الرئيسية > عمل الأطفال.. بيئة يشوبها "التحرش الجنسي"

عمل الأطفال.. بيئة يشوبها "التحرش الجنسي"

الاثنين, 14 حزيران 2021
النشرة الالكترونية
Phenix Center
عمل الأطفال.. بيئة يشوبها

المرصد العمالي الأردني – نديم عبد الصمد 

لم تخفِ والدة "رضا" صدمتها عندما لاحظت وجود بقعاً من الدم والإفرازات على جسد طفلها ذي الـ"15 عاما"، الذي يعمل في بقالة جنوب العاصمة عمان. 

"على مدى أيام رأيت بقع دم، وشخصية الولد تغيرت؛ أسلوبه في الحديث وطريقة التعامل معنا، كله تغيّر". 

ربطت "عايدة" (اسم مستعار) التغيير الذي طرأ على شخصية ابنها بطريقة تعامله مع أفراد العائلة، وما شاهدته على ملابسه الداخلية، عندها "أجبرته" على التحدث بما يحصل معه، لتكتشف لاحقا أن ابنها (في الصف التاسع) يتعرض للتحرش الجنسي من قبل أصحاب العمل. 

حالة "رضا" هي واحدة من أربع حالات وثقها "المرصد العمالي الأردني"، عن طريق معالجين وميسرين في منظمات مهتمة بمكافحة عمل الأطفال في الأردن، تعاملوا مع أطفال تعرضوا للتحرش في بيئة العمل. 

تقول نيرمين سعادة، مديرة مركز "عوافي" في "جمعية أثر للتنمية الشبابية"، إن هوية الطفل في عمر صغير تكون قيد التشكيل، ومن السهل التأثير عليها وتغييرها، لذلك "على الأهالي مراعاة ظروف تكوين أطفالهم في المنزل وخارجه". 

وتنبه سعادة إلى خطورة عمل الأطفال، مهما كان العائد منها، وتوضح ذلك بأن "عمل الأطفال، كأنك تطلب من الطفل أن يكبر جسديا لكن خصائصه النمائية (خصائص معينة لكل مرحلة عمرية) ما تزال صغيرة". 

وتلفت سعادة، في حديثها إلى ـ"المرصد العمالي الأردني" أن احتمالية التعرض لخطر التحرش يزيد أثناء عمل الأطفال، إذ يُتركون وحدهم دون متابعة من أهاليهم، وترى أن دور الأهل هنا يكمن في "ملاحظة التغيير على سلوكيات أبنائهم". 

"قد يصاب الطفل باضطراب ما بعد الصدمة، ويؤثر ذلك على نومه وحياته الاجتماعية وحتى طريقة تفكيره"، تصف سعادة حالة بعض الأطفال النفسية بعد تعرضهم للتحرش.

ابن "عايدة" هو واحد من بين أكثر من 70 ألف طفل يعملون في الأردن، قبل جائحة كورونا، وتشير توقعات الخبراء والأبحاث إلى أن هذا الرقم تضاعف خلال الجائحة بسبب ما فرضته من تفاقم في التفاوت الاجتماعي لجهة تآكل المداخيل وتزايد معدلات الفقر، نتيجة فقد الآلاف من معيلي الأسر وظائفهم. 

تحذر سعادة من انخراط المزيد من الأطفال في سوق العمل، وتعرضهم لانتهاكات "مسكوت عنها". ويقول مصدر أمني لـ"المرصد" إن أغلب الحالات التي يجري التبليغ عنها تكون بعد وقوع حادثة الاغتصاب، وأن الأهالي لا يلجأون إلى التبليغ عن حالات التحرش الجنسي بأطفالهم، خوفا من الوصمة المجتمعية. 

لا تنفي نور سكجها، مؤسِّسة مبادرة "فتحولي عيوني" لمناهضة الإساءة الجنسية للأطفال بالأردن، ما جاء به المصدر الأمني، لكنها في ذات الوقت ترجِع سبب زيادة التحرش بالأطفال إلى ثقافة عائلاتهم أنفسهم، و"الخوف من التبليغ". 

