الرئيسية > عمالة الأطفال الأسرية تثير جدلا مجتمعيا

عمالة الأطفال الأسرية تثير جدلا مجتمعيا

الثلاثاء, 08 حزيران 2021
النشرة الالكترونية
Phenix Center
عمالة الأطفال الأسرية تثير جدلا مجتمعيا
المرصد العمالي الأردني – سارة القضاة ورزان المومني
تثير مسألة عمل الأطفال لدى أسرهم جدلا واسعا بين الأسر من جهة، والمهتمين بحقوق الطفل من جهة أخرى.

إذ يذهب الأهالي إلى أن عمل الأطفال يجعلهم أقوى ويزيد من خبرتهم في الحياة وفهمهم لها للتعامل معها، في حين يرفض المختصون التربويون والنفسيون عمالة الأطفال أيّاً كان شكلها. ويعللون ذلك بأنه "يحرمهم من حقهم في الحياة والتعلم واللعب".

وساهم في توسّع هذا الجدل غياب النصوص في قانون العمل الأردني، فيما يخص عمل الأطفال مع أهلهم.

ويعد الحد من عمالة الأطفال أحد المبادئ والحقوق الأساسية الأربعة في العمل لإعلان منظمة العمل الدولية الصادر عام 1998، كما يمثل الغاية السابعة من الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة 2030 الذي نص على: "اتخاذ تدابير فورية لضمان حظر واستئصال أسوأ أشكال عمل الأطفال، يما في ذلك تجنيدهم واستخدامهم كجنود، وإنهاء عمل الأطفال بجميع أشكاله بحلول عام 2025". 

جولة سريعة..
ولو جُلت قليلا في أيٍّ من الأسواق الشعبية في الأردن، والمحلات التجارية، وبخاصة تلك الموجودة في القرى بعيدا عن مرأى المفتشين، لوجدت عددا كبيرا من الأطفال يعملون في مجالات مختلفة، صُنف بعضها بالخطرة.

وفي عمّان، تابعت واحدة من مُعدات التقرير حالة صاحب محل طيور، يشغّل ستة أطفال من إخوته وأبناء عمومته، معه في متجره، لا يتجاوز عمر أكبرهم الـ17 عاما.

يقول ثائر (اسم مستعار) أن تشغيل إخوته معه كان برغبة منهم دون إجبار، فبعد إغلاق المدارس بسبب جائحة كورونا اضطر الأطفال إلى الجلوس في المنازل دون فائدة، على حد تعبيره.

يعاون الطفل الأكبر، ذو الـ17 عاما، إبن عمته في عمليات السلخ والتقطيع، وفي حديثه إلى "المرصد العمالي الأردني" يقول: لا أجد مشكلة في عملي هذا، فأنا شابٌ وأستطيع الاعتماد على نفسي.

يتقاضى الأطفال العاملون مع ثائر4 دنانير في نهاية اليوم، كمصروف شخصي لهم.

وفي مشهد آخر، في عمّان أيضا، يعاون محمد (11عاما) والده في البيع على البسطات، قُرب واحد من أكثر شوارع عمان خطورة، حيث يستلم إحدى البسطات التي يملكها والده.

يقول الطفل محمد أنه "غير مرتاح" في العمل بهذا المجال، لكنه يضجر من الجلوس في المنزل، وعلى الرغم من الجو الحار، إلّا أنه يفضل العمل على الملل.

ويوضح محمد أنه يتقاضى في نهاية اليوم 5 دنانير، أو "حسب البيع"، حيث يكافئه والده بزيادة الأجر إذا زادت المبيعات.

يريد إياد الكبيسي، العراقي المقيم في الأردن منذ سنوات، لإبنيه عبدالله (15عاما) وعبدالرحمن (13عاما)، وبرغبة منهما، أن يعملا معه في بيع اللوحات والحرف اليدوية.

يصبح الطفل العامل يعتمد على نفسه أكثر؛ وبخاصة إذا كان العمل مع الأهل، تتغير طريقة تفكيره، وفهمه للحياة، "أريدهم يرضعون العمل من همّه صغار لحتى يكبرون عارفين كل شي" يقول إياد لـ"المرصد العمّالي".

كان الطفلان قبل جائحة كورونا يعملان في أيام العطلة، وبعد الجائحة وإغلاق المدارس، وما تبعها من أوقات فراغ طويلة، أصبحا يعملان بشكل مستمر ولمدة ثماني ساعات، وفي بعض الأحيان لساعات أقل،" ما ريد أولادي يخرجون إلى الشارع أو يظلون على الألعاب الإلكترونية" يضيف إياد. 

