الرئيسية > "أطباء الإقامة" يئِنون تحت وطأة نظام العمل بلا أجر

"أطباء الإقامة" يئِنون تحت وطأة نظام العمل بلا أجر

الثلاثاء, 06 تموز 2021
النشرة الالكترونية
Phenix Center
المرصد العمالي الأردني - مراد كتكت 
ما تزال قضية أطباء الإقامة في المستشفيات الخاصة والجامعية والخدمات الطبية محل اهتمامٍ وغضبٍ واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، فهم يجدفون في بحرٍ لا نهاية له وسط انتهاكاتٍ وصفوها بـ"العبودية" تقرض سفينتهم شيئاً فشيئأ.

هؤلاء الأطباء، كما أشرنا في تقريرٍ صحفي سابق حول القضية، لا يتمتعون بأبسط حقوقهم بسبب نظام الإقامة غير مدفوع الأجر "unpaid"، الذي اعتبره الأطباء نظام "استعباد وإستغلال" تمارسه المستشفيات عليهم، إذ أن فترة إقامتهم في المستشفيات تراوح بين الـ5 والـ7 سنوات ليحصلوا على الاختصاص في المهنة، دون أي أجر طيلة هذه الفترة، رغم عملهم لساعات طويلة قد تجاوز الـ100 ساعة في الأسبوع.

عمل بلا رواتب وحقوق مهدورة
تقول أمل (اسم مستعار)، إحدى الطبيبات المقيمات في مستشفى الجامعة الأردنية، إن حالة أطباء الإقامة صعبة جداً وهي أشبه بـ"العبودية"، كونهم لا يتقاضون أي أجر، وساعات العمل طويلة قد تجاوز الـ100 ساعة في الأسبوع، ناهيك عن ضغط العمل الذي يقع على كاهلهم.

وتشير أمل إلى أن هناك "تغولاً" كبيراً من قبل إدارة المستشفيات، إذ أن بعضها يجبر الطبيب على دفع مبالغ طائلة مقابل التدريب، تراوح بين الـ1200 دينار والـ3000 دينار، وذلك حسب كل إختصاص، ولفتت إلى أنها تدفع للمستشفى مبلغ 2000 دينار مقابل تدريبها.

وتوضح أنها لجأت إلى نظام الـ"unpaid" غير مدفوع الأجر كونه الخيار الوحيد الذي كان أمامها، نظراً لعدم توفر مقاعد إقامة بنظام الـ"paid" مدفوع الأجر في المستشفيات.

أما علاء (اسم مستعار)، طبيب مقيم في أحد مستشفيات الخدمات الطبية، يقول إن فكرة نظام الـ"غير مدفوع الأجر" غير منطقية، نظراً لساعات الدوام الطويلة والمناوبات التي قد تجاوز مدتها الـ38 ساعة متواصلة.

ويتحدث علاء عن الحالة الصعبة التي يعيشها قائلاً: "أعمل نحو 90 ساعة في الأسبوع مع المناوبات، وأحيانا أكثر من ذلك، وضغط العمل كله يقع علينا، وكل ذلك الجهد دون أي مقابل".

ويؤكد أن جميع الأطباء المقيمين في الخدمات الطبية غير مشمولين بالحمايات الاجتماعية كالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، ما يجعلهم غير قادرين على تحمل تكاليف علاجهم حال تعرضهم لإصابات أو أمراض.

مقارنة مع دول أخرى
تقول نادين الجلاد، طبيبة مقيمة بأحد المستشفيات في بريطانيا، إن هناك إجحاف كبير بحق الأطباء المقيمين في الأردن، وأن هذا النظام لا يحترم مهنة الطب، ولا يحترم الجهد المبذول من الأطباء.