 وتشدد على أنه "إذا أردنا أن نبني مجتمعا يمتلك أفراده الجرأة على أن يبلغوا عن الإساءات وهم كبار، فيجب أن يتعلموا منذ الصِّغَر أهمية التبليغ عنها وضرورتها". 

بهذه الكلمات انتقدت سكجها التربية الجنسية لدى الأطفال في المدارس، إذ تعتبر أن النظام التعليمي يفتقر إلى التربية الجنسية، ومفاهيم مثل حماية الجسد ورفض التحرش والتبليغ"، وتشرح بالقول إنّ الطفل يجب أن يعرف حقوق جسده، وأن يتعلم كيف يقوم بتبليغ والدته على الأقل في حال الإساءة".

"التربية الجنسية من المفترض أن تبدأ من عمر الأربع سنوات، وفي الأردن يتم القفز عن درس الأحياء الذي يتحدث عن أعضاء الجسد، بسبب تحرج معلم/ة الصف"، تقول سكجها لـ"المرصد العمالي الأردني". 

الأرقام والإحصاءات، وحتى التقارير الرسمية والصحفية، شحيحة، فيما يتعلق بالتحرش الجنسي بالأطفال وتحديدا في بيئة العمل. إذ تكاد الأرقام تكون غير موجودة حول الإساءة للأطفال في الأردن. 

ووفقا للناطق باسم وزارة التنمية الاجتماعية أشرف خريس، لـ "المرصد العمالي الأردني" فإن الحالات التي تعرضت للتحرش وتستقبلها وزارة التنمية الاجتماعية، لا يجري تصنيفها وفق القضية التي جاءوا من أجلها، وذلك حفاظا على كرامة الطفل. 

وتشير نتائج الدراسة التي أعدتها اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة عام 2017 بعنوان "ظاهرة التحرش في الأردن" يمكن أن تؤدي الجرائم الجنسية، بما فيها التحرش الجنسي أثناء الطفولة، إلى زيادة احتمال اكتساب سلوكيات مثل التدخين وإدمان المخدرات والكحول وانتهاج سلوكيات جنسية خطرة في مرحلة لاحقة". 

وفقا للمادة 306 قانون العقوبات الأردني، "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر كل من عرض فعلاً منافياً للحياء أو وجه أي عبارات أو قام بحركات غير أخلاقية على وجه مناف للحياء بالقول أو الفعل أو الحركة أو الإشارة تصريحاً أو تلميحاً بأي وسيلة كانت متى وقع الاعتداء على شخص لم يكمل الثامنة عشرة من عمره".

ورغم أن قانون العمل الأردني ينص على منع عمل الأطفال ممن لم يكملوا سن السادسة عشرة من عمرهم، في المادة رقم (73)، لكن تبقى الحاجة ملحّة لإيجاد تشريع وطني جامع، مثل قانون حقوق الطفل، الذي ما يزال يتنقل بين أدراج الحكومة منذ العام 1998. 

وتنبع أهمية قانون حقوق الطفل من كونه يعمل على تجويد الخدمات المقدمة للأطفال، إذ تشير المادة رقم (15) من مسودة قانون حقوق الطفل الأخيرة، التي صدرت مطلع عام 2020، على "منع الممارسات الضارة بصحة الطفل بما في ذلك عمل الطفل". 

وتبين المادة رقم (43) من المسودة الحالات التي تهدد صحة الطفل أو سلامته البدنية والمعنوية، ومنها الإساءة الجنسية "تعريض الطفل لأي من أشكال البيع أو البغاء، أو الاستغلال في المواد الإباحية أو أي شكل آخر من أشكال الإساءة الجنسية". 

وضبطت فرق التفتيش التابعة لوزارة العمل العام الماضي، 503 حالات عمل أطفال خلال زيارات تفتيشية، فيما ضبطت 467 حالة عام 2019، أي أن نسبة الحالات التي ضبطتها فرق وزارة العمل العام الماضي زادت عن سابقه بـ 7,7 بالمئة، بالرغم من الإغلاقات التي شهدتها المملكة عام 2020.

وبلغ عدد الأطفال العاملين بالمملكة 76 ألف طفل عامل، وفق احصاءات عام 2016، ويرجح أن هذه الأرقام قد تزايدت جراء الفقر وتوقف أعمال الكثيرين بعد جائحة كورونا.