الرئيسية > الخروج من قيود المؤسسات إلى أخرى .. ظروف عمل الصحفي الحر

الخروج من قيود المؤسسات إلى أخرى .. ظروف عمل الصحفي الحر

الاربعاء, 23 أيلول 2020
النشرة الالكترونية
Phenix Center
الخروج من قيود المؤسسات إلى أخرى .. ظروف عمل الصحفي الحر
المرصد العُمّالي الأردني _ هدى أبو هاشم- يحتار عددٌ من العاملين في مؤسسات صحفيّة وإعلاميّة، بالتوجه للعمل الحرّ دون الالتزام مع أي مؤسسة أو جهة بعقد عمل ثابت، خاصّة في ظل محدودية فرص العمل في الصحافة والإعلام، وقلّة المؤسسات الصحفية المستقلة، وتدني مستوى الرواتب الشهرية، إضافة إلى نقابة مغلقة أمام الكثير منهم، وتشريعات إعلامية تُضيّق عليهم إنشاء مؤسسات صحفيّة مستقلة، وتكبّل حرية الرأي والتعبير.

في هذا التقرير، يستقصي "المرصد العُمّالي" حال الصحفيين الذين يعملون بنظام القطعة، أو ما يُسمى (الصحفي الحرّ Freelance journalist)، وأبرز التحديات التي تواجههم أثناء ممارستهم العمل الصحفي.

قانون نقابة الصحفيين الأردنيين في تعريفه للصحفي، شكّل أول التحديات أمام الصحفي الحرّ، إذ اقتصر التعريف على "عضو النقابة المسجّل في سجل الصحفيين الممارسين واتخذ الصحافة مهنة له"، وحظر على غير أعضاء النقابة ممارسة مهنة الصحافة، وبهذا يصبح جزء كبير من الصحفيين في الأردن يمارسون مهنتهم بشكل غير قانوني، ويعتبرهم القانون "منتحلو صفة صحفيّ".

ولا تقبل النقابة عضوية الصحفيين المستقلين العاملين بنظام القطعة (الصحفي الحرّ)، إذ أن مجلس النقابة يفسر الشرط القانوني بأن يكون عضو النقابة "متفرغًا لممارسة العمل الصحفي ممارسة فعليّة"، بأن يكون عاملًا في مؤسسة، وأن يكون له اشتراك متواصل في الضمان الاجتماعي عن طريق مؤسسته وليس اشتراكًا فرديًا يدفعه بنفسه.

يعتقد الصحفيّ المتخصص بقضايا حقوق الإنسان (محمد شمّا) أن الدافع الذي يقف وراء الصحفيّ ليكون مُستقلًا، مرتبطٌ بالخروج من أعباء مؤسسات مقيّدة للحريّة ومتحكمة بما يُنشر، أو لدافع مالي، أو فرصة للتشبيك مع جهات دولية، أو الهروب من العمل المنتظم في إحدى المؤسسات. ويتابع بأنه قد يكون نتيجة لانخفاض سقف الحريات، والأزمات الماليّة للمؤسسات.

ويرى أن قانون النقابة غير المسّلم به دوليًا ومحليًا، يجب أن لا يؤطر مهنة الصحافة والعاملين فيها، مشيرًا إلى أن دور النقابة يقتصر على التعبير والدفاع عن حقوق أعضائها، وليس تصنيف العاملين في المهنة الصحفيّة.

تعريف النقابة يحول دون ممارسة الصحفي للعمل بمهنية، بحسب (شمّا)، وتبقيه حذرًا طوال الوقت، يمارس "الرقابة الذاتية" التي يتجنب معها الحديث عن أمور جدلية قد تسبب له الضرر من توقيف أو غرامات أو تضييق وتهديد، والتي من الممكن أن تصل لدرجة تصبح معها وجهًا آخر لسياسة تكميم الأفواه. إذ يُعاقب قانون النقابة، تحديدًا المادة (18/ج)، "منتحل صفة الصحفي" بدفع غرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد عن ألفي دينار، وتضاعف الغرامة في حالة التكرار. 

عقبات أخرى محتملة، سردتها (روان نخلة)، صحفيّة مستقلة من الزرقاء، تتمثل في إعراض مسؤول عن مقابلة الصحفي المستقل، أو امتناع المصادر الرسمية عن إعطائه معلومات عندما لا يكون "عضو نقابة ومرخّص وفقًا للقانون"، وهنا لا يستطيع "المنتحل" الحصول على المعلومة لأن من يملكها "يتذرع" بتطبيق القانون والالتزام بتعريف النقابة للصحفي.

عدا عن ذلك، فإن الصحفي المستقل يواجه تحديات وصعوبات أخرى، منها ما هو متعلق بالجانب الاقتصادي، فالعمل يتوّزع على فترات (أيام أو أشهر)، مما يعني عدم وجود استقرار مالي أو وظيفي، وفقدان الفرص التي قد يحصل عليها الصحفيون العاملون في المؤسسات: مثل المنح، إضافة إلى أن الصحفي وحده، هو من يتحمّل المسؤولية إذا تعرّض لمساءلة قانونية، أو واجه تحدٍ في المصادر، ويُحرم غالبيتهم من الحقوق العُمّالية في الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي. 

