الرئيسية > طلبة التدريب المهني.. أطفال يتعرضون لإصابات عمل بقطاعات خطرة

طلبة التدريب المهني.. أطفال يتعرضون لإصابات عمل بقطاعات خطرة

الخميس, 15 تموز 2021
النشرة الالكترونية
Phenix Center
طلبة التدريب المهني.. أطفال يتعرضون لإصابات عمل بقطاعات خطرة
المرصد العمّالي الأردنيّ – أحمد الملكاوي 
في خريف عام 2018، كان إياد منصور ذو الـ16 عاماً قد باشر العمل في إحدى ورشات النجارة في مدينة إربد خلال فترة التدريب الميداني ضمن برنامج مؤسسة التدريب المهنيّ، مستبشراً بتعلمه لـ"المصلحة والصنعة" والحصول على دخل يعوضه عن الدراسة التي لم يرغب باستكمالها.

بعد نحو أسبوعين من بدء العمل في المنجرة والتطبيق العمليّ الذي يعقب البرنامج النظري، تعرض إياد لبتر جزئي في إصبعين وكسور وتقطع أوتار طاولت يده وأربعة أصابع جراء انزلاق يده في (مشرحة الخشب) وبات اليوم في التاسعة عشر من عمره يعاني من عجز في جزء من يده.

هذا حال أحد الطلبة المتدربين ضمن معاهد مؤسسة التدريب المهنيّ يضاف إليها إصابات عمل طاولت 150 طالباً خلال السنوات الثلاث الأخيرة، رغم حظر تشغيل الأطفال من 16 إلى 18 عاماً في القطاعات الخطرة وفقاً للمادة 74 من قانون العمل، ومنها النجارة، المصنفة بالمهنة الخطرة في قائمة مؤسسة الضمان الاجتماعيّ وما زالت البرامج التدريبية تطرح في ورشات خارج مشاغل المؤسسة.

نقل صاحب الورشة إياد إلى أقرب مركز طبيّ ثم إلى مستشفى، لعلاج الإصابة، وتفادي ما قد يحدث لطفل أكمل السادسة عشر عاماً قبل أيام من الحادثة، وعولج من خلال الجبس والأدوية بعد أن نزفت يداه دماً كثيراً، ليراجع المستشفى بعد ذلك عدة مرات، لتغيير اللاصقات على الجرح وتعقيمه، التي كلفت 5 دنانير للمرة الواحدة، هذا غير ما تقاضاه المركز الطبي لقاء الخدمة.

تطوع صاحب العمل أيضاً بدفع تكاليف العلاج، ورافق إياد في معظم مراجعاته إلى المستشفى، في حين رفض ذووه أن يدفع تعويضا إضافياّ، وتكفلوا به حتى لا يثقلوا كاهله، فدفع صاحب العمل تكاليف الذهاب والمجيء والعمليات الصغرى.

قدم إياد فواتير المستشفيات والعلاجات للمؤسسة، فاكتفت بتقديم شيك بقيمة 86 ديناراً بدل العلاجات، علماً أنّ مراحل المراجعة كلفت الكثير فضلاً عن إنقاذه بالتأمين الصحي من التنمية الاجتماعيّة، ولم تعترف المؤسسة بفواتير العلاج الطبيعي في مراكز القطاع الخاص.

عاد الطفل المصاب، بعد شفائه من الإصابة، بحمل كبير من التردد عند كل محاولة يقترب فيها من "مشرحة الخشب" خوفاً من تكرار الحادثة وخسارة إصبع جديد أو أجزاء من يده، "كل ما اردت أن أشتغل يشدني شيء ما للوراء ويقول لي لا تقترب".

ولم يلبث انّ حصل على الشهادة في مهنة النجارة، غيرأنه تحول إلى مهنة تركيب أجهزة التكييف والتبريد، التي، وإن كانت تتطلب بنية جسدية كبيرة، لكن نسبة الخطورة فيها تبقى أقل من ورشات النجارة، خصوصاً وأنّ العديد من أصحاب هذه الورشات يعطلون أنظمة الأمان في الآلات لضمان عدم توقفها كل ما اقتربت منها الأيدي.

لم يترك عمله في ورشة النجارة لسوء تعامل من قبل صاحب العمل، فهو حتى اللحظة يزوره بين حين وآخر، ويطالبه بالزيارة المستمرة إن لم يرغب بالعمل "للأمانة صاحب المنجرة ما قصر معي وللآن يطمئن على صحتي وأزوره كثيرا.. لكن شغلة النجارة طلعت من نفسي".

يقول إياد لـ"المرصد العماليّ" إنّ العديد من الورشات توفر أدوات سلامة مهنية، دون النظر إلى تطبيقها، فأنظمة الأمان في الآلات يتم تعطيلها لأنّها تتوقف بشكل تلقائي في حال اقتربت الأيادي منها.

