والتي عرضنا جانبا منها، وبخلاف ذلك سنبقى ندور حول أنفسنا، وستبقى اتجاهات مؤشرات البطالة في تزايد مستمر.
صحيفة الغد الأردنية، 2021/10/11