الرئيسية > مصير العمالة المهاجرة في الأردن معلق بمزاجية أصحاب العمل

مصير العمالة المهاجرة في الأردن معلق بمزاجية أصحاب العمل

الخميس, 23 أيلول 2021
النشرة الالكترونية
Phenix Center
مصير العمالة المهاجرة في الأردن معلق بمزاجية أصحاب العمل
المرصد العمالي الأردني – أحمد الملكاوي
في عام 2011 جاءت أنيتا من إندونيسيا إلى عمّان لتعمل بمهنة عاملة منزل بعقد لمدة عامين، لكنها لم تكمل أكثر من 10 شهور بعد أن حاول صاحب العمل السبعيني التحرش بها مرات عدة، فاضطرت إلى ترك المنزل (مكان العمل) فجر أحد الأيام دون جواز سفر أو هاتف، على نية اللقاء بشقيقتها في عمّان.

أنيتا أبلغت إلى زوجة صاحب العمل السبعينية، رغبتها بترك العمل، التي خيرتها بين التوجه إما إلى المركز الأمني أو مكتب الاستقدام، على ألا تكشف سبب ترك العمل. إلّا انّ خوفها من التسفير أو إعادتها إلى منزل صاحب العمل جعلها تمشي على غير هدى في شوارع العاصمة الأردنية عمّان مدة 13 ساعة حتى عثرت على شقيقتها التي تعمل هي الأخرى عاملة منزل في المدينة نفسها.

تكمن مشكلة العمال المهاجرين في الأردن في أنّ مصائرهم وجميع معاملاتهم معلقة بشرط وجود صاحب العمل، أو ما يتعارف عليه في سوق العمل "الكفيل"، ذلك لأنّ تصاريح العمل الحرّة للمهاجرين لا تصدر إلاّ في مهن الزراعة والإنشاءات والتحميل والتنزيل، وتكلفة التصريح الواحد تبلغ 600 دينار للعامل الزراعيّ و800 دينار لعامل الإنشاءات أو التحميل والتنزيل.

ورغم عدم وجود نظام أو تعليمات ما يعرف بـ"الكفالة" إلّا أنّ العامل المهاجر لا يستطيع إنجاز معاملاته بدون صاحب عمله، فضلاً عن دفع الكثير منهم تكاليف تصاريح العمل أو الغرامات، رغم مسؤولية صاحب العمل عنها وفقاً للقانون.

كذلك فإنّ العامل يبقى حائراً وخائفاً من اللجوء إلى وزارة العمل أو التعميم عليه من قبل صاحب العمل، الذي يتخذ إجراء يعتبره احترازياً في حال ترك العامل المنشأة أو المزرعة دون إبلاغه.

يقول المحامي المختص بالقضايا العمالية محمود الأقطش إنّ الكثير من أصحاب العمل، وبخاصة في القطاع الزراعيّ، يعرفون أنّ بيئة عملهم غير لائقة أو آمنة وتنتهك حقوق العاملين والعاملات، لذلك يلجأون إلى التبليع عن فرار العمال رغم تواجدهم داخل المنشآت أو المزارع، لضمان عدم توجه العمال إلى وزارة العمل للتبليغ عن الانتهاكات.

أما أنيتا، التي جابت الشوارع بين الخامسة فجراً والسادسة مساءً، بلا جواز سفر الذي يتحفّظ عليه صاحب العمل، فقد تمكنت من الوصول إلى شقيقتها، التي أمنت لها عملاً لمدة سنتين عند أحد أقرباء أصحاب المنزل الذي تعمل فيه دون استصدار تصريح عمل.

في نهاية عام 2016 انتقلت أنيتا إلى بيت جديد، وأصرت صاحبة العمل على تصويب أوضاعها خوفاً عليها من المخالفات والتسفير، فدفعت قرابة 8500 دينار أردني ترتبت عليها جراء تراكم رسوم تصاريح ورسوم إقامة سنوية وغرامات تأخير الدفع، إضافة إلى 500 دينار طلبها صاحب العمل الأول لتسليم جوازها.

 أنيتا هي واحدة من بين 4 عاملات إندونيسيات قابلهن معد التقرير، تشابهت حالاتهن إلى حد كبير، أكدن جميعهن أنّهن كأندونيسيات صارت أوضاعهن أفضل بكثير خلال السنوات الأخيرة من نظيراتهن من الجنسيات الأخرى، كالأفريقيات، اللواتي يصعب عليهن حتى الآن الحصول على جوازات سفرهن.

