أحمد عوض
من وقت لآخر، یخرج علینا بعض كبار المسؤولین ببعض الفرضیات التي أقل ما یمكن أن یقال عنھا فرضیات ”وھمیة“ أو ”أسطوریة“ لتفسیر بعض التحدیات التي نواجھھا. ومؤخراً خرج علینا تفسیر لارتفاع معدلات البطالة في الأردن، مفاده، أن أسباباً ثقافیة تدفع الأردنیین لعدم العمل في القطاع الخاص.
ویعد ضعف تشخیص التحدیات والمشكلات التي نواجھھا من قبل كبار المسؤولین الحكومیین أحد أھم الأسباب في أننا في الأردن ما نزال نعاني من التحدیات والمشكلات الاقتصادیة والاجتماعیة ذاتھا وحتى السیاسیة التي كنا نعاني منھا منذ عقود.
آمل أن تكون الفرضیة التي تم تقدیمھا لتفسیر ظاھرة ارتفاع معدلات البطالة وعزوف الشباب والشابات عن العمل في القطاع الخاص، كما جاء على لسان أحد المسؤولین الأسبوع الماضي ”زلة لسان“ فقط. لأنه، لو كان ھذا التفسیر یعبر حقیقة عن موقف الحكومة من تفاقم مشكلة البطالة، فھذا كارثة، وتؤشر الى أن بعض وزراء الحكومة معزولون عن الواقع، وغیر مدركین للأسباب الحقیقیة للتحدیات التي نواجھھا.
ھذا ”التبسیط“ في تحلیل وتفسیر الارتفاعات المستمرة في معدلات البطالة في الأردن، والتي وصلت الى أرقام قیاسیة مؤخراً، ھو امتداد لفرضیة أخرى یطلق عليها ”ثقافة العیب“، والتي تم الترویج لھا خلال العقود الثلاثة الماضیة في سیاق دفاع الحكومات المتعاقبة عن فشل سیاساتھا الاقتصادیة والاجتماعیة في مواجھة التحدیات الحقیقیة التي یواجھا اقتصادنا الوطني وسیاسات العمل.
ھذه الفرضیات ”الأسطوریة“ سرعان ما یتم نقضھا، إذا ما تم النظر بتمعن في بعض دینامیات تطور بعض قطاعات العمل؛ فمثلا یعد قطاع العاملین في النظافة في البلدیات، الذین یطلق علیھم في الأردن (عمال وطن)، الوظیفة التي كان یعزف الأردنیون عن العمل فیھا بشكل كبیر، وكانت نسبة الأردنیین العاملین فیھا قبل حوالي عقد ونصف لا تتجاوز 10% فقط، وعندما تم تحسین شروط العمل لھذه الوظیفة من حیث الراتب والضمان الاجتماعي والتأمین الصحي وساعات العمل المحدودة التي تنسجم مع قانون العمل وغیرھا من معاییر العمل اللائقة، أصبحت نسبة الأردنیین العاملین فیھا تقارب 90%.
على كبار مسؤولینا أن یمعنوا التفكیر عمیقاً بالمشكلات والتحدیات التي نواجھھا، (وھنا یأتي دور المستشارین في الحكومة)، وعدم التسرع في تقدیم طروحات مستفزة للمواطنین الذین یدفعون ثمن ھذه المشكلات والتحدیات، والمستفزة لبعض من لدیھم بعض المعرفة بالدینامیات الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة التي نعیشھا في الأردن.
یفترض أن لا یختلف اثنان على تشخیص الأسباب الحقیقیة الأساسیة لتنامي معدلات البطالة وعزوف شبابنا (ذكوراً وإناثاً) عن العمل في بعض القطاعات الاقتصادیة للقطاع الخاص، والتي تبدأ ببؤس شروط العمل في عدد كبیر من مؤسسات القطاع الخاص، سواء من حیث انخفاض مستویات الأجور؛ حیث یسود الحد الأدنى للأجور المنخفض، والتھرب من تسجیل العاملین في الضمان الاجتماعي وغیاب معاییر العمل المنصوص علیھا في قانون العمل. لذلك علیھا تحسین شروط العمل بشكل ملموس لنقنع أبناءنا وبناتنا بجدوى العمل في بعض القطاع الخاص.
كذلك أسھمت سیاسات التعلیم التي أدت خلال العقود الثلاثة الماضیة الى التوسع في التعلیم الجامعي على حساب التعلیمین المتوسط والمھني، وتراجع جودة التعلیم في مختلف مستویاته وشكلیة التدریب العملي أثناء الدراسة في زیادة معدلات البطالة.
یضاف الى ذلك، حالة التباطؤ الاقتصادي التي یعاني منھا اقتصادنا الوطني منذ سنوات عدة والتي أدت الى تراجع قدراته على تولید فرص عمل جدیدة لتشغیل الأعداد المتزایدة من طالبي الوظائف بحكم منطق النمو السكاني في الأردن.
ھذه بعض الأسباب الأساسیة لتنامي مشكلة البطالة في الأردن، وعلى كبار المسؤولین الحكومیین مواجھتھا بجرأة، وخلاف ذلك سنبقى نعاني من تفاقم ھذه المشكلة وغیرھا من المشكلات.
صحيفة الغد الأردنية، 2019/8/5