أحمد عوض
تاريخيا، تستخدم مؤشرات البطالة للتعرف على مدى فعالية السياسات الاقتصادية التي تطورها وتنفذها الحكومات، والعمل على تقييمها وقياس مدى تعافي الاقتصادات من الأزمات التي تواجهها.
سجل التاريخ حالات قامت فيها حكومات بعض الدول بإخفاء مؤشرات البطالة وتجميلها، من خلال تغيير أساليب قياسها بهدف تخفيض أرقام البطالة وإخفاء أزماتها الاقتصادية لتحقيق أهداف سياسية محددة.
مجمل محاولات السياسيين في العديد من دول العالم لتجميل أوضاع بلدانهم الاقتصادية الصعبة، لم تخف حقيقة هذه الأوضاع الصعبة التي عاشتها بلدانهم، ولم تمنع الانفجارات الاجتماعية والسياسية، لأن تغيير الأوضاع الاقتصادية الصعبة لا يتم بإخفاء المؤشرات الإحصائية وتجميلها، بل بمعالجة هذه الأوضاع من خلال تغيير السياسات التي أدت الى حدوث هذه الأزمات الاقتصادية بسياسيات أكثر فاعلية.
نشير الى ذلك، لأن بعض التسريبات تفيد أن هنالك نقاشا في بعض الأوساط الرسمية حول تغيير منهجية قياس مؤشر البطالة المستخدم في الأردن، باعتباره لا يعكس الواقع، استنادا الى فرضية “وهمية” عند البعض، تفيد أن معدلات البطالة الحقيقية في الأردن أقل مما تعكسه المؤشرات التي تعلنها دائرة الإحصاءات العامة.
دائرة الإحصاءات العامة الأردنية تتمتع بسمعة جيدة في أوساط المؤسسات الإحصائية في المنطقة والعالم، سواء من حيث المهنية العالية في تطوير مختلف المؤشرات الإحصائية وقياسها، وفي مدى استقلاليتها، رغم ما تم تداوله مؤخرا حول مؤشرات الفقر، وهي قامت بواجبها في قياسه بمهنية عالية، والحكومة هي المسؤولة عن عدم إصدار هذه المؤشرات.
الهوس الذي ينتاب بعض كبار المسؤولين الحكوميين في تحقيق إنجازات “وهمية” في ملف التشغيل، لتحقيق طموحات سياسية شخصية، دفعهم للاعتراض الناعم على نتائج مؤشرات البطالة للربع الثالث من العام الحالي، الأمر الذي دفعهم لمناقشة منهجية قياس البطالة بهدف تخفيضها.
رغم صعوبة مؤشرات البطالة الأخيرة، التي وصلت الى 19.1 بالمائة، والى 27.2 بالمائة بين النساء، وإلى 39 بالمائة بين فئة الشباب من سن 20-24 عاما من غير الجالسين على مقاعد الدراسة، الا أنها تعكس الواقع الذي يعمل الجميع من أجل تجاوزه؛ إذ إن إخفاء المرض وعدم الاعتراف به لا يلغيان وجوده، وسيؤديان الى تفاقمه.
إضافة الى ذلك، فإن منهجية قياس البطالة المستخدمة من قبل دائرة الإحصاءات العامة هي المنهجية العلمية الوحيدة المعتمدة من قبل المؤسسات الدولية المتخصصة في هذا المجال، وعلى رأسها منظمة العمل الدولية، وأي محاولة مغامرة لتغيير هذه المنهجية ستعرض الأردن للمساءلة وستعرض سمعة الأردن للخطر، الى جانب أن هذا التغيير لن يغير من واقع اتساع مشكلة البطالة في الأردن.
ونريد التأكيد أن مؤشرات البطالة التي تصدرها بشكل دوري دائرة الإحصاءات العامة هي المؤشر الحقيقي لهذه المشكلة، وأي مؤشرات أخرى لا يمكن لها علميا أن تعكس التقدم أو التأخر في معالجتها، كتلك التي يتم استخدامها من وقت لآخر من قبل بعض المؤسسات الحكومية مثل أعداد الأشخاص الذين تم تشغيلهم في إطار برامج التشغيل المختلفة.
بقي أن نقول، إن معالجة مشكلة البطالة التي تتخذ طابعا هيكليا في بعض جوانبها، تتطلب تغييرا في السياسات الاقتصادية لتوليد المزيد من فرص العمل الجديدة واللائقة، وإجراء تغييرات نوعية في سياسات العمل لتحسين شروط العمل في قطاعات التشغيل التي يعزف جانب من الأردنيين عن العمل فيها، بحيث توفر لهم أجرا وحياة كريمين، إضافة الى إجراء تغييرات حقيقية في سياسات التعليم لتوفير أيد عاملة مؤهلة للعمل في مختلف القطاعات الاقتصادية.
صحيفة الغد الأردنية، 2019/12/15