الرئيسية > "نحن" من صنع البطالة، أحمد عوض، الغد

"نحن" من صنع البطالة، أحمد عوض، الغد

الاثنين, 11 آذار 2019
النشرة الالكترونية
Phenix Center


أحمد عوض
یستسھل العدید من السیاسیین والاقتصادیین تحمیل عبء ارتفاع مؤشرات البطالة، خاصة بین الشباب والشابات على المتعطلین أنفسھم، وفي أحسن الأحوال على حالة التباطؤ الاقتصادي والظروف الإقلیمیة الصعبة.
لم تعد مؤشرات البطالة التي قاربت 19 بالمائة وبین النساء 26 بالمائة، وبین الشباب من غیر الجالسین على مقاعد الدراسة 37 بالمائة مجرد أرقام یتداولھا السیاسیون والمختصون ووسائل الإعلام، بل بدأت تعبیراتھا تظھر على شكل احتجاجات ومسیرات للمتعطلین عن العمل في مختلف محافظات المملكة ككرة الثلج لا نعلم مدیاتھا.
صوغ التبریرات غیر الدقیقة وتردیدھا على لسان بعض مسؤولینا بالقول إن شبابنا لا یرغبون بالعمل في القطاع الخاص، ویریدون العمل في القطاع العام فقط، وبالتالي تحمیل المشكلة للمتعطلین أنفسھم، أمر یجانب الحقیقة.
نعم، نحن صنعنا البطالة بأنفسنا، عندما أضعفنا القطاعات الإنتاجیة كثیفة التشغیل واتجھنا نحو التوسع في اتفاقیات "التجارة الحرة" و"الشراكة“" غیر العادلة، ما أدى الى التوسع في القطاعات التجاریة ضعیفة التشغیل، ما أسھم في إضعاف قدرات الاقتصاد الوطني على تولید فرص عمل جدیدة.
صنعنا البطالة عندما توسعنا في التعلیم الجامعي على حساب التعلیم المتوسط -خضوعا لرغبة أصحاب الجامعات- بینما حاجات سوق العمل كانت تتجه نحو الوظائف الفنیة والمھنیة والمتوسطة، واستمررنا في تدریس التخصصات الراكدة في جامعاتنا.
صنعناھا عندما قبلنا أن تكون مخرجات نظامنا التعلیمي -على اختلاف مستویاته- ضعیفة، وخریجوه غیر مؤھلین للانخراط في سوق العمل، بسبب ضعف المعارف والمھارات الواجب اكتسابھا. 
صنعنا البطالة عندما عملنا لعقود على إضعاف شروط العمل، وعلى وجه الخصوص مستویات الأجور، من خلال تطبیق ما یطلق علیه سیاسات العمل "المرنة"، خضوعا لفرضیات خاطئة تقول إن شروط العمل الضعیفة تسھم في تشجیع الاستثمار المحلي على التوسع وجذب الاستثمار الخارجي، وإن ھذا الاستثمار سیؤدي الى تولید مزید من فرص العمل، والنتائج التي نراھا في الوقت الراھن تؤكد العكس. 
صنعنا البطالة عندما أسھمنا في دفع الشباب والشابات نحو الركض خلف الوظائف الحكومیة المختلفة، عندما أمعنا في الاستمرار على أن تكون شروط العمل في القطاع العام أفضل منھا في القطاع الخاص وأكثر حمایة واستقرارا. 
نعم، صنعنا البطالة بأنفسنا عندما أضعفنا القطاع التعاوني وحولنا الجمعیات التعاونیة الى جمعیات خالیة من المضمون التعاوني تعمل باعتبارھا مؤسسات شبه حكومیة وتعیش على المنح والمساعدات، ولیس مؤسسات أعمال ھدفھا التوسع من خلال الحصول على تسھیلات حكومیة متنوعة. 
وصنعنا البطالة عندما تخلت وزارة العمل عن رؤیتھا ورسالتھا ومھامھا الأساسیة في الحفاظ على توازنات سوق العمل، وحمایة مصالح العاملین وأصحاب الأعمال على حد سواء، وضمان تطبیق معاییر العمل اللائقة. وأصبحت منحازة لمصالح بعض أصحاب الأعمال، لذلك تنتشر الانتھاكات العمالیة على نطاق واسع في القطاع الخاص، بحیث أصبحت طاردة وغیر مجدیة اقتصادیا لأبنائنا وبناتنا. 
صنعنا البطالة عندما أصبحت وزارة العمل تؤدي مھام دوائر الموارد البشریة في مؤسسات الأعمال وتلعب دور الوسیط بین المتعطلین عن العمل ومنشآت الأعمال التي لدیھا شواغر، من خلال ما یطلق علیه معارض وحملات التشغیل، والتي أثبتت الأیام أنھا لا تقدم ولا تؤخر في مكافحة مشكلة البطالة.
من غیر الممكن مواجھة مشكلة البطالة في الأردن بدون مراجعة ومعالجة جدیة للسیاسات العامة التي أدت الى تفاقم مشكلة البطالة، والتي استعرضنا جانبا منھا، وخلاف ذلك سنبقى ندور حول أنفسنا، وستبقى اتجاھات مؤشرات البطالة في تزاید مستمر. 
صحيفة الغد الأردنية، 2019/3/11