وتتحدث الجلاد عن تجربتها في بريطانيا قائلة: "صحيح أن هناك إرهاق في العمل، لكن يوجد احترام لهذا الجهد، وجميع الأطباء المقيمين في بريطانيا يتقاضون رواتب لا تقل عن 2500 جنيه استرليني طيلة فترة الإختصاص، أي ما يقدر بـ 2500 دينار تقريباً، وحتى سنتي الامتياز التي يجتازها الطبيب قبل الاختصاص تكون مدفوعة الأجر".

وتوضح الجلاد لـ"المرصد العمالي" أن أي طبيب يعمل ساعات إضافية أو مناوبات ليلية يتم احتسابها في الأجر، وبعد خمس سنوات من خدمة الطبيب في القطاع الحكومي يتم زيادة راتبه، هذا غير العطل الأسبوعية التي يحصلون عليها.

وتشير إلى أن نظام "غير مدفوع الأجر" في الأردن دفع الأطباء إلى الهجرة، لأن هناك فرقا شاسعا بين الدول الأخرى والأردن من حيث الأجور واحترام المهنة والجهد المبذول.

أعداد خريجي كليات الطب مقارنة بمقاعد الإقامة
من جهتها، تقول الدكتورة أسيل الجلاد الأخصائية في المستشفى الاستشاري، إن برامج الإقامة في الأردن تنقسم إلى نوعين، أولها برنامج الـ"مدفوع الأجر" للأطباء المعينين بعقود في مستشفيات وزارة الصحة وبعض المستشفيات الخاصة، والآخر هو الخاص ببرامج "غير مدفوع الأجر" .

وترى الجلاد أن مشكلة هذا النظام تكمن في الفائض الكبير من خريجي كليات الطب سنوياً، في ظل محدودية مقاعد الإقامة مدفوعة الأجر لدى المستشفيات.

ويصل عدد خريجي كليات الطب إلى ما يقارب الـ 2500 طالب سنويا، هذا غير الخريجين من الدول الأخرى، في حين يبلغ عدد مقاعد الإقامة المدفوعة وغير مدفوعة الأجر من 1100 إلى 1200 مقعد سنوياً.

وتبين الجلاد لـ"المرصد العمالي" أن مقاعد الإقامة مدفوعة الأجر السنوية غير قادرة على استيعاب هذا الكم الهائل من الخريجين، لذلك يلجأ الطلبة الذين لم يحظوا بمقعد إقامة إلى نظام غير مدفوع الأجر كخيار وحيد أمامهم.

وتبين أن المستشفيات الخاصة ملزمة بأن تأخذ مقعدين أو ثلاثة لكل اختصاص سنوياً، في حين أن المستشفيات الجامعية تأخذ سنوياً نحو 15 مقعداً لكل اختصاص.

وتعتقد الجلاد أن الحل هو تقليل عدد الخريجين من كليات الطب، والاكتفاء بعدد يتناسب مع عدد مقاعد الإقامة المتوافرة في المستشفيات.

وتشير إلى أن أغلب الطلبة الخريجين من كليات الطب يلجأون إلى الاختصاص بسبب تدني أجر الطبيب العام، لأن الطالب عندما يتخرج يكون أمامه طريقان، إما التوجه إلى الاختصاص أو الاكتفاء بالطبيب العام الذي يعتبر "مقدم خدمة" في المستشفيات.

حملة "هجرتونا" تندد بالنظام  
 أطلق العشرات من الأطباء المقيمين العاملين بدون أجر اخيرا حملة إلكترونية تحت شعار "هجرتونا"، كنوع من التعبير غما يتعرضون له من إجحاف وتغول وعمل بـ"السخرة" من قبل إدارات المستشفيات والتعدي على حقوقهم.

ويقول منسق الحملة محمد عبد الرحمن إن الحملة تهدف إلى وقف وإلغاء نظام الـ"غير مدفوع الأجر" الذي يأتي "استغلالاً لحاجات الأطباء للمقاعد المتوافرة في المستشفيات"، بيد أن المقاعد مدفوعة الأجر قليلة نوعاً ما مقارنة بأعداد خريجي كليات الطب سنوياً.

وتأتي الحملة أيضاً، وفق عبد الرحمن، للدفاع عن حقوق الأطباء المقيمين كافة، كأحقية حصولهم على أجور شهرية وشمولهم بالحمايات الاجتماعية، وتنظيم عملهم من حيث ساعات دوامهم والإجازات الأسبوعية، وتنظيم علاقة الطبيب ببرنامج الإقامة، وذلك من خلال إصدار نظام خاص بهم من قبل المجلس الطبي الأردني.

ويوضح عبد الرحمن لـ"المرصد العمالي" أن القائمين على الحملة خاطبوا الجهات المعنية كافة، مثل وزارة الصحة ووزارة العمل ولجنتي الصحة في مجلسي النواب والأعيان، والمجلس الطبي، دون أي استجابة، وكل جهة كانت ترمي المسؤولية على جهة أخرى.

ويؤكد أنهم مستمرون بالحملة حتى يتم إنصافهم وتحقيق جميع مطالبهم وحقوقهم، وأنهم سيلجأون إلى الاعتصامات والمسيرات الاحتجاجية حال لم تتم الاستجابة لهم.

موقف نقابة الأطباء 
من جانبه، يؤكد القائم بأعمال نقابة الأطباء محمد رسول الطراونة، رفضه لهذا النظام، الذي "يستغل حاجات الأطباء للاختصاص" وفق وصفه.

ويوضح الطراونة في تصريح إلى "المرصد العمالي" أن هذا الموضوع قديم لكنه تجدد، خصوصاً بعد الحملات التي أطلقها الأطباء المقيمون نظراً للظلم الذي يتعرضون له من المستشفيات.

ويشدد الطراونة على ضرورة وضع تشريع أو نظام خاص من قبل المجلس الطبي، يحدد الوصف الوظيفي لهؤلاء الأطباء في كل سنة من سنوات إقامتهم، وتحديد المهام والواجبات الموكلة إليهم، وبنفس الوقت تحديد حقوقهم كافة.

ويشير إلى أن نظام الـ"غير المدفوع" مخالف تماماً لأنظمة نقابة الأطباء، ويؤكد أنه من "حق كل طبيب أكان مقيما أو عاما أو اختصاصيا مسجلا لدى النقابة وحاصلا على مزاولة مهنة، أن يعمل مقابل أجر"، وفق قانون النقابة.

ويلفت الطراونة إلى أن المطلوب أيضاً، زيادة عدد مقاعد الإقامة بما يتناسب مع أعداد خريجي كليات الطب، مبيناً أن المجلس الطبي هو المسؤول الرئيس بكل ما يتعلق بأطباء الإقامة.

من ناحية قانونية
مدير بيت العمال حمادة أبو نجمة كان قد أوضح لـ"المرصد العمالي" في تصريح سابق، أن هذا النظام لا ينسجم ولا يتواءم مع قانون العمل ما دام أن هؤلاء الاطباء يعملون لساعات طويلة، مشيراً الى ان هذا النظام يستغل الأطباء ولا يعتبرهم إلا متدربين.

ويبين أبو نجمة أنه لا يوجد في هذا النظام اي برامج تدريبية لهؤلاء الاطباء، لأن المتدرب عادة يجب أن لا يعمل أكثر من 6 أو 7 ساعات يومياً، وهؤلاء الأطباء يعملون لساعات قد تجاوز الـ 10 ساعات يومياً.

وشدد على أنه يجب إعطاؤهم جميع حقوقهم وصرف رواتب لهم وشمولهم بالحمايات الاجتماعية، لافتاً إلى ان رواتبهم يجب ألا تقل عن رواتب باقي الأطباء لأن العبء الكبير يقع عليهم.
ويصل عدد المستشفيات في المملكة إلى 117 مستشفى، منها 69 في القطاع الخاص، و31 في القطاع الحكومي، و15 مستشفيات عسكرية، ومستشفيين جامعيين إثنين.