الرئيسية > المزارعون.. "هجرة" من الريف إلى المدن أم "تهجير"؟

المزارعون.. "هجرة" من الريف إلى المدن أم "تهجير"؟

الاحد, 16 آب 2020
النشرة الالكترونية
Phenix Center
المزارعون..
المرصد العمّالي الأردني- نديم عبد الصمد 
لطالما عزت كتب الجغرافيا والاجتماعيات في الأردن سبب تراجع القطاع الزراعي إلى الهجرة المستمرة من الريف للمدينة، وأوقعت اللوم على المزارعين باعتبارهم أحد أسباب الانخفاض المستمر للإنتاج الزراعي في الأردن، في حين يعتقد مزارعون أن أسبابا أشد تأثيرا جعلت من المزارعين "مهاجرين" إلى وظائف أكثر أمانا واستقرارا.
بحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة، فإن تراجع نسب مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الأردني وصل في الربع الأول من عام 2020 إلى 5.3% وبمقدار انخفاض معدله 1.8% عن عام 2019، والتي بلغت في الربع الرابع من العام ذاته 7.1%.
 تواصل "المرصد العمّالي الأردني" مع بعض صغار مزارعي قرى عجلون وجرش لرصد معاناتهم كأشخاص يعملون بالزراعة (بشكل غير دائم)، فرغم توافر الإمكانيات (الخبرات البشرية، المساحة) إلا أن الكثير من المزارعين لا يعتمدون في معيشتهم على الدخل المتأتي من الزراعة، وذلك لأسباب عديدة أهمها تراجع حال القطاع الزراعي، وغياب السياسات الداعمة للمزارعين بشكل عام وصغار المزارعين بشكل خاص. 
يقول أحمد (مزارع في إحدى قرى عجلون) إن بيع المنتوجات هذا العام أقل من التكاليف، "العرض كثير والطلب قليل"، الأمر الذي تسبب في انخفاض أسعار الفواكه بشكل عام، مضيفا: "اكتسح السوق عنب مزروع في صحراء المفرق سعره أقل لأنه تكلفته أقل، وهذا ما ضرّ بالمزارع البسيط اللي زينا". 
"إنّ وجود منافسة في قطاع الزراعة أمر منطقي في السوق الأردنية، لكن الأكثر منطقية أن تقوم وزارة الزراعة والجهات المعنية بإجراء دراسات على الأسواق المحلية، وتحديد نسب الإنتاج لبضائع معينة وفي مواقع معينة" كما يقول أحمد، منوها: "لازم يكون في تسويق قوي لتصدير المنتجات الفائضة عن الحاجة، هذا الأمر بساعدنا".
لدى أحمد بستان يحتوي على 100 شجرة عنب معرّش و60 شجرة من التفاح وتشكيلة أخرى من أشجار الدّراق والإجاص والخوخ، يقوم ببيعها لأشخاص يتعامل معهم بشكل مباشر في السوق المحلي، "أنا بكب بضاعتي ولا أبيعها بالسوق المركزي بإربد؛ هناك في حيتان، ودلالين، وإذا بدي أبيع بالمزاد في عمولات كثيرة عليه".
ويشار هنا إلى أن كمية الفواكه الطازجة الواردة لسوق إربد (السوق المركزي) خلال عام 2018 بلغت 103280 طن، منها 74438 طن من الإنتاج المحلي، و نحو 28824 طن من المستوردات.
يوافق خالد على ما ذهب إليه أحمد، إذ قام ببيع 38 صندوقا من الإجاص والخوخ (كل صندوق 5 كغ) بسعر 78 دينارا لأحدى شركات التسويق الموجودة في سوق الخضار والفواكه المركزي في أربد، لكن الشركة قامت بخصم مبلغ 27 دينارا توزعت كالتالي: كومسيون 4.70 دينار- و16% ضريبة بقيمة 0.75 قرشا- والبلدية 2 دينار- وعتالة 0.38 قرشا، كما جاء في بنود فاتورة البيع التي يحملها خالد. "ارسل للمقربين هذه الكميات من الفواكه، أفضل من كل هذا التعب"، يقول خالد. 
