الرئيسية > كيف تأثرت المطابخ الإنتاجية في ظلّ أزمة وباء (كورونا المستجد)؟

كيف تأثرت المطابخ الإنتاجية في ظلّ أزمة وباء (كورونا المستجد)؟

الاربعاء, 15 تموز 2020
النشرة الالكترونية
Phenix Center
كيف تأثرت المطابخ الإنتاجية في ظلّ أزمة وباء (كورونا المستجد)؟
المرصد العمّالي الأردني-نديم عبد الصمد، في اللحظات التي اقترب منها الأردن من الوصول إلى "المربع الأخضر" في تصنيف حالته الوبائية (مطمئن)؛ ينتظر الكثير من العاملين في القطاعات المغلقة إلى اليوم، الانفراج وإعادة الفتح.   
 لا يقف تأثير القطاعات المغلقة عند حدود القطاع ذاته؛ فعجلة تأثير إغلاق القطاعات الكبيرة تمددت لتصل شرائحاً عديدة من المجتمع، خاصة، من غير المؤمنين في أي مظلة من مظلات الحماية الاجتماعية.
تابع المرصد العمّالي أثر الإغلاقات، في العديد من القطاعات، على أصحاب وصاحبات المطابخ المنزلية (مطبخ إنتاجي) داخل المحافظات. فحتى مع انحسار الوباء داخل المملكة لم تنحسر مشقات العاملين بقطاعات لا يُسمَع حسيسَ العاملين بها، بعضهم انهارت مشاريعهم/هن والبعض الآخر تطور.
كيف اختلف تأثر عمل المطابخ الإنتاجية المنزلية للنساء؟ باختلاف الظروف والبيئة المحيطة؟ 
تروي صاحبة مطبخ "ست الطبخات" حالتها للمرصد العمّالي: "لمّا منعوا الأعراس، ودور العزاء، وبطّلت الناس تعمل حفلات أعياد ميلاد، ووقفت التهاني بين الناس، نحن كما شغلنا وقف"، فتقارن السيدة وداد الجوهري عملها الصيف الماضي بالوقت الراهن بقولها: أنّ الصيف الماضي كان دخلها الشهري من طلبيات الطعام يصل إلى 400 دينار، "وهسا نحن صفر شغل". 
تضيف الجوهري: أن مطبخها المنزلي، الكائن في لواء الرصيفة، كان يجهّز في اليوم الواحد 3 – 4 وجبات يوميا، مما جعلها تعتمد على الدخل المتحصل من المطبخ في سداد أقساط جامعات أبنائها، وفي الصرف اليومي لعائلتها، إضافةً إلى التزامات عديدة، "هسا بالعشر أيام بجينا طلبية وحدة، ويا دوب".  
اعتمد دخل الجوهري خلال السنوات الماضية بشكل رئيسي على المناسبات الكبيرة مثل دور العزاء، حيث كانت تقوم بإعداد 20 سدرا من المنسف بمبلغ قدره 500 دينار، لكن مع إصدار قرار منع التجمعات وعدم السماح بإقامة دور عزاء، بدأ تراكم الديون على الجوهري. 
وتشير الجوهري المنتسبة لنادي المطبخ الأردني للسيدات، المنبثق عن جمعية الطهاة الأردنيين: أنها تأثرت أيضا من تأجيل مسابقات الطبخ السنوية، والتي كانت تساعدها في التسويق لمطبخها المنزلي الذي حصل على جوائز عديدة في السنوات الماضية. 
تقول أحلام نمر صاحبة المطبخ المنزلي (مفتول بيتي) الكائن في قضاء الظليل بالزرقاء: أن عملها الذي بدأته منذ عامين، تحسّن بعد أزمة "كورونا المستجد"، "الناس صارت تخاف تأكل من المطاعم، وبالنسبة لهم البيتي مضمون أكثر"، ونوّهت أحلام: أن تخصصها في عمل المفتول جعل من اسمها معروفاً في المنطقة، فأصبحت تستقبل طلبات الطعام عبر رسائل "الفيسبوك" و"الواتس آب". 
كما تؤكد نمر أن اعتماد الأطباء والممرضين والعاملين في المنطقة على الأكل المنزلي ساهم في زيادة أربحاها، رغم أنها تعمل بأدواتها المنزلية في مطبخها الصغير إلا أن تأمين الوجبات للعاملين إلى حد أماكن عملهم، جعل من مطبخها مقصداً من قِبل العاملين في المنطقة، "وجود سيارة بالبيت، خلاني أقدر أوصل الطلبيات وسهّل على العاملين". 
على النقيض تماما، لم تستطع رنا (45 عاماً) مواكبة كل التغييرات التي عصفت بعملها المنزلي مرةً واحدة؛ لذا قررت أن تغير مكان سكنها، علّها تجد منطقة لا يخاف سكانها من طلب وجبات معدة منزلياً، فبسبب "كورونا المستجد" امتنع سكان منطقة جبل الحسن في الزرقاء عن توصية رنا على الطعام الذي اعتادوا عليه، "أغلب شغلي كان مع المعلمات، وحتى المعلمات عطلوا من المدارس وصاروا يطبخوا لحالهم، الكل خايف من المرض، ومن أربعة شهور وأنا قاعدة". 
رنا (سورية الجنسية) لديها 6 أولاد تعمل منذ أربعة سنوات في إعداد وجبات في مطبخها المنزلي، ويعمل ابنها، صف عاشر، في تنظيف الأدراج المنزلية ليساندها في سد احتياجات العائلة اليومية، "أنا عندي ثلاث بنات صبايا، وبدهم مصاريف كثيرة"، حيث اعتمد دخل رنا 70 دينارا شهريا، قبل الأزمة، على: لف ورق الدوالي، عمل معجنات، كبة، حفر كوسا، طبخ أنواع مختلفة من الطعام، "كان يجيني بالشهر أقل شيء 7 طلبيات تقريبا، وكانت الأمور منيحة". 
