أحمد عوض
أثبتت التجربة أن سیاسات العمل الناظمة للعمالة المھاجرة التي نطلق علیھا في الأردن (وافدة) غیر فعالة، بدلیل أن ما یقارب ثلثي العمال المھاجرین (الوافدین) قادرون على العمل بدون تصاریح عمل رسمیة.
الأرقام والتقدیرات الرسمیة تشیر الى أن عدد تصاریح العمل الصادرة سنویا عن وزارة العمل للعمال المھاجرین (الوافدین) لا تزید على 350 ألف تصریح، بینما یقارب أعداد العمال المھاجرین العاملین في الأردن الملیون عامل، بمعنى أن ثلثي العمال المھاجرین (الوافدین) یعملون بشكل غیر نظامي.
النموذج المعتمد في الأردن لتنظیم العمالة الأجنبیة یقوم منذ عشرات السنین على فكرة (الكفیل)، وإن كان لا یسمى (كفیلا) في الأنظمة الخاصة بذلك، بمعنى أن كل عامل أجنبي یرید أن یعمل في الأردن یجب أن یسجل باسم صاحب عمل محدد.
مخاطر ذلك على سوق العمل كبیرة، فمن جانب ھنالك مئات آلاف العمال المھاجرین (الوافدین) غیر الحاصلین على تصاریح عمل یعملون في وظائف ومھن مخصصة للعمالة الأردنیة، وبالتالي یخلقون حالة من المنافسة غیر العادلة تدفع باتجاه مزید من البطالة بین الأردنیین.
ومن جانب آخر، تضعف قدرة السیاسات العامة في التأثیر على دینامیات سوق العمل، باعتبار أن مئات آلاف العاملین فیه خارج نطاق التنظیم وخارج السیطرة.
كذلك فإن استخدام ھذا النظام یعرض أعداداً كبیرة من العمال المھاجرین في الأردن الى الاستغلال من قبل العدید من أصحاب الأعمال، سواء بحجز وثائق سفرھم و/أو عدم تسلیمھم أجورھم و/أو إجبارھم على العمل لساعات طویلة، وعدم تسجیلھم في الضمان الاجتماعي، وھنالك آلاف الحالات التي توضح تعرض آلاف العاملین المھاجرین الى أشكال بشعة من الاستغلال.
ومشكلة ھذا النموذج أنه یعرض مصالح العدید من أصحاب العمل أیضا للخطر؛ حیث یترك الآلاف من العمال المھاجرین أعمالھم عند أصحاب الأعمال المسجلین بأسمائھم (كفلائھم)، ویبقون مسجلین بأسمائھم، ولا یستطیعون إحضار بدلاء لھم لتیسیر أنشطتھم الاقتصادیة.
یضاف الى ذلك، أن عدم حصول ھذا العدد الكبیر جدا من العاملین الأجانب على تصاریح عمل یعني بالضرورة خسارة خزینة الدولة أو البرامج التي تعتمد على الإیرادات المتأتیة من تصاریح العمل، عشرات الملایین من الدنانیر بسبب عدم إصدارھم تصاریح العمل.
والعامل الأجنبي، وفق النموذج المعمول به، لا یستطیع التصرف بخیاراته في سوق العمل، وعلیه أن یحصل على موافقة صاحب العمل المسجل باسمه (كفیله)، لا بل لا یستطیع مغادرة الأردن إلا بموافقة كفیله.
إن عدم قدرة العامل، أیا كانت جنسیته، على تغییر المنشأة التي یعمل فیھا في المھن المسموح له العمل فیھا، یصنف وفق المنظومة العالمیة لحقوق الإنسان ومعاییر العمل الدولیة باعتباره عملا جبریا، والعمل الجبري یعد من أشكال الاتجار بالبشر المحرمة دولیا، لذلك یتعرض الأردن لانتقادات متتالیة في التقاریر الدولیة لحقوق الإنسان.
إن تغییر نموذج تصاریح العمل المعمول به في الأردن منذ عشرات السنین أصبح ضرورة ملحة، والنموذج الذي نقترحه ومعمول به في غالبیة دول العالم، ھو نظام (تصاریح العمل الحرة)، بحیث یتم السماح للعامل المھاجر بالعمل في المھن التي تقررھا الحكومة الأردنیة وفق قرار المھن المغلقة الذي تصدره وزارة العمل، بدون أن یكون مربوطا بصاحب عمل محدد (كفیل)، ویستطیع العامل المھاجر العمل في المنشأة أو صاحب العمل الذي یرید وفق الاتفاق الواقع بینھما.
یبقى موضوع من یتحمل كلفة إصدار تصریح العمل في ھذا النموذج، والتي یمكن أن یتحملھا العامل المھاجر (الوافد) نفسه، الأمر الذي من شأنه أن یدر مزیدا من الإیرادات على خزینة الدولة أو البرامج التي تستفید منھا، ففي تصوري أن ما لا یقل عن نصف العمال المھاجرین الذین لا یحملون تصاریح عمل في الأردن سوف یبادرون طوعا إلى إصداره.
أعلم أن ھذا الخیار سیواجه بقوة من بعض مراكز القوى. ولكن في النھایة نموذج (الكفالة) المعمول بھ حالیا غیر صالح للاستخدام، لا إنسانیا ولا اقتصادیا.
صحيفة الغد الأردنية، 2019/4/29