ويعللن ذلك بالإجراءات التي اتخذتها سفارة بلادهن بمتابعة أوضاع العاملات هنا، فضلاً رفض العديد من الإندونيسيات العمل بأجور منخفضة تستيطع الحصول أكثر منها في بلادها.

وتقول أنيتا إنّ أوضاع العاملات الإندونيسيات أفضل بكثير من نظيراتهن، من الإثيوبيات مثلاً، وتروي أن زميلة إثيوبية تعمل في ذات المنطقة تخضع لابتزاز شخص يهددها بالتبليغ عنها لعدم تجديد صاحب العمل تصريح العمل، فتضطر للاستدانة لدفع النقود إليه خصوصا وأن أجرها لا يجاوز 100 دينار. ورفضت هذه العاملة التحدث إلى "المرصد العمالي عن مشكلتها خوفا من تغريمها أو تسفيرها.

محمود عطوة عامل زراعة مصري الجنسية يعمل منذ أكثر من عشرين عاماً لدى صاحب عمل واحد، ولا يتعرض لانتهاكات كما يقول. لكنه يروي قصصا عن أبناء بلده وما يجري من انتهاكات لحقوقهم.

 يبين عطوة أنّ معظم العمال الزراعيين لا يعملون برواتب شهرية؛ لاعتماد القطاع على المواسم، فلا يدفع أصحاب العمل أجوراً كاملة، فضلاً عن تحمل العامل تكلفة تصريح العمل أو يتقاسمه مع صاحب العمل، خلافاً للقانون الذي يُلزم الأخير بدفع كلفة التصريح كاملاً.

في هذا القطاع يضطر العمال للبحث عن صاحب عمل يدفعون له مقابل مبلغ قد يصل إلى 800 دينار، على أن يتحمل المسؤولية ويكون العامل تابعاً له، علماً أنّ معظمهم يعمل على نظام المياومة دون أجر منتظم.

العديد من "أصحاب العمل" هؤلاء ليسوا أصحاب عمل في الواقع، وإنما أشخاص عاديّون يتفق العامل معهم عن طريق وسيط مقابل مبلغِ من المال يحصلون عليه لاستصدار تصاريح عمل لهم على ذمتهم.

يكثر الاستغلال، وفق عطوة، في قطاع الزراعة؛ فأصحاب العمل أنفسهم، الذين لا يعمل العامل لديهم أصلاً، يطلبون منهم أن ينجزوا لهم بعض الأعمال المختلفة أكان العمل زراعياً أم غير ذلك، وبخاصة بعد تهديدهم بالإبلاغ عنهم واتهامهم بالفرار، ما يعرضهم لمشكلات قانونية عديدة قد تصل حد التسفير.

فالعديد من العمّال يأتون بتصريح زراعيّ، ثم يعملون أعمالاً مختلفة في الإنشاءات والمقاهي والمطاعم بناءً على إجراء أصحاب العمل أنفسهم، أو يكون الاتفاق مع شخص ليس صاحب عمل.

إضافة إلى ذلك، يقول المحامي الأقطش إنّ أصحاب العمل، وبخاصة في المزارع، يجبرون عمالهم المهاجرين على العمل بعدد ساعات يصل 14 ساعة يومياً، تبدأ فجراً وتتوقف في الظهيرة ليستأنفوا عملهم خلال ساعات العصر وحتى الليل.

يؤكد الأقطش أنّ أصحاب العمل أنفسهم يعرفون أن ظروف العمل سيئة ومخالفة للقانون، ما يجعلهم يعممون على عمالهم بالفرار أثناء تواجدهم في المزارع ويتهمونهم أنهم خرجوا دون إخبار أصحاب عملهم أو وكلائهم، رغم التحفظ على جوازات سفرهم أصلا.

وينبه إلى أنّ العامل المهاجر وبخاصة في القطاع الزراعيّ، يأتي إلى المملكة ولديه قناعة أنّ صاحب العمل له سلطة مطلقة عليه ومن حقه تكليفه بأي عمل.

ويوضح أنه منذ بداية عمله في قضايا العمال منذ عام 2013، لم يجد سوى 3 عمال مصريين فقط يعرفون أنّ الكفيل لا علاقة له بحياتهم الشخصية، ولا يحق له تكليفهم بعمل غير متفق عليه مسبقاً.

ويبين الأقطش إنّ إخلاء الطرف للعامل لا يستند إلى نص قانونيّ، لذلك يطلب المحامي المترافع عن العامل أمام القضاء، إلغاء تصريح العمل، لكنه يصطدم بمشكلة أنه في حال وافقت المحكمة عليه، تتأخر الوزارة بإصدار قرار الإلغاء.

بعد إلغاء التصريح، يعطى العامل عادة مدة شهر لتصويب أوضاعه، ليجد خلالها عملاً جديداً يصدر صاحبه تصريح العمل، أو يصدر العامل نفسه تصريح عمل حر في قطاع الإنشاءات أو الزراعة.
 
يستند محامي العامل إلى المادة 29 التي تتيح للعامل ترك مكان العمل دون إبلاغ صاحبه في حال طالب صاحب العمل دفع ما تبقى من أجور العقد بين الطرفين.

ورغم ذلك، يضطر العديد من العاملين أو العاملات إلى دفع مبالغ مادية لصاحب العمل حتى يخلي طرفه منه، بعد العثور على صاحب عمل آخر يعمل لصالحه ويوقع على تصريح العمل.

من جهتها أوضحت وزارة العمل أنّه "لا توجد تعليمات أو نظام خاص بما يسمى بـ"الكفيل" والاعتماد يكون على العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل والقانون ساري المفعول والأنظمة الصادرة بموجبه".

وبينت الوزارة، في ردها، من خلال حق الحصول على المعلومات الذي تقدم به معد التقرير، أنّ الإجراء يكمن بالتحقق من شكوى العمال، ولا فرق في ذلك بين الأردنيّ والمهاجر، إذ بلغ إجمالي الشكاوى التي تتعلق بإجبار العامل بالقيام بأعمال لا تتعلق بطبيعة العمل 1409 شكاوى بين حزيران 2020 وآب 2021

وبحسب الوزارة، فإنّ مجموع أعداد تصاريح العمل سارية المفعول 270246 تصريحا، منها 144777 لعمالة مصرية بنسبة تتجاوز 53%، حيث تحصلت العمالة المصرية على 55938 تصريح عمل زراعيّ حتى السابع من آب الماضي.

من جانبها، تصنف منظمة العمل الدولية الأردن بأنه "أحد بلدان الشرق الأوسط العاملة في نظام الكفالة رغم عدم ذكره في التشريع"، إلّا أنّ القيود الموضوعة على العمالة المهاجرة "تمنعهم من حق التنقل في سوق العمل"، بحسب ورقة بحثية أعدها مكتب المنظمة الإقليمي في عمّان.

وأوضحت الورقة أنّ الأردن واحد من البلدان التي برتبط أصحاب العمل فيها بأوضاع العامل المهاجر بشكل مباشر، كالدخول إلى البلاد وتجديد التصريح وإنهاء الاستخدام والانتقال إلى صاحب عمل آخر خلال إجازة العامل.

ووفقاً للورقة، التي حملت عنوان "علاقات أصحاب العمل بالعمال المهاجرين في الشرق الأوسط" فإنّ السماح للعمال المهاجرين بتغيير أصحاب العمل يسهم في تحسين أداء سوق العمل ويضمن تماثل مهارات العمالة وحاجات الصناعة الوطنية.

وذلك سيضمن "ظروف عمل أفضل للعمال المهاجرين من خلال تنافسية أصحاب العمل على ذوي المهارات، ناهيك عن معالجة مسائل العمال غير المنظمين بغير ذنب منهم، وإذا ما كان ذلك سيزيد من التكاليف والأعباء الإدارية كالترحيل أو العفو".

ولاحظت الورقة، التي صدرت في أيار 2017، أنّ أنظمة الكفالة، أو الإجراءات التي تقوم مكانها، قد تُفقد العامل حقه في اللجوء إلى القضاء في حال تعرض لانتهاكات من أصحاب العمل، لأنّ عقد عمله وإقامته بيد صاحب العمل نفسه، ما يجعله عرضة لخطر مخالفة أنظمة وقوانين الإقامة.

وأوصت الورقة بتشكيل لجنة ثلاثية تمثل أصحاب العمل والعمّال المهاجرين والحكومة، وذلك لغياب طرف العمالة المهاجرة عن المفاوضة الجماعية والحوارات الثلاثية، إضافة إلى ضمان حقه باختيار صاحب العمل الذي يريده وفي مغادرة البلاد دون موافقة صاحب العمل.