أحمد عوض
تتكثف النقاشات هذه الأيام حول الحد الأدنى للأجور على مختلف المستويات، خاصة بعد أن عقدت اللجنة الثلاثية اجتماعها الأول يوم الثلاثاء الماضي بدعوة من الحكومة لمناقشة إمكانية زيادته.
وتتباين وجهات نظر الأطراف ذات العلاقة حول زيادة الحد الأدنى للأجور ومقدارها، وتعبر غالبية وجهات النظر عن مصالح هذه الأطراف، إلى جانب وجهات نظر بعض الخبراء والمختصين في السياسات الاقتصادية وسياسات العمل.
من المعروف أن الحد الأدنى للأجور يعد أحد أدوات السياسات الاجتماعية والاقتصادية الذي تستخدمها الحكومات لضمان الحد الأدنى من الدخل الذي يقي الداخلون الجدد إلى سوق العمل من الفقر ويحميهم من الاستغلال، إلا أنه وللأسف يتم التعامل مع الحد الأدنى للأجور في بعض القطاعات الاقتصادية في الأردن باعتباره مستوى الأجر الذي يتم دفعه للعاملين والعاملات.
وبالإضافة إلى الدور الذي يلعبه الحد الأدنى للأجور – وزيادته بشكل منتظم ليتواءم مع مستويات المعيشة المتغيرة – في تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية ومكافحة الفقر والتقليل من مستويات التفاوت الاجتماعي (اللامساواة الاقتصادية)، إلى جانب تقليله لأعداد العاملين الفقراء في الأردن، فإن له دورا أساسيا في تحفيز الاقتصاد كونه يلعب دورا أساسيا في زيادة الطلب المحلي الكلي على السلع والخدمات، ويحرك عجلة الاقتصاد جراء ذلك.
وفي هذا المجال أستطيع القول إن مخاوف البعض في القطاع الخاص من أن رفع الحد الأدنى للأجور سيزيد الضغوط على القطاع الخاص غير مبررة، إذ أن الضغوط والأعباء الأساسية على القطاع الخاص ناتجة عن مصادر أخرى، مثل ارتفاع أسعار الطاقة ومدخلات الإنتاج غير البشرية والضرائب المرتفعة بأنواعها المختلفة وضعف الإدارة وارتفاع اشتراكات الضمان الاجتماعي وغيرها، وعليهم أن يتوجهوا للضغط على الحكومة لتخفيف هذه الضغوط، وعدم استسهال الضغط على أجور العاملين.
كذلك فإن القطاع الخاص سيستفيد على المديين المتوسط والبعيد من رفع الحد الأدنى للأجور، لأنه سيساهم في زيادة الطلب العام على السلع والخدمات، وبالتالي سيحققون مزيدا من التوسع والأرباح.
زيادة الحد الأدنى للأجور بشكل ملموس أصبح ضرورة قصوى في الوقت الراهن، إذ أنه متوقف منذ ثلاثة أعوام عند مستوى منخفض (220) دينارا شهريا، وهو يقل عن نصف خط الفقر المطلق للأسرة المعيارية حسب المؤشرات الحكومية، وهو لا يتلائم بأي شكل مع مستويات غلاء المعيشة التي نشهدها في الأردن.
وهو ضرورة قصوى أيضا لأن مستويات الأجور بشكل عام في الأردن منخفضة، إذا ما أخذ بعين الاعتبار المستويات المعيشية التي تعد من بين المستويات الأعلى في العالم، وفي هذا المجال تشير أرقام المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي للعام 2018 الى أن ما يقارب ثلثي العاملين في الأردن رواتبهم الشهرية تقل عن 500 دينار شهريا.
كذلك، ان من شأن زيادة الحد الأدنى للأجور تشجيع قطاعات واسعة من الشباب والشابات الأردنيين للعمل في القطاعات والمهن التي يعزفون عن العمل فيها بسبب انخفاض مستويات الأجور فيها، ونحن في الأردن لدينا “ورشة عمل” ممتدة منذ عدة سنوات لتشجيع الشباب والشابات للانخراط في الوظائف المتاحة، ما سيساهم في تخفيض معدلات البطالة التي تحلق عاليا منذ سنوات.
استنادا الى ذلك، نجد أن زيادة الحد الأدنى للأجور بشكل ملموس يعد ضرورة قصوى، لأنه سينعكس إيجابا على جهود مكافحة الفقر والبطالة، وسيحفز الاقتصاد الوطني وسيعزز الحمايات الاجتماعية، أما الذين يعتقدون أنهم سيتضررون من ذلك، فعليهم البحث عن الأسباب الحقيقية التي تضر بقطاعاتهم الاقتصادية ومحاربتها.
صحيفة الغد الاردنية، 2020/1/12