أحمد عوض
إعلان الحكومة قبل أيام عن البدء بإجراءات إنشاء أسواق شعبية مجانية في مختلف مناطق المملكة توزع على المستفيدين ضمن معايير محددة، يفتح المجال لمناقشة دلالات هذا النوع من الاقتصاد وتوسعه باعتباره أحد أشكال الاقتصاد غير المنظم.
ولسنا هنا بصدد تقديم تحليل نظري للاقتصاد والعمل غير المنظمين، ويطلق عليه البعض الآخر (غير الرسمي)، ولكن وبشكل مختصر يمكن القول إنها الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها العمال والوحدات الاقتصادية غير المشمولة بالترتيبات القانونية، أما العمل غير المنظم، فيتمثل في الوظائف التي تؤدى في منشآت الاقتصاد المنظم أو غير المنظم ولا يتمتع العاملون فيه بالحمايات الاجتماعية المتعارف عليها في تشريعات العمل المختلفة.
وعادة ما تتوسع هذه الأنشطة الاقتصادية في البلدان التي تتفاقم فيها مستويات التفاوت الاجتماعي واللامساواة الاقتصادية؛ حيث يجد الناس أنفسهم مضطرين للعمل بشكل غير منظم للحصول على الحد الأدنى من متطلبات الحياة، خاصة عندما تعجز السياسات الحكومية الاقتصادية والاجتماعية عن بناء نماذج تنموية تحفظ مصالح مختلف مكونات المجتمع.
وبالتالي، فإن اتساع الاقتصاد والعمل غير المنظمين يؤشران على ضعف وهشاشة الاقتصاد؛ حيث تضعف قدرات الاقتصاد المنظم على التوسع وتوليد فرص العمل الكافية واللائقة لطالبيها، وتوفير الأجور والحمايات الاجتماعية الكافية للعاملين لضمان عيش كريم لهم ولأسرهم.
الاقتصاد والعمل غير المنظمين في الأردن توسعا بشكل كبير خلال الأعوام الماضية، وحسب آخر إحصائية غير منشورة فإن نسبة العاملين بشكل غير منظم في الأردن تقارب (48 %) من القوى العاملة (كانت 44 % في العام 2012)، الأمر الذي يعني أنهم لا يتمتعون بأي شكل من أشكال الحمايات الاجتماعية، وأن عملهم يقوم على بيع جهودهم بشكل يومي، بما يشير الى غياب الاستقرار الوظيفي والحياتي لهم ولأسرهم. ووفق مؤشرات توزيع العمل في الأردن فإن (87 %) منهم يعملون بأجر عند آخرين، وما تبقى يعملون عند أنفسهم أو كأصحاب أعمال.
دلالات توسع هذا النوع من الاقتصاد والعمل تدفعنا لإعادة النظر بالخيارات الاقتصادية التي مارستها الحكومات المتعاقبة، ودفعت باتجاه توسع هذا الاقتصاد والعمل على حساب الاقتصاد والعمل المنظمين، ونجم بشكل أساسي عن تطبيق سياسات ضريبية غير عادلة، وسياسات عمل منحازة ضد العاملين بأجر، ما أضعف قدرات الاقتصاد على التوسع، وفاقم التفاوت الاجتماعي وحافظ على مستويات متدنية من الأجور، ودفع أسعار السلع والخدمات الى مستويات مرتفعة جدا.
أولى الأولويات التي يجب على حكومتنا الإسراع بالعمل عليها، العمل الجاد نحو تقليص الاقتصاد والعمل غير المنظمين من خلال التوسع بالاقتصاد المنظم من جانب، والعمل على إشراك جميع العاملين بأجر مهما كان نوع عملهم بمنظومة الضمان الاجتماعي، وهذا يتطلب تخفيض اشتراكات الضمان الاجتماعي من جهة، وإيجاد نموذج بديل للاشتراك الاختياري مرتفع التكلفة ليتمكن أكبر قدر ممكن من العاملين الذين لا يعملون عن صاحب عمل محدد للاستفادة منه.
وكذلك مطلوب مراجعة سياساتنا الاقتصادية والاجتماعية باتجاه إصلاحها، وعدم التعامل مع التفاوت الاجتماعي باعتباره قدر علينا القبول به، بل علينا العمل باتجاه تغيير خيارات الحكومة الاقتصادية باتجاه تقليص التفاوت الاجتماعي، وتوفير الحمايات الاجتماعية للجميع، وعدم الاكتفاء بهدف تعزيز النمو الاقتصادي فقط وبأي ثمن.
صحيفة الغد الأردنية، 2020/2/24