سنويا، يبدأ موسم الفاكهة من حزيران حتى أيلول من كل عام، لذا يتخوف أحمد وخالد من الإشاعات الرامية إلى نية الحكومة إعادة الحظر الجزئي أو الشامل، فإضافة إلى كل الضغوطات السابقة، كان أحد أسباب تراجع بيع المنتوجات خلال الفترة الماضية؛ انخفاض أعداد القادمين إلى عجلون من المحافظات، "السنة الماضية كان الزوار يأتون من عمّان ويشتروا من مزارعنا، هذا العام انخفض عدد الزوار بسبب كورونا"، يقول أحمد. 
يتبع لوزارة الزراعة "مديرية زراعة" في كل محافظة من حافظات المملكة، إذ تقوم المديرية بجميع المهام المنوطة بالوزارة من توجيه وإرشاد للمزارعين الطالبين للخدمة كما تقوم برصد الأمراض والآفات الزراعية ضمن المحافظة، وإجراء عمليات رش مبيدات للآفات الزراعية، إضافةً إلى تقديم بعض أنواع المبيدات المتوفرة لدى وزارة الزراعة، بحسب الدكتور عزت العجالين مساعد أمين عام الثروة النباتية في وزارة الزراعة. 
وعن دور مديرية الزراعة في محافظة عجلون، يقول المزارع رضوان: "المديرية دورها غير فعّال، إذا أنا كمزارع بحتاج مساعدة معينة بأرضي لازم أقدم طلب، وأنتظر على الدور مش أقل من عشر أيام حتى يوصل لي الدور"، قائلا: "أنا مش بحاجة مديرية الزراعة لانهم لا يقدمون أية خدمات".   
كما يشير المزارع في جرش أبو محمد إلى أنه "لا يوجد إرشاد للمزارعين من قبل المديرية، أو أن يطوروا من مهارات المزارع وخبراته، لا يوجد دعم بشجر أو بذور"، مضيفا أن "الدواء الفطري والحشري باهظ الثمن والأدوات الزراعية كذلك الأمر، فرغم أنها غير مجمركة لكن سعرها وسعر الأسمدة مرتفع، لازم يتم دعمنا من الحكومات عشان نقدر نستمر".
ينفي العجالين ما جاء به رضوان وأبو محمد بقوله: "الأصل انه المزارع يكون متواصل مع مديرية الزراعة التي توجد في منطقته سواء بالاتصال الهاتفي، أو بتقديم طلب لمديرية الزراعة، لكي يتم تقديم الخدمات بشكل فعّال لهم.
كما أكد العجالين بأن على المزارع أن يخبر الوزارة في حال لم تقم أي مديرية من مديريات المحافظات بخدمة من تقدموا بطلب لديها، مشيرا إلى أن على المزارع أن "يتقدم بشكوى لدى وزارة الزراعة أو يستخدم صندوق الشكاوى الموجود في الوزارة، أو أن يتقدم  بشكوى على موقع وزارة الزراعة. 
بالعودة إلى المزارع أحمد، الذي طالب بشركات تأمين للمحاصيل الزراعية في الأردن بقوله: "لازم يكون في شركات تأمين اقدر أأمّن فيها على ارضي وأحمي الزرع من الأضرار المحتملة"، إذ خسر أحمد في أحد المواسم الزراعية 4000 دينار أثر انتشار آفة "البياض الزغبي". هكذا يعتقد أحمد أنه قادر على البقاء في مجال الزراعة، ولن يهجر أرضه التي تضررت إلى جانب مزارعي منطقة عبين في عجلون.  
في ذات السياق، يؤكد العجالين على وجود صندوق للمخاطر الزراعية يقدم تعويضات للمزارعين عن الضرر الناجم عن "الصقيع" فقط، مضيفا أن "الوزارة بصدد تعديل قانون الصندوق كي يغطي مخاطر أخرى غير الصقيع، لافتا إلى أن العمل جاري ليصبح للمزارعين مساهمات في صندوق المخاطر يتم دفعها للصندوق (كشكل من أشكال من التامين على المزراع).
ويذكر أن العاملين في الزراعة استثنوا من قانون العمل لعام 1996 وتعديلاته، حيث أرجع القانون تنظيم عمل المزارعين إلى نظام يصدر لذات الغاية، على أن يتضمن: تنظيم عقود العمل، أوقات العمل والراحة والتفتيش وأي أمور أخرى تتعلق باستخدامهم، إذ أصدرت وزارة العمل بعد تأخر 12 عام مسودة نظام عمال الزراعة لسنة 2020 في مطلع آب، لكنها وبحسب مختصين عالجت جوانب مختزلة جدا من العمل في القطاع الزراعي.