أحمد عوض
تفید التجربة الإنسانیة والممارسات الفضلى في العالم أن التشریعات والسیاسات الأكثر عدالة واستدامة ھي السیاسات التوافقیة والمتوازنة التي تأخذ بعین الاعتبار مصالح مختلف الأطراف في المجتمع.
لا یكاد یختلف اثنان من صناع السیاسات في الأردن على ھذا المبدأ، إلا أن التقییم الموضوعي للتشریعات والسیاسات المعمول بھا یشیر بوضوح إلى أنه یستخدم للاستھلاك الإعلامي فقط؛ حیث تفتقر غالبیتھا للتوازن.
المتطلب الأساسي لتطویر تشریعات وسیاسات توافقیة ومتوازنة یتمثل في تمكین مختلف القوى الاجتماعیة للتعبیر عن نفسھا والدفاع عن مصالحھا بطرق سلمیة، وھذا یعني بالضرورة السماح لمكونات المجتمع كافة بتنظیم نفسھا.
وفي الوقت الذي نعاني في الأردن من مشكلات اقتصادیة واجتماعیة عدیدة، لیس أقلھا التفاوت الاجتماعي (اللامساواة) والفقر والبطالة، ناجمة عن غیاب التوازن عن التشریعات والسیاسات المعمول بھا، فإن الاتجاه العام لصناعة التشریعات والسیاسات یقوم على غیاب التشاور الحقیقي بین أصحاب المصالح المختلفین، وإن حدثت فھي ذات طابع شكلي، و/أو تأخذ بعین الاعتبار مصالح الفئة الأكثر نفوذا.
وتكفي نظرة موضوعیة ودقیقة على قوانین ضریبة الدخل والضریبة العامة على المبیعات والعمل والمالكین والمستأجرین وغیرھا من القوانین، لنكتشف أنھا تفتقر الى التوازن، وأنھا لم تقم على تسویات وتوافقات اجتماعیة حقیقیة.
ونحن لا نفاجأ بذلك؛ إذ إن آلیات المشاورات والحوار الاجتماعي بین مختلف مكونات المجتمع غیر فعالة، وغیر ممأسسة، لیس ھذا فقط، لا بل إن متطلبات إجراء حوار اجتماعي حقیقي غیر متوفرة.
فالغالبیة الكبرى من الأحزاب السیاسیة التي تجاوز عددھا الخمسین حزبا لا تقوم على أسس اجتماعیة واقتصادیة، بل تقوم على مجموعة من الأفكار والقیم العامة التي تتشارك غالبیة الأحزاب السیاسیة فیھا، بحیث لا نستطیع أن نمایز بین ھذه الأحزاب وفقا لمواقفھا وأطروحاتھا الاقتصادیة والاجتماعیة.
واللافت أنه وفي العدید من الأحزاب الأساسیة الأردنیة التي تعتمد أسسا عقائدیة معینة، نجد أن ھنالك اختلافات في مواقف أعضاء وقیادات ھذه الأحزاب تجاه بعض السیاسات الاجتماعیة والاقتصادیة تبعا لمصالحھم الاقتصادیة الخاصة.
كذلك، فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي لم یعد بتركیبته وأدوات عمله أكثر من مؤسسة حكومیة یتم تعیین أعضائه وموظفیه بمختلف مستویاتھم من قبل الحكومة، وبالتالي غابت عنه صفة التمثیلیة لمكونات المجتمع (عمال وأصحاب أعمال وحكومة ومنظمات مجتمع مدني)، وتحول الى مركز تفكیر یصدر دراسات وتقاریر.
كذلك، فإن أطراف الحوار الاجتماعي المفترضین لا یتمتعون بالحقوق ذاتھا في التعبیر عن أنفسھم، ففي الوقت الذي نجد فیه أصحاب الأعمال بمختلف أنواعھم یتمتعون بكامل الحریة في تنظیم أنفسھم في أطر نقابیة وجمعیات (وھذا حقھم)، فإن الطرف المقابل لھم، المتمثل بالعاملین والموظفین، لا یتمتع بالحقوق ذاتھا.
ونجد في الأردن عشرات الأطر التنظیمیة المدنیة من غرف صناعة وتجارة ونقابات أصحاب أعمال وجمعیات لرجال الأعمال ولأنواع المستثمرین والقطاعات الاقتصادیة كافة، في الوقت ذاته الذي لا یسمح فیه للعاملین والموظفین -الطرف الآخر للحوار الاجتماعي بتشكیل جمعیات ونقابات موازیة، ویتم رفض طلبات التأسیس كافة لجمعیات لعاملین وموظفین في القطاعات الاقتصادیة ذاتھا، ما ترتب علیه غیاب التوازنات الاجتماعیة التي تسمح بتطویر سیاسات توافقیة ومتوازنة.
الخلاصة تتمثل في أن استمرار العمل بھذا النھج، سیؤدي الى استمرار وتفاقم الأزمات المختلفة التي نعاني منھا؛ حیث تحول قوة أصحاب المصالح المنظمین دون تطویر تشریعات وسیاسات توافقیة، وتحول أیضا دون تمكین جمیع أصحاب المصالح من المشاركة في عملیات تطویرھا، وما التعدیلات التي جرت على قانون العمل مؤخرا سوى مثال واضح على ذلك، حیث تقیید حق العاملین في تشكیل نقابات وإضعاف قدراتھم في إجراء مفاوضات جماعیة.
صحيفة الغد الأردنية، 2019/3/25