تعتمد رنا اليوم، في معيشتها، على الكوبون الذي تستحقه من المفوضية بقيمة 120 دينار، بينما أيجار المنزل ما زال رهن الديون المتراكمة منذ بدء الأزمة، فلم يقم صاحب المنزل بتخفيض الإيجار الشهري (80 ديناراً) على رنا وعائلتها، "كيف بدي أسد الدين، وحتى شغل ابني، اللي كان اعتمادي عليه كبير توقف؟". 
بعد توقف الجمعيات والمنظمات عن العمل مؤقتا، خشية التجمعات المرتبطة تلقائيا بعمل هذا القطاع، وحفاظاً على السلامة العامة؛ توقف أيضا عمل أم شهاب التي بدأت العمل في الطبخ المنزلي منذ أكثر من عشرة سنوات، وخصصت مطبخها لبيع الوجبات الجاهزة للجمعيات والمنظمات العاملة في منطقتها بالقرب من ساكب/ جرش. 
يرجع دخل أم شهاب الكلي لعملها من المطبخ المنزلي، "صحيح الوضع تحسن شوي، بعد ما رجعت الجمعيات والمنظمات لتمارس عملها، بس لسا الوضع صعب"، فقرار منع التجمعات لأكثر من 20 شخصاً خفَّض من عدد الوجبات في الطلبية الواحدة التي تنتجها أم شهب للجمعيات؛ فستنتج هذا الأسبوع لجمعية الواحدة 15 وجبة باليوم ولمدة 8 أيام، مقارنة ب 75 وجبة باليوم العام الماضي، ولذات الجمعية. 
بلغ صافي ربح أم شهاب منذ بدء فتح قطاع المنظمات الشهر الماضي  لـ125 دينار  مقارنة ب 500 دينار عام 2019، وبانخفاض تقريبي 75% على صافي الربح، مما اضطرها إلى التخلي عن المنزل الذي استأجرته وخصصته لمطبخها الإنتاجي، "بعد ما تراكم عليَّ أيجار أربعة شهور، بطلت قادرة أكمل، ونقلت الشغل للمطبخ في بيتي". 
رغم صعوبة الحالة الوبائية التي مرّت بها مدينة إربد، إلا أن مطبخ أم عمار (tasty food)، كما أسمته على "فيسبوك"، لم تكن خسائره كبيرة، فساعدها بقاء طلاب جامعة اليرموك المغتربين والذين لم يستطيعوا العودة إلى منازلهم على الاستمرارية، "الشغل مش زي أول أكيد، بس أنا بشتغل بمنطقة كلها دكاترة وطلاب وهم زبائننا منذ أن افتتحنا المطبخ، أربعة سنوات". 
تقدر أم عمار خسائرها أثر الأزمة ب 50%، فشهرين التوقف عن العمل منذ منتصف آذار/ مارس حتى أيار/ مايو جعلا من ديونها تزداد، خاصة فيما يتعلق بالمواد المطبخية التي كانت قد حضرتهم قبل بدء الأزمة، "لساتني عم بسد ثغرات فترة الوقوف عن العمل"، تقول أم عمار التي تعمل هي وأبنائها في "المشروع العائلي" كما أسمته. 
تقول علا فرّاح مديرة العلاقات العامة في نادي المطبخ الأردني للسيدات: أن معاناة السيدات اللواتي يمتلكن مطابخ إنتاجية منزلية تكمن في كثير من الأحيان في قدرتهن على تسويق انفسهن في ظل اجتياح المطاعم عالم "السوشال ميديا"، وفي كورونا ظلت فرص البقاء للنساء اللواتي يمتلكن القدرة والمعرفة لتسويق انفسهن، "في سيدات أرامل ومطلقات وفاتحين بيوت من ورى المطابخ الإنتاجية، شغلهم توقف كليا". 
يتفق مدير نادي المطبخ الأردني للسيدات، الشيف خميس قويدر، مع زميلته علا: حيث سعى النادي طوال الفترة الماضية لتأمين احتياجات بعض من المشتركات المتضررات في النادي، عبر طلب دعم مادي من مؤسسات كبيرة، "قد ما حصّلنا دعم بجهدنا، بضل قليل، لازم يكون في دعم رسمي لنا، عشان نقدر نضم أكبر عدد من السيدات في المملكة، ونقدر نطوِّر من مهنة الطبخ اللي صارت تعد سياحية لأهميتها، تحديدا، في المحافظات. 
ارتفعت نسبة السيدات اللاتي يدرن مشاريعا إنتاجية في المملكة من 27.1% عام 2012 إلى 35.6% عام 2015 حسب آخر أرقام دائرة الإحصاءات العامة، فيما لا توجد أية أرقام لدى الدائرة أو حتى لدي الجمعيات المعنية (رغم قلتها) حول عدد المطابخ الإنتاجية في محافظات المملكة، وعدد النساء والرجال العاملات/ين بها. وهذا يعد مقلقاً بالنسبة لمختصين؛ بسبب مدى حصول العاملين والعاملات من المنازل على كافة حقوقهم/ن وشمولهم/هن بمظلات الحماية الاجتماعية. حيث سجلت أحدث أرقام الضمان الاجتماعي في تموز/يوليو الجاري أن نسبة المشتركين الفعّالين في الضمان الاجتماعي بلغت 1.315 مليون مشترك من بينهم 948 ألف من الذكور وبنسبة 72% و367 ألف من الإناث بنسبة 28%.