أحمد عوض
يتطلب نقاش إعادة تفعيل خدمة العلم الذي أعلنته الحكومة الأسبوع الماضي لمكافحة البطالة -التي ما زالت تتفاقم بشكل مقلق- الوقوف أمام موضوعين مختلفين، كل واحد منهما يتطلب زاوية نظر مختلفة.
شبابنا بأمس الحاجة لاكتساب خبرات ومهارات الانضباط والالتزام وتحمل المسؤولية وقيم المواطنة والعمل التطوعي والتضحية، الى جانب حاجتهم الماسة لاكتساب قيم الاندماج بمختلف ابعاده في هوية وطنية جامعة، والخدمة العسكرية المؤقتة كفيلة بإكسابهم ذلك. وبالتالي فإن المطلوب هو دعم تطبيق هذا المسار، وتصويب بعض فجواته التي تستثني فئات اجتماعية هي بأمس الحاجة الى الانخراط فيه، فمن غير العادل أن يتم تطبيقه على الأشخاص غير المنخرطين في سوق العمل فقط، إذ ان جميع الشباب يحتاجون الى اكتساب وتعلم الخبرات والمهارات والقيم سالفة الذكر وليس المتعطلين عن العمل فقط.
ان من شأن إبقاء نموذج خدمة العلم الذي أعلنته الحكومة على ما هو عليه، أن يحرم مئات الاف الشباب الذين ينتمون الى فئات اجتماعية من الشرائح المتوسطة والعليا من الطبقة الوسطى الى جانب أبناء الطبقة الغنية من الانخراط بهذا المسار، اذ ان أسرهم قادرة بسهولة على توفير كل متطلبات اعفائهم واستثنائهم من خدمة العلم، في الوقت الذي لا تقل حاجات أبناء هذه الفئات الاجتماعية في اكتساب هذه الخبرات والمهارات والقيم عن حاجات أبناء الفئات الاجتماعية الفقيرة محدودة الخيارات.
أما فيما يتعلق بمكافحة البطالة التي تتزايد معدلاتها بشكل كبير، فإنها تحتاج الى سياسات وتدخلات حكومية من نوع آخر، ومن غير المتوقع أن تسهم خدمة العلم بصيغتها المعلنة بتخفيفها ومنع تفاقمها. ان عدم توفر أيد عاملة اردنية مؤهلة ومدربة وراغبة بالعمل في القطاعات الاقتصادية التي تعتمد على الأيدي العاملة المهاجرة (الوافدة) بشكل كبير وعلى وجه الخصوص قطاعات الزراعة والانشاءات والصناعة، يعود بشكل أساسي الى اختلالات عميقة في النظام التعليمي الأردني، أدت الى دفع غالبية شبابنا وشاباتنا الى التعليم الجامعي غير المرتبط بحاجات سوق العمل.
كذلك، فإن قطاعات واسعة من الأردنيين يعزفون عن العمل في هذه القطاعات لأن شروط العمل فيها لا تتواءم مع الحدود الدنيا من معايير العمل المتعارف عليها اردنيا وعالميا، والتي تشمل مستويات الأجور وساعات العمل واستحقاقهم لإجازاتهم السنوية والرسمية والمرضية وحمايات الضمان الاجتماعي وغيرها.
لا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل ان نظم العمل السائدة في هذه القطاعات الاقتصادية يعتمد أسس الأجر اليومي والأسبوعي والموسمي، وهي أحد أشكال العمل غير المنظم التي تدفع مئات الاف الأردنيين والأردنيات لعدم الانخراط فيها، بل ان قطاع الزراعة – بالرغم من أهميته الاستراتيجية – ما زال منذ سنوات طويلة خارج منظومة تشريعات العمل وحماياتها وفق قانون العمل، حتى ان مسودة النظام الذي قدمته الحكومة لتنظيم العمل فيه ما زالت تستثني الغالبية الكبرى من العاملين والعاملات فيه من منظومة الضمان الاجتماعي. التخفيف من معدلات البطالة المرتفعة يتطلب توليد فرص عمل جديدة من خلال تحفيز الاستثمارات وتوسيعها، ومن غير المتوقع أن يحدث على المدى القصير في ظل دخول اقتصادنا الوطني حالة انكماش (نمو سالب)، ويتطلب كذلك تحسين شروط العمل بمختلف عناصره ليندفع شبابنا وشاباتنا للعمل في القطاعات الطاردة للعمالة، ويتطلب أيضا اجراء تغييرات هيكلية في منظومة التعليم، وتطبيق الإطار الوطني للانتقال من الاقتصاد غير المنظم الى المنظم الذي أصدرته الحكومة في 2014 وما زال حبيس الأدراج حتى الان.
ان استخدام الحكومة إعادة تفعيل خدمة العلم كأحد سياسات مواجهة مشكلة البطالة ما هو الا تكرار لسياسات سابقة لم تحقق أهدافها، وتحمل في طياتها الكثير من المخاطر، اذ ان الشق المدني المقترح – بعد انتهاء التدريب العسكري – سيؤدي الى توفير “عمالة رخيصة” للقطاع الخاص لعدة أشهر، وهذا يمكن أن يدخلنا في ممارسة “العمل الجبري” بشكل ممنهج، وسيؤدي الى انسحاب الشباب من سوق العمل بعد انتهاء الفترة المخصصة، وستبقى البطالة عند مستويات عالية تهدد الاستقرار الاقتصادي.
صحيفة الغد الأردنية، 2020/9/14