أحمد عوض
في ظل استمرار حالة التباطؤ الاقتصادي التي یعیشھا الاقتصاد الأردني منذ عدة سنوات، وتأثیراته على معدلات البطالة والفقر التي وصلت إلى مستویات عالیة جداً، بات مطلوبا التفكیر بحلول خارج نطاق الأفكار التقلیدیة التي اعتدنا علیھا منذ سنوات.
أحد أھم أسباب استمرار حالة التباطؤ الاقتصادي التي بدأت منذ عام 2010 وما زالت مستمرة حتى الآن، ضعف القدرات الشرائیة للمستھلكین في الأردن، وبالتالي ضعف الطلب الكلي على السلع بمختلف أنواعھا، والتي نجمت عن ارتفاع تكالیف المعیشة (أسعار السلع والخدمات) وثبات مستویات الأجور للغالبیة الكبیرة من المواطنین، وخاصة لدى العاملین بأجر الذین یشكلون ما یقارب 85% من مجمل النشطین اقتصادیا في الأردن.
ھذه الحالة لم تأت صدفة، بل ھي نتاج للخیارات الاقتصادیة الاستراتیجیة التي ذھبت خلال العقود القلیلة الماضیة باتجاه التوسع في فرض الضرائب غیر المباشرة من جھة، والضغط على مستویات الدخول (الأجور) من جھة أخرى، وجلھا جاء التزاما بإملاءات بعض المؤسسات المالیة الدولیة وخاصة صندوق النقد الدولي.
ھذه الخیارات أدت إلى حدوث اختلالات قاتلة في ھیكل الإیرادات الضریبیة، ومستوى من العبء الضریبي غیر المحتمل، بحیث أصبح ثلاثة ارباع إیرادات خزینة الدولة یأتي من الضرائب غیر المباشرة المتمثلة في الضریبة العامة على المبیعات والضرائب الخاصة والرسوم بمختلف أنواعھا بما فیھا الرسوم الجمركیة.
بینما الحالة الصحیة الأكثر شیوعا في الدول المستقرة اقتصادیا واجتماعیا، تكون فیھا العائدات الضریبیة من ضریبة الدخل (الضریبة المباشرة) أعلى من الضرائب غیر المباشرة، باعتبار أن ضریبة الدخل أكثر عدالة من ضرائب الاستھلاك التي لا تمیز بین غني وفقیر.
كذلك، دفعت ھذه الخیارات الاقتصادیة الى الضغط على مستویات الأجور للغالبیة الكبیرة من العاملین بأجر في القطاعین العام والخاص، لدرجة أن ما یقارب نصف القوى العاملة في الاقتصاد المنظم رواتبھم تقل عن 400 دینار شھریا حسب المؤشرات الإحصائیة للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي للعام 2018، لا بل أن ثلثي القوى العاملة النظامیة أجورھم تقل عن 500 دینار شھریا، -وبالتالي أصبحت غالبیة العمالة في الأردن فقیرة- وھي ذاتھا مؤشرات خطوط الفقر المطلقة للأسرة المعیاریة في الأردن، والتي أفصحت الحكومة عنھا بشكل غیر مباشر مؤخرا.
وھذا یعني أن الغالبیة الكبرى من العاملین بأجر في الأردن بالكاد یستطیعون الانفاق على حاجیاتھم الأساسیة من مأكل ومشرب وملبس، ومن ھنا نستطیع تفسیر كثرة الاحتجاجات الاجتماعیة والعمالیة التي تطالب بزیادات على أجورھا في القطاعین العام والخاص، ومنھا الإجراءات الاحتجاجیة التي بدأت بتنفیذھا نقابة المعلمین الخمیس الماضي، وتحول إلى اضراب شامل یوم أمس الأحد.
لذلك وبعیدا عن المصطلحات التي لا یستسیغ سماعھا كبار مسؤولي الحكومة الأردنیة وبعض القوى النافذة في القطاع الخاص حول ضرورة العمل على تحقیق العدالة الاجتماعیة ومحاربة التفاوت الاجتماعي، نقول أنھ وللخروج من الأزمة الاقتصادیة التي نعاني منھا، والتي یعد التباطؤ الاقتصادي أبرز مظاھرھا، على الحكومة أن تتجه نحو خیارین أو أحدھما، اما تخفیض الضرائب غیر المباشرة بشكل ملموس بحیث ینعكس على تخفیض الأسعار، وبالتالي زیادة الطلب العام على الاستھلاك، واما زیادة الأجور في القطاعین العام والخاص بحیث یزید الطلب الكلي على الاستھلاك.
یبقى السؤال الذي نواجھه دائما عند مطالبتنا بھكذا مطالب، كیف سیتم تمویل زیادات الأجور؟
بكل بساطة نقول أن ھذا الانفاق یعد علاجا ضروریا لمواجھة أزمتنا الاقتصادیة والاجتماعیة، حتى لو ترتب علیه أعباء إضافیة على الموازنة، كذلك فإن جزءا من الزیادات على الأجور أو التخفیضات الضریبیة سیتم استعادته على شكل ضرائب غیر مباشرة ومباشرة كإیرادات للخزینة بسبب تحسن عجلة النمو الاقتصادي.
أما بالنسبة للقطاع الخاص، فإن انتعاش الحیاة الاقتصادیة سینعكس بالضرورة بشكل ایجابي على الخروج من حالة التباطؤ الاقتصادي، وبالتالي ستزداد الحركة الاقتصادیة وتنعكس إیرادات وارباح علیھا.
أما الجائزة الأكبر التي سنجنیھا جراء التحول نحو ھذه الخیارات الاقتصادیة، فستكون تجنیب الأردن مجتمعا ودولة العدید من التوترات الاجتماعیة والسیاسیة التي نتلمس ملامحھا جراء استمرار الأوضاع على ما ھي علیه.
صحيفة الغد الأردنية، 2019/9/9