ومع انتشار فيروس "كورونا المستجد"، استجدت تحديات ناتجة عن قانون الدفاع وأوامره، أعاقت عمل الصحفيين المستقلين، وأبرزها: حظر التجول وعدم توفر تصاريح الحركة والمرور، إذ أصدرت الحكومة تصاريح مرور لمجموعة من الصحفيين والصحفيات منذ أول أيام الحظر، معتمدة على كشوف الأسماء التي قدمتها المؤسسات الإعلامية المرخصة، والمسجلة لدى هيئة الإعلام، وفق نسب محددة لكل مؤسسة إعلامية لم يُعلن عنها.

ونتيجة لذلك، لم يحصل الصحفي المستقل، العامل خارج إطار المؤسسات، على تصريح الحركة والمرور، الأمر الذي حال دون ممارسة أعماله أثناء الحظر الشامل.

يقول (نضال منصور)، رئيس مركز حماية وحرية الصحفيين، إن آلية توزيع التصاريح من قبل هيئة الإعلام غير معروفة، واعتمدت على معايير غير واضحة وغير شفافة، ولم تُفحص عدالتها، مبينًا أن الصحفي المستقل هو الأكثر تضررًا لمنعه من الحركة أثناء الحظر الشامل والجزئي لبعض مناطق المملكة.

في هذا السياق، بيّنت (روان نخلة) أن فرص عمل كثيرة فاتتها لأنها اشترطت وجود تصريح للحركة والمرور، خلال أيام الحظر الأولى. ولم تستجب إحدى المؤسسات التي قصدتها (روان) لإتمام تقرير، أثناء فترة الحظر الشامل، على الهاتف والإيميل إطلاقًا، الأمر الذي أدى إلى إلغاء المادة الصحفيّة كاملةً، "بالوضع الطبيعي، أو على الأقل لو الحركة مسموحة، كان بالإمكان الذهاب إلى المؤسسة وأخذ المعلومات من مقرها بسهولة"، تقول (روان).

يُضاف إلى ذلك، صعوبة التحقق من تصريحات المصادر بالاعتماد على الهاتف فقط وغياب الوثائق والدلائل التي يمكن الحصول عليها في المقابلات المباشرة، مما يتطلب من الصحفي جهداً إضافياً في إجراء المزيد من المكالمات والمقابلات للتأكد من صحة ودقة المعلومة.

حظر الحركة، والإغلاقات، إضافة لعدم استجابة المصادر الرسمية، عطّل عمل (روان) الذي يتطلب التنقل المستمر بين المحافظات، والمكوث في بعضها ليومين أو ثلاثة إلى حين الانتهاء من إعداد المواد الصحفيّة. فانتقلت من إنتاج المواد الصحفية المكتوبة إلى صناعة المحتوى الصوتي (البودكاست Podcast)، والعمل على مشاريع وبرامج خاصّة بفيروس "كورونا المستجد"، مما ساهم في تعويض بعض الأضرار "أصبحنا نستخدم بدائل إلكترونية، نشتري تطبيقات، ونبحث عن برامج أكثر احترافية لتسجيل الصوت بجودة عالية، ونجري مقابلات عبر تقنيات وبرامج مختلفة".

في حين يرى (براء)، صحفي مستقل من إربد، أن فترة الحظر الشامل، كانت من أكثر الفترات صعوبة على المستوى المادي والمعيشي، وعملت على تعطّل أعماله بشكلٍ كبير، وبالتالي توّقف مصدر رزقه، إذ حاول مرارًا التعاقد مع مؤسسات وجهات مختلفة، قُوبلت أغلبها بالرفض.
كما حاول عدّة مرات الحصول على تصاريح للحركة والمرور بطرق شتى، لكن تعذّر ذلك، فاُلغيت كلّ التقارير التي كان يعمل عليها، بسبب حاجتها إلى تصريحات رسمية من المؤسسات والوزارات، والتي بدورها لا تستجيب غالبًا لأي اتصال.

من جانبه، يُبيّن (شمّا) أن فيروس "كورونا المستجد"، قيّد الحصول على المعلومات التي يحتاجها الصحفي، وقلّص حرية التعبير، إذ أصدرت الحكومة مرسومًا في 15 نيسان، حظرت تداول أي أخبار "تثير الهلع"، "يحظر على كل شخص نشر أو إعادة نشر أو تداول أي أخبار عن الوباء من شأنها ترويع الناس أو إثارة الهلع بينهم عبر وسائل الإعلام أو الاتصال أو وسائل التواصل الاجتماعي"، وتصل العقوبات إلى السَّجن ثلاث سنوات وغرامة 3 آلاف دينار أردني، أو كليهما".

الأمر الذي دفع منظمة "هيومن رايتس ووتش"، المدافعة عن حقوق الإنسان لإصدار بيانٍ تنتقد فيه عدم تسامح الحكومة مع أي انتقاد لإجراءاتها لمواجهة فيروس "كورونا المستجد"، محذّرة من استخدام "الأزمة كذريعة لتقييد حرية التعبير".