الرئيسية > العاملون في القطاع الزراعي .. بين الموجة الحارة وظروف عمل غير لائقة

العاملون في القطاع الزراعي .. بين الموجة الحارة وظروف عمل غير لائقة

الاثنين, 07 أيلول 2020
النشرة الالكترونية
Phenix Center
العاملون في القطاع الزراعي .. بين الموجة الحارة وظروف عمل غير لائقة
المرصد العمّالي الأردني- هدى أبو هاشم 
يواجه عمّال القطاع الزراعي، ظروفًا صعبة، تشتد مع حالات التطرف المناخي صيفًا وشتاءً، بسبب طبيعة عمل القطاع، ومع ارتفاع درجات الحرارة لمستويات غير مسبوقة هذه الأيام، فإن العمل أصبح قاسيًا وخطرًا على العاملين في القطاع الزراعي، الأمر الذي أدى إلى وفاة عاملين أثناء عملهم في منطقة الأغوار الشمالية، يومي الجمعة والسبت، إثر تعرضهم لدرجات حرارة مرتفعة.

تفاصيل تداولتها وسائل الإعلام، تُبين أن المتوفى يوم الجمعة عاملٌ زراعيٌ وافد، أُسعف بحالة صحية سيئة ثم توفي بعد تشخيص حالته بالإصابة بضربة شمس، وتبعه يوم السبت عامل تراكتور زراعي، كان يعاني من آلام في الصدر ثم ما لبث أن فارق الحياة، وذلك بعد أن سجلت درجة الحرارة في منطقة الأغوار الشمالية، درجات حرارة مرتفعة، زادت عن 48 درجة مئوية.

يفتقر القطاع الزراعي إلى سياسات عمل واضحة، والى نظام خاص في القطاع يعمل على تحديد ساعات العمل في الظروف الصعبة، كما يفتقر إلى الرقابة والمسائلة في حال اُنتهكت حقوق العاملين، ولا يوجد هناك ما يُلزم أصحاب المزارع على توفير بيئة عمل لائقة للعاملين لديهم، وتعاقبهم إن أجبروا العاملين على العمل في ظروف غير لائقة وغير آمنة.

إضافة إلى ذلك، فإن القطاع الزراعي في الأردن يُشكل حالة استثنائية من بين مختلف قطاعات العمل الأخرى، لعدّة أسباب أبرزها: استثناء العاملين في هذا القطاع من تطبيق أحكام قانون العمل الأردني، وبالتالي استثنائهم من الحمايات التي يوفرها القانون للعاملين في القطاع، حيث أرجع القانون تنظيم عمل المزارعين إلى نظام يصدر لذات الغاية، على أن يتضمن: تنظيم عقود العمل، أوقات العمل والراحة والتفتيش، وأي أمور أخرى تتعلق باستخدامهم، وهذا ما لم يتم لغاية اللحظة.

إن عدم شمول العاملين في القطاع الزراعي بأحكام قانون العمل الأردني، يُعتبر من أكبر وأخطر الفجوات القانونية التي تواجه العاملين في هذا القطاع، حيث يتعرض العاملون في القطاع الزراعي لانتهاكات عديدة تتمثل في عدم توفر شروط السلامة والصحة المهنية، من خلال توفير كمامات وقفازات وأغطية للرأس وملابس خاصة للعمل، تحميهم من ظروف العمل الصعبة، والتي يتعاملون فيها مع الأسمدة والمواد الكيماوية، إذ يؤدي التعرض لها على المدى الطويل للإصابة بأمراض تتعلق بالجهاز التنفسي، أو تعرضهم للإصابة بحروق في الأطراف والأمراض الجلدية، كذلك إمكانية تعرضهم لضربات الشمس.

كذلك، لا تتوفر وسائل مواصلات لائقة للعاملين في الزراعة تقلهم من وإلى أماكن عملهم، خاصة مع صعوبة الظروف الجوية في مناطق الأغوار حيث الارتفاع الشديد في درجات الحرارة. 

يقول أحمد، عامل في إحدى المزارع في الأغوار الشمالية، إن ارتفاع درجات الحرارة هذا العام، ضاعفت صعوبة وقسوة العمل بشكلٍ كبير، مؤكدًا أن محاولة تجزئة ساعات العمل أو تحديدها لا تُخفف من معاناة العمل، نظرًا لوصول الحرارة في الأغوار لمستويات مرتفعة جدًا. 

