الرئيسية > محمود.. قصة عامين من "العمل الجبري"

محمود.. قصة عامين من "العمل الجبري"

الخميس, 27 أيار 2021
النشرة الالكترونية
Phenix Center
محمود.. قصة عامين من
المرصد العمالي – سارة القضاة
على مدار عامين ونصف، تابع "المرصد العمالي الأردني" قصة لاجئ سوري عن كثب، بدأ حياته المهنية في الأردن كـ "فني ديكور" يعمل لحساب نفسه، وأصبح اليوم مرهونا في "عمل جبري" لا يستطيع تركه خوفاً من ضياع أسرته الصغيرة.
يعمل محمود (39 عاماً) الذي لجأ إلى الأردن عام 2012 بسبب الأزمة السورية لصالح نفسه منذ نهاية التسعينيات، عمل قبلها أكثر من 20 عاماً في هذه المهنة واستمر فيها حتى بعد اللجوء لمدة 6 سنوات.
يعيل محمود زوجته التي تعاني من أمراض مزمنة عديدة، وطفليه (9 سنوات) و(6 سنوات)، وينتهز كافة فرص العمل المتاحة له كلاجئ سواء أكانت في مجال الديكور أو غيرها مثل الزراعة والإنشاءات.
قادته الظروف الاقتصادية المتذبذبة للعمل لدى مالك عدة بنايات سكنية كحارس لثلاثة منها ومسؤولًا عن نظافتها، إلّا أن العمل أخذ منحا مختلفا متجها صوب الإجبار. 
أغرى صاحب العمل محمود بتأمين سكن أفضل وتوفير أثاثه كاملًا بالإضافة إلى توفير المياه، مقابل العمل بمسمى "مسؤول عمارة"، ما دفع محمود لترك سكنه السابق والانتقال حيث البناء الجيد والأثاث الكامل ومصدر الدخل الثابت.
زاد إعجاب محمود بنمط العمل الجديد بعد أن زادت إغراءات صاحب العمل بعدم دفع أجرة المنزل، الأمر الذي يبحث عنه كل عامل كادح، إضافة إلى تخفيف تكلفة المياه عليه دونًا عن باقي ساكني العمارة، لكون صاحب البناء يبيع المياه للساكنين ولا يعتمد على جدول المياه الدوري للبلديات.
تعمد صاحب العمل تجميل المصطلحات وجعلها أكثر لمعانًا وبريقًا، فبدل أن يسميه "حارس" أسماه "مسؤول"، لجعل محمود أكثر ولاءً للمكان وللأشخاص، بينما هو يضعه تحت ضغوط أكثر ومسؤوليات تفوق حد "حراسة العمارات".

تطور المسؤوليات..
تطورت مسؤوليات محمود ليصبح "مسؤول بناية" في عمارات أخرى لنفس الشخص، يستلم الأجرة من ساكنيها ويشرف على نظافتها، وعلى الرغم من تباعد المسافة بين العمارات إلا أنه مُلزم بجمع الأجرة منها جميعًا بآنٍ واحد، يتقاضى مقابل ذلك (80) دينارًا شهريًا.
وفي نفس البناء الذي يقيم فيه محمود، أنشأ نجل صاحب العمل نادٍ رياضي، ليصبح محمود "مسؤولًا" عن نظافته أيضًا، يعمل فيه خلال فترات المساء، ويتقاضى مقابل ذلك (100-150) دينارًا شهريًا حسب طبيعة العمل في تلك الفترة.
ومع بداية فصل الصيف الأول بعد استلامه لحراسة العمارات، تلقى محمود عرضًا في مزارع صاحب العمل نفسه في محافظة أخرى كمشرف على العمال ويساعدهم في مواسم القطاف، ليعمل بها فترة مؤقتة وبدوام (8) ساعات، لا يتقاضى عنها أجرًا.
وما لبث أن طُلب منه العمل باستمرار طوال الموسم، تحت نفس الشروط، لكن ساعات العمل هذه المرة تختلف وأصبح عددها يزداد يومًا بعد يوم حتى وصلت لـ(12) ساعة يوميًا، لا يتخللها في أغلب الأحيان استراحة.
عاد صاحب العمل بفرصة جديدة لمحمود في مجال الإنشاءات والديكور، ليوزع وقته بين المزارع والإنشاءات، التي أصبحت تأخذ ثلثي يومه بين عمل ومواصلات، وعمله في النادي الرياضي.
يضطر محمود في بعض الأحيان إلى الذهاب ثانية إلى مكان العمل بعد أن يكون قد أنهى فترة عمله، بحُجة أن صاحب العمل يثق به كثيرًا، ولا يحتسب له عملًا إضافيًا، بل يعتبره من واجباته.
في المقابل، وعلى الرغم من طول ساعات العمل واختلاف طبيعته المتفق عليها، كان أجره اليومي في الزراعة والإنشاءات فقط في أحسن الأحوال لا يصل إلى (20) دينارًا، يدفع منها بدل مواصلات نصف ما يتقاضاه تقريبًا.

