أحمد عوض
على الرغم من استقرار معايير العمل الدولية على ضرورة توفير شروط العمل اللائق لكافة العاملين في مختلف أنحاء العالم ودون تمييز حسب الجنس والجنسية والأصل والعرق، استطاعت بعض المؤسسات المالية الدولية فرض تطبيق ما يطلق عليه بسياسات العمل المرنة.
ويأتي ذلك بهدف تقليل تكاليف تشغيل العاملين على المشغلين في القطاعين الخاص والعام من خلال تخفيف شروط العمل وعلى حساب معايير العمل اللائق المتعارف عليها دوليا.
ويبدو أن المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة التي تعتمد مفهوم العمل اللائق، تقف عاجزة أمام التنامي الملحوظ لقوة صندوق النقد الدولي في تشجيع الدول المرتبطة معه ببرامج إعادة هيكلة اقتصادية، حيث "تشترط" عليها تطبيق سياسات عمل أقل من معايير العمل اللائق.
وتتمثل معايير العمل اللائق باعتبارها الحدود الدنيا من شروط التشغيل الواجب توفيرها للعاملين، حيث تم التأكيد عليها ليس فقط في معايير العمل الدولية التي أصدرتها منظمة العمل الدولية وركزت عليها خلال العقدين الماضيين، وانما أيضا في أجندة التنمية المستدامة 2030 باعتباره أحد هذه الأهداف.
ويتمثل العمل اللائق في تعزيز سبل التشغيل الكامل للقوى العاملة وبناء بيئة مؤسسية واقتصادية مستدامة بحيث توفر للعاملين فرص للتطور الوظيفي، إلى جانب تعزيز تدابير الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي لجميع القوى العاملة بشكل مستدام، وتوفير أجر للعاملين يوفر لهم مستوى معيشيا كريما.
هذا الى جانب توفير ادوات حوار اجتماعي فعالة بين المنظمات النقابية للعمال وأصحاب العمل والحكومة، بما يمكن مختلف هذه الأطراف من المساهمة الفعالة في تطوير سياسات اقتصادية وطنية توافقية تعمل على حماية مصالح مختلف الأطراف، وربط ذلك بالاعتراف بالحق في حرية التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية، هذا الى جانب الالتزام في تطبيق الحقوق والمبادئ الأساسية في العمل المرتبطة بساعات العمل وشروط الصحة والسلامة المهنية وغيرها.
ويبدو أن هذا المستوى من المعايير لا يرضي القوى الاقتصادية الكبرى والنافذة في العالم، فأخذت ومن خلال الحكومات والشركات المتعددة الجنسية التي تفرض رؤيتها يوما بعد يوم على التحولات الاقتصادية العالمية، فأخذت تروج لتنفيذ سياسات عمل تضر بمجملها بمصالح العاملين بأجر الذين يشكلون أغلبية سكان العالم ومنها منطقتنا العربية والأردن.
وتتمثل سياسات العمل المرنة في ربط الحدود الدنيا من الأجور بالكفاءة وليس بالمستوى المعيشي الكريم للعاملين، وكذلك تقليص منافع العمال في الحمايات الاجتماعية وتسهيل عمليات الفصل من العمل وتعويضات نهاية الخدمة، هذا إلى جانب التوسع في استخدام عقود العمل قصيرة الأجل بدلا من العمل المستدام، وكذلك توجيه الحكومات والشركات للتخفيف من قوة المنظمات النقابية العمالية وقدراتها التفاوضية.
قراءة سريعة لما يحدث في الأردن كنموذج للدول التي ارتبطت ببرامج إعادة هيكلة اقتصادية وتسهيلات ائتمانية مع صندوق النقد الدولي، نجد أن هذه المنطلقات هي التي وجهت مختلف التعديلات الأخيرة على قانون العمل تم فيها فرض المزيد من القيود على المنظمات النقابية وقدراتها التفاوضية في رسم السياسات الاقتصادية الوطنية وعلى مستوى تحسين شروط العاملين، وكذلك حرمت تعديلات نظام الخدمة المدنية العاملين في القطاع العام من تشكيل النقابات وتنفيذ الإضرابات، لا بل منعهم من التعبير عن آراءهم في السياسات العامة.
الى جانب ذلك تم تقليص الحمايات الاجتماعية في إطار منظومة الضمان الاجتماعي قبل عدة أسابيع بحرمان العاملات والعاملين الشباب من التمتع بكافة الحمايات الاجتماعية التي يوفرها قانون الضمان الاجتماعي، وكذلك امتنعت الحكومة عن رفع الحد الأدنى للأجور رغم مرور أكثر من عامين ونصف على آخر تعديل جرى عليه.
على الحكومة أن تتنبه أن مسار التعديلات التراجعية لمعايير العمل في الأردن الذي يأتي استجابة لسياسات المؤسسات المالية الدولية ومصالح بعض أصحاب المصالح، سيؤدي بالضرورة الى تعميق حالة التباطؤ الاقتصادي بسبب تراجع القدرات الشرائية لغالبية المواطنين من جانب وتوسع الاقتصاد والعمل غير المنظم من جانب آخر، وسيؤدي كذلك الى تعميق التفاوت الاجتماعي بما يؤثر سلبا على استقرار الأردن.
صحيفة الغد الأردنية، 2019/10/14