ويعمل عبدالله وعبدالرحمن في ترتيب اللوحات والمناظر والأدوات، وتعريف الأشخاص باللوحات وما تعنيه، ومن هو الفنان الذي رسمها، ويأخذان الأشخاص في جولة بين التحف اليدوية. 

وهما يحبان العمل مع والدهما، "ما أثّر العمل مع والدي على دراستي وعندما أعود إلى البيت أدخل على المنصة وأتابع دروسي وأحل واجباتي"، يقول عبدالله لـ"المرصد العمّالي".

ويرى عبدالله أن مساعدة العائلة في تأمين الدخل شيء جيد، ولا يحبذ أن  يطلب من والده في كل مرة يريد فيها شراء أي شيء، وييلفت إلى أن بعض الأطفال تجبرهم الظروف على العمل في أماكن غير جيدة، وعند أشخاص سيئين، ولا يدفعون لهم أجرهم كامل، وهو يؤمن بأن هذا ظلم للطفل. 

أما عبدالرحمن، فيوضح أن والده يعلمه بأسلوب حسن، ويعطيه مساحة من الحرية، في حين لو كان يعمل عند شخص آخر من الممكن أن يصرخ عليه. وهو يعتقد أن العمل بشكل عام يجعل الشخص يكوّن نفسه دون أن يعتمد على أحد، "زي ما الآباء يعملون"، يضيف عبدالرحمن لـ"المرصد العمّالي".

يقول د. موسى المطارنة، استشاري نفسي وتربوي، أن الأطفال لهم متطلبات نمائية خاصة، واحتياجات نفسية من المفترض أن يتمتعوا بها، وهي حق ضمنته لهم الاتفاقيات الدولية. ويؤكد أن عمل الأطفال، حتى وإن كان مع أهلهم، فهو أسلوب خاطئ في التربية. 

وبتقديره، فإن الطفل بحاجة إلى اللعب وتنمية مهاراته، وهو ما لا تمنحه إياه بيئة العمل لأنها غير مهيأة لها. فهو "يدخل في بيئة غير قادرٍ على التعامل معها، أو أن يكتسب الخبرة النموذجية له ولحياته من خلالها" يشرح المطارنة  لـ"المرصد العمّالي".

وهو ينبه إلى أن العملية التربوية يجب أن تكون "ممنهجة"، وقد تكون بيئة العمل غير ممنهجة أو غير آمنة للأطفال، وهي غالبا ما تكون كذلك، وبمجرد أن تجعله يعمل فقد أغلَقت البيئة عليه، وجعلت تفكيره في العمل، دون أن يلتفت إلى حقه في حياة آمنة أو حقه في التعليم واللعب. 

ويقترح المطارنة على الأهل أن يأخذوا أطفالهم إلى المناسبات الاجتماعية والتفاعلية، كي ينمّوا مهاراتهم ويكتسبوا خبرات، بدل الخبرات التي يكتسبونها من العمل في سن مبكر، التي تؤثر على نفسيتهم. 

ويحظر قانون العمل الأردني تشغيل من هم تحت (16 عاما)، في حين لم يتطرق إلى الأطفال الذين يعملون مع أهلهم، وهو ما يفتح الباب على إجبار الأهل أطفالهم على العمل دون رادع؛ أي أنّ الأهل يكونون الحاكم والجلاد في نفس الوقت.

ولا تتوافر أرقام تحصر حجم عمالة الأطفال الأسرية، غير أنها تنتشر بوفرة في القرى، وبخاصة في الأسر التي تعتاش على الزراعة وتربية الماشية، وكذلك في مواسم الحصاد والقطاف. 

وسجلت عمالة الأطفال بالمجمل ازديادا ملحوظاً خلال السنوات الماضية، وجاوزت 70 ألفا، وفق أرقام صادرة عن منظمة العمل الدولية وبالتعاون مع دائرة الإحصاءات العامة، وذلك على الرغم من زيادة الغرامات المفروضة على مشغّلي الأطفال.

ووفق ورقة تقدير موقف صادرة عن مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية عام 2020، بعنوان "تحذيرات من تزايد عمالة الأطفال جراء أزمة كورونا المستجد"، فإن غالبية الأطفال العاملين ينتمون إلى أسر فقيرة،.

وهؤلاء تدفعهم حاجتهم لإخراج أطفالهم من المدارس، بهدف توفير مداخيل إضافية، تساعد هذه الأسر على تلبية حاجاتها الأساسية، دون التفكير بالأثر النفسي الذي يتركه على صحة أطفالهم، ناهيك عن أنهم في مرحلة نمو قد يؤثر العمل على أجسادهم؛ وبخاصة المهن الخطرة، كالعمل في الميكانيك والبناء.