واتفقت سهيلة، العاملة في إحدى المزارع في الأغوار، على ما ذهب إليه أحمد، قائلة "أيام كثيرة تمر ولا أستطيع العمل، لأن آلام الرأس لا تفارقني مع ارتفاع درجات الحرارة، والرطوبة الشديدة، مع إجهاد العمل"، مبينةً أن الأيام التي لا تعمل فيها، لا تتقاضى عليها أجراً، وبذلك ينقطع مصدر رزقها الوحيد.

انتهاكات أخرى، رصدها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، في تقريرٍ له صدر عام 2015، بعنوان "عاملات وعمّال الزراعة"، تُبين أن طبيعة الانتهاكات لم تتغير في القطاع الزراعي خلال السنوات الخمس الأخيرة، ولم تتحسن ظروف العمل في القطاع.

يقول التقرير في جملة ما ورد فيه، إن شريحة واسعة من العاملين في القطاع الزراعي تُعاني من زيادة عدد ساعات العمل عن 48 ساعة في الأسبوع الواحد، وهي المدة التي حددها قانون العمل في المادة (56)، كما أن معظمهم محرومين من التمتع بيوم الإجازة الرسمي، إضافة إلى  تدني الأجور التي لا تتناسب مع مشقة العمل في هذا القطاع، وقد يتهّرب بعض أصحاب المزارع من دفع الأجرة الكاملة للعاملين، أو يمتنع عن دفعها بحجة خسارة الموسم الزراعي. 

علاوة على ذلك، لا يتمتع العاملون في هذا القطاع بأي نوع من التأمينات خاصّة الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، وهنا تكمّن خطورة المشكلة بالنظر إلى خطورة القطاع، وما يشكله ذلك من ارتفاع احتمالية تعرّض العاملين لحوادث وإصابات مهنية عندما يضطر العامل أن يدفع تكاليف علاجه بنفسه.

وأشار التقرير إلى وجود أعداد كبيرة من العاملين في الزراعةُ يقيمون في بيئة سكن غير صحية ومكتظة، كما يتعرّضون للعمل الجبري، ومتاجرة أصحاب المزارع بتصاريح العمل، وشبهة وجود عمليات اتجار بالبشر.

الانتهاكات ذاتها، وثقها المرصد العمّالي الأردني في تقاريره التي أعدّها مؤخرًا، في سعيه لمعرفة حال العاملين خلال الأشهر الستة الأخيرة، والظروف الصعبة التي مرّ بها القطاع في ظل الإجراءات الوقائية التي فُرضت للحد من انتشار فيروس (كورونا المستجد)، حيث تضمنت شهادات العاملين على الحرمان من الأجور أو تدنيها، والعمل لساعات طويلة تحت حرارة الشمس الحارقة، وتعرضهم للأذى أو أضرار أثناء العمل مع عدم توفر الضمان الاجتماعي أو تأمين صحي.

يُذكر أن مركز الفينيق للدراسات، أصدر في اليوم العالمي للصحة والسلامة المهنية، الذي يصادف 28 أبريل من كل عام، ورقة موقف، طالب فيها بتطبيق إجراءات حماية استثنائية للعاملين في الظروف الاستثنائية التي شهدتها المملكة في الأشهر الماضية من إغلاق للقطاعات، وتعطّل الأعمال، وما رافق ذلك من أوامر دفاع فرضت واقعًا جديدًا على جميع العاملين في كافّة القطاعات. 

حيث تعد الصحة والسلامة المهنية أحد معايير العمل اللائق، وجزء أساسي من الحقوق والمبادئ الأساسية في العمل، وهي إلى جانب ذلك أحد معايير العمل المرضية والعادلة التي نصّت عليها الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، وشرطًا أساسيًا للتنمية المستدامة، وجودة الإنتاج وتعزيزه.

يُذكر أن منظمة العمل الدولية أفردت ما يُقارب 16 اتفاقية دولية لموضوع الصحة والسلامة المهنية، صادق الأردن على ثلاث منها فقط، وهي الاتفاقية المتعلقة بالوقاية من الآلات، والاتفاقية المتعلقة في التجارة والمكاتب، والاتفاقية المتعلقة بالفحص الطبي للأحداث.