المشكلة تفاقمت لأنّ مؤسسة التدريب المهنيّ لا توفر نظاماً صحيّاً واضحاً لهؤلاء الطلبة فضلأً عن عدم إشراكهم في الضمان الاجتماعيّ عند عملهم، وفق إياد، فالطلبة يتعلمون مناهج خاصة وأساسية كل فصل حول التعامل مع أدوات الصحة والسلامة المهنية وأهميتها، الّا أنّ المشكلة تكمن في عدم تطبيقها داخل منشآت التدريب، حيث تتواجد أحياناً دون استخدامها وبخاصة أنظمة الأمان في الآلات، وهذا ما يحدث فعلاً، فنحو 150 إصابة عمل حدثت مع طلاب ضمن البرنامج خلال أعوام 2019 و2020 و2021.

أنقذ التأمين الصحي الحاصل عليه إياد بموجب التنمية الاجتماعية خلال المراجعات حتى بعد بلوغه 18 عاماً حين حصل على تأمين عجز جديد إثر إصابة عمله نفسها.

شكا إياد، خلال حديثه لـ"المرصد العماليّ"، من كيفية اختبار مدى التزام المنشآت بالصحة والسلامة المهنية واعتمادها من قبل المؤسسة في حين يصاب عدد من الطلبة بإصابات عمل كما حدث مع أحد زملائه الذي احترق جزء من وجهه نتيجة انفجار خزان للغراء بإحدى الورشات، لعدم تأمين الأدوات الواقية له، وقد تمت معالجته.

مؤسسة التدريب المهنيّ ردت بأن الطلبة عادة يزودون الإدارة بفواتير علاجهم الخاصة بإصابة العمل ومن ثم لشركة التأمين التي تسدد الفواتير للمتدرب طيلة فترة العلاج، الّا أنّ هذا لم يحدث مع إياد؛ إذ اكتفت بتعويضه عن فاتورة علاجه بمبلغ 86 ديناراً فقط.

ويقول الناطق باسم المؤسسة جميل القاضي، في رده على أسئلة "المرصد العماليّ"، إنّه لا فرق بين الإصابة في مشاغل المؤسسة او لدى صاحب العمل، لأنّ المتدربين مؤمنون ضد إصابات العمل لدى شركة التامين بغض النظر عن مكان وقوع الإصابة.

أما عن اختيار أماكن التدريب، وفق القاضي، فيكون ذلك بناءً على عدة معايير تضعها المؤسسة، توجد فيها التسهيلات التدريبية المناسبة لتنفيذ البرنامج التدريبي في موقع العمل، والمشاركة في تقييم أداء المتدربين ودفع بعض الحوافز أو الأجور لهم، ومدى مساهمته في تدريب الخريجين.

في هذا السياق يؤكد المختص في شؤون الصحة والسلامة المهنية أسامة شديفات أنّ الأطفال بحاجة إلى معايير تحميهم بشكل أكبر من البالغين في مكان العمل، فهم لا يتمتعون بذلك الإحساس الكبير بالمسؤولية أو مدى خطورة عدم التقيد بأدوات السلامة.

ويبين شديفات، في حديثه لـ"المرصد العمّالي" أنّ ذلك أحد الأسباب وراء منع عمل الأطفال بأي شكل كان قبل بلوغهم سن السادسة عشر، في الوقت الذي لابدّ من توفير فرق تفتيش شبه يومية على المنشآت التي تدرب الطلبة لضمان عدم إلحاق الضرر بهم.

كما أن برامج مؤسسة التدريب المهنيّ ما تزال بحاجة أكبر إلى فرق تفتيش وضباط ارتباط وتكثيف الرقابة على هذه الوسائل، وتركيز عملهم على القطاعات غير الخطرة، وفق شديفات.

فضلاً عن ذلك فإنّ هذه الفئة ما تزال تحت بند الطفولة ولا يجوز تشغليها أصلاً في المهن الخطرة، والأولى جلب الفنيين والحرفيين من ذوي الخبرة لتدريبهم على العمل داخل مشاغل المؤسسة لضمان عدم تعريضهم للخطر أو إهمال أدوات السلامة والصحة المهنية.

واليوم، بات على مؤسسة التدريب المهنيّ إعادة النظر بتدريب هذه الفئة، لأن العديد من أصحاب العمل في القطاعات الخطرة لا يأبهون لتأمين الصحة والسلامة المهنية، فضلاً عن قلة الجولات التفتيشية لوزارة العمل على هذه المنشآت؛ حيث تركز معظمها على العمالة المهاجرة وضبط المخالفين فيها، بحسب ورقة سياسات أصدرها المرصد العمالي.

وكانت ورقة سياسات من إعداد مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية خلٌصت إلى أن نقص الموارد والبُنية الضعيفة لمؤسسة التدريب المهني يحدان من إمكاناتها، وعدم جاهزية المرافق بشكل جيد، وضعف جودة التعليم، مما يضعف الاستجابة لاحتياجات سوق العمل.

وحذرت الورقة من أن الافتقار إلى الإرشاد الوظيفي خلال المراحل التعليمية، وبالأخص في مراحل مبكرة، يعيق معرفة الشباب بالخيارات المهنية المتاحة، ما يجعل أفراد الأسرة هم المصدر الأساسي للإرشاد الوظيفي للطلاب الشباب المهتمين بهذه الخيارات.