إخلاص ولكن!
 يَعتبر محمود اليوم الذي يتقاضى فيه أجره كاملًا أو يعمل ضمن عدد ساعات العمل الطبيعية (8 ساعات) يوم سعده، ليسد احتياجات زوجته من الدواء أولًا، ويحاول سد احتياجات طفليه، إذا تبقى لديه ما يكفي من المال.
بعد أن "ضمن" صاحب العمل إخلاص محمود له، أصبحت شروط العمل أكثر تعقيدًا، فمنعه في البداية من العمل في أماكن أخرى وقت حاجته إليه مثل ورشات الديكور التي تؤمن له مصدر رزق آخر، بذريعة توفير المسكن دون دفع الأجرة وإلّا عليه دفع الأجرة كاملة كباقي ساكني العمارة.
وحتى في الأوقات التي لم يكن يحتاج صاحب العمل فيها لمحمود، كان يحرمه من كسب عيشه في ورشات أخرى أو حتى لحساب نفسه، وكانت حجته الدائمة "ممكن أحتاجك بأي وقت".
بعد أن بدأت تهديدات صاحب العمل بقطع المياه، الطرد من المنزل وتخفيض "أجر المياومة"، رضخ محمود والتزم الصمت كي لا يُحرم من العمل ويترك عائلته دون مسكن أو مبلغ بسيط يسدون به احتياجاتهم اليومية على الأقل.

تداعيات كورونا
لتبدأ بعد ذلك أزمة كورونا، التي منعت غالبية أشكال العمل المنظم وغير المنظم لمدة تقارب شهرين متتاليين، وبذلك تكون ورشات الديكور والإنشاءات قد توقفت وتوقف معها الدخل الذي كان يعتمد عليه محمود، بالإضافة إلى إغلاق النوادي الرياضية التي زادت الأمر سوءًا.
تخلى صاحب العمل عن خدمات محمود في الفترة الأولى من أزمة كورونا، لثلاثة أشهر تقريبًا، دون أي شكل من أشكال الدخل، حتى أن المبلغ الذي كان يتقاضاه شهريًا بدل خدمات حراسة للعمارة (140) دينار انخفض إلى (100) دينار "مُقسطة". 
وعند عودة القطاعات للعمل من جديد في حزيران الماضي، عاد محمود للعمل في ورشات الإنشاءات لدى الشخص نفسه، ولكن في هذه المرة بأجر أقل إلى النصف، ووصلت يوميته إلى (7-10) دنانير.
لايزال محمود محكومًا بمزاج صاحب العمل، حتى بعد انتهاء ورشات الزراعة والإنشاءات، وبعد تخلي نجل صاحب العمارة عن خدماته بسبب إغلاق النوادي الرياضية، ولا يزال مهددًا بالطرد أو دفع الأجرة كباقي المستأجرين.

اتفاقيات ولكن!
على الرغم من مصادقة الأردن على العديد من المواثيق والبروتوكولات الدولية المعنية بأحكام وتدابير ذات صلة بمكافحة العمل بالسخرة مثل: اتفاقية الرق لعام 1926، إلّا أنها لا تزال تتحفظ على المصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
تصنف الأمم المتحدة عمال المزارع والمهاجرون وعمال المنازل وغيرهم ممن يتعرضون لسوء المعاملة والاستغلال والعمل بأجر زهيد أو بدون أجر على الإطلاق تحت بنود العبودية الحديثة، والتي تسعى إلى الحد منها ضمن خطتها للتنمية المستدامة 2030.
علمًا أن محمود بات يعمل بشكل جبري، فهو مجبر على العمل في كافة الاوقات التي يراها صاحب العمل مناسبة، وبدون إجازات، أو مقابلًا ماديًا إضافيًا في حال طرأت أي تغيرات على طبيعة العمل ومدته.
وحسب تقديرات أشارت إليها آخر دراسة لمنظمة العمل الدولية حول الحجم الحقيقي للعبودية الحديثة عام 2016، بلغ عدد ضحاياها 40 مليوناً، يعمل 25 مليوناً منهم في العمل الجبري في القطاع الخاص مثل العمل المنزلي والبناء والزراعة.
كما تقدر "العمل الدولية" في الدراسة نفسها أن العمل الجبري يحقق أرباحًا اقتصادية غير مشروعة تبلغ 150 مليار